20
إلى غير هذه الأمثلة التي هي على حبل الذراع لمن يبتغيها في أسفار الرحالة الذين جابوا البلاد ونقلوا إلينا كثيرا من عادات الأمم الغريبة المختلفة، وهي شاهدة على اختلاف العرف وعدم صلاحيته مقياسا أخلاقيا.
21
الثاني:
عدم ابتنائه في كثير من الأمور على أساس يرضاه الدين والأخلاق؛ إذ ما أكثر تلك العادات التي أصبحت عرفا، ومبناها كما ذكرنا الحظ والمصادفة أو قصر النظر، ولا يقرها العقل بحال.
الثالث:
إنه قاتل لحرية التفكير في المرء تقريبا لأنه يفرض أوامره في كثير من الحالات فرضا، ولو التزم الناس العرف ووقفوا عند حدوده، لما تقدم العالم ولأصيب بالجمود، وحيل بينه وبين الارتقاء. وليس أكثر حركات المصلحين إلا ثورات على العادات السيئة والتقاليد البالية؛ ولذلك نعى الله في أكثر من موضع في القرآن الكريم على المشركين تمسكهم بما كان عليه آباؤهم من غير نظر ولا تفكير، فقال:
وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون !
واعتبار الشرع له في بعض الحالات لا ينافي عدم صلاحيته لميزان الأعمال الأخلاقية؛ لأن الفقهاء إنما راعوه في الأمور المادية من حيث صحتها وفسادها، فتترتب أو لا تترتب عليها آثارها العملية، أما الأخلاق فمناط نظرها الأعمال الأدبية من ناحية خيريتها وشريتها، وكم من عمل يكون صحيحا شرعا وهو شر من جهة الأخلاق، كالذي يقف جانبا من ماله على بناء ملجأ لليتامى مثلا وقفا مستوفيا لشرائط الصحة، لكن باعثه هو الرياء والسمعة والطمع في رتبة من رتب الشرف الرسمية، هذا العمل صحيح شرعا لاستيفائه شروط الصحة في مثله، فتلزمه آثاره العملية من حبس العين وعدم التصرف فيها بالبيع ونحوه وصرف غلتها لمنافع الملجأ ومصارفه، إلا أن الأخلاق لا يمكن أن تعده خيرا لفساد الباعث عليه.
لهذه الأسباب وغيرها يتضح صحة ما رآه الأخلاقيون من عدم صلاحية العرف للقياس الخلقي، فلننتقل عنه إلى البحث في القياس الثاني وهو القانون. (8) القانون
Shafi da ba'a sani ba