Falsafar Ingilishi A Cikin Shekaru Dari (Sashi Na Farko)

Fuad Zakariyya d. 1431 AH
81

Falsafar Ingilishi A Cikin Shekaru Dari (Sashi Na Farko)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

Nau'ikan

32

الذي يمكن بالفعل أن تعد تعاليمه أكمل مظهر للفكر التطوري الحديث، على أن عرضنا له سيبين أن هذا الفكر الخصب الغزير الإنتاج لا يمكن أن يحصر في الإطار الضيق لمبدأ واحد بعينه، أو ينسب إلى مدرسة خاصة أو اتجاه فكري معين، وإنما هو يتجاوزه هذه الحدود بمراحل، ويحتاج إلى أن يقدر بمعايير خاصة به؛ لذلك ينبغي أن نؤكد بكل وضوح أننا لا نعني ببحثنا لمؤلفاته في هذا السياق، أن نصدر مقدما أي حكم حول طابعها أو اتجاهها.

ولا تتميز أعمال هبهوس في مجال الفلسفة بعمقها وأصالتها بقدر ما تتميز برحابة نظرتها وشمول نطاقها وتشعب مجالات اهتمامها. فقد كان ذهن هبهوس، بعد ذهن سبنسر، هو أكبر ذهن موسوعي بين الفلاسفة الإنجليز. كما كان باحثا ذا مركز رفيع مستقل في مجالات مختلفة للعلم، بل لقد تحدى روح التخصص الشائعة اليوم، عن طريق التحكم في ذخيرة تدعو إلى الدهشة من المعارف العامة والخاصة، والجمع بينها سويا في إطار تفسير فلسفي موحد، وفضلا عن ذلك، فلكي يكون المرء مجرد فكرة عن نشاطه الذي لا ينفد، ومدى تشعب مجهوداته، ينبغي أن يذكر أن نشاطه بوصفه عالما وفيلسوفا لا يمثل إلا شطرا واحدا من مجموع أعماله، وأن حياته قد استغرقت إلى جانب ذلك، في عمل متواصل في الصحافة والسياسة والخدمة الاجتماعية والتنظيم والتدريس وما شابه ذلك.

ويتضح الطابع العام للإطار الفلسفي الذهني لهبهوس في نفوره العميق من كل تأمل مجرد يتم في فراغ، فقد كان تفكيره مبنيا على الدوام على أساس متين من البحث الدقيق في مجال معين من الحقائق التجريبية، وكان ينهل على الدوام من معين التجربة ليجدد بها هذا التفكير، ولكنه مع ذلك لم يتوقف أبدا عند حدود الوقائع المجردة، وإنما رأى نفسه مضطرا على الدوام إلى إحراز المزيد من التقدم نحو تكوين مركب ومنظور فلسفي عام. وإذا شئنا أن نعبر عن الأمر تعبيرا مجازيا، لقلنا إنه كان يحرث الحقل التجريبي ويبذر فيه البذور الفلسفية، لكي يجني ثمارا فلسفية. وتتمشى مع ذلك تلك القرابة الوثيقة التي قال بها بين الفلسفة والعلم، فليس بين الاثنين في نظره فارق أساسي. وعلى حين أن العلوم تسعى إلى إخضاع جزء من عالم الواقع في وجه محدد من أوجهه، للتفسير العقلي، فإن الفلسفة تسعى إلى الوصول إلى معرفة لعالم الواقع بأسره وإخضاعه لنظرية شاملة؛ لذلك ينبغي على الفلسفة أن تطأ طريق العلوم الخاصة. ولما كان هذا طريق تقدم مستمر لا نهاية له، فإن الفلسفة - التي هي بدورها سعي دائم - ينبغي أن تتجنب كل استنتاجات نهائية، وإن تتبع المشكلات لذاتها أو من أجل محتواها الواقعي لأهم من إتمام بناء الفكر الفلسفي المتعدد الحجرات في مذهب متناسق الخطوط، وليس ثمة مبرر للمجهود الذي يبذل في بناء المذهب، وهو المجهود الذي يعترف به هبهوس صراحة، والذي كان واضحا كل الوضوح في تفكيره، إلا إذا حدث ذلك في مذهب مفتوح يحتفظ بالمشكلات المتعددة في صورتها الخاصة ويستبقيها، ويكون من الممكن فيه دائما تدفق مادة واقعية جديدة مستمدة من مجهودات العلوم الخاصة. وهكذا فإن الهدف الأول للفلسفة هو صنع مركب من العلوم، أو بعبارة أدق: مركب يكون منسجما مع نتائج البحث المتخصص، ويتخذ منها أساسا يبنى عليه، ومع ذلك فهي لا تبلغ من ضيق الأفق حدا يجعلها تقف عند حد إضفاء صحة مطلقة على الوجه العلمي للأشياء، وإنما تشمل كل مجال للتجربة يقبل البحث النظري، وضمنه عالم القيم الذي تنتمي إليه المجالات الدينية والجمالية والأخلاقية. وهكذا فإنها - بأشمل معنى للكلمة - مركب، ليس فقط للوجود كما يعرف عليها، وإنما للوجود في كل مجالاته وتدرجاته.

ولقد أدى الأساس التجريبي الواسع الذي بني عليه كل ما توصل إليه هبهوس من نتائج فلسفية، واستعداده الدائم لاستخلاص نتائج تفيد الفلسفة من كل إضافة جديدة تنتمي إلى مجال الواقع المجرب، أدى ذلك إلى إضفاء طابع مرن ذي نسيج رخو على تفكيره، كان هو المميز له حتى بالنسبة إلى أقوى المذاهب الفلسفية تأثيرا فيه. وكما أنه استعان بكل ما كان يبدو له ذا دلالة في العلم والحياة لكي يزيد تفكيره خصوبة، فكذلك كان ذهنه على الدوام متفتحا بالنسبة إلى المذاهب الفلسفية للسابقين عليه ولمعاصريه. وهو لم يكن يبالي، عند استيعابه وتمثله لتفكير شخص غيره، باسم المدرسة التي ينتمي إليها أو الاتجاه الذي يتبعه، وإنما كان يهتم فقط بالقيمة الحقيقية لذلك التفكير ومدى إمكان انطباعه على مذهبه في إطاره الخاص. وهكذا كان معاديا لكل تحيز فلسفي، ولم يكن يدين بالولاء المطلق لأي أستاذ بعينه، وإنما أصبح، بفضل إصغائه لأصوات الكثيرين، وسيطا ومعبرا بين حركات مختلفة يدب الخلاف فيما بينها. ويتمثل هذا الاتجاه إلى التوفيق حتى في أول كتبه، الذي يهدف خاصة إلى التوفيق بين المعسكرين المتضاربين في التجريبية التقليدية، وبين المثالية العائدة إلى الظهور. وهكذا مهد الطريق، منذ أواخر القرن الماضي، لذلك التلاقي بين الأضداد، الذي لم تظهر أوسع وأكمل آثاره إلا بعد مضي وقت طويل. غير أن هذه الصفة في عمل هبهوس قد تعلل لنا عدم بلوغ هذا العمل ما يستحقه من النجاح، رغم كل ما اتصف به من امتلاء وثراء، فلقد كان الاعتراف الذي لقيه من الفلاسفة المحترفين أقل كثيرا مما أنجزه بالفعل؛ إذ لم تستطع واحدة من المدارس والجماعات المتعددة أن تحسبه ضمن من ينتمون إليها، أو أن تدرج عمله، بكل مداه ونطاقه، في مجالها الخاص.

وهكذا فليس من الصحيح أن يسمى هبهوس أفضل ممثل للمدرسة الإنجليزية التقليدية،

33

ولا من الصحيح مقارنة وجهة نظره بوجهة نظر بوزانكيت،

34

وإنما الأصح أنه يعلو عليهما معا، عن طريق اتخاذ أو رفض عناصر مكونة لكل منهما، وبذلك يصل إلى مركب يحمل بأكمله طابعه الذهني الخاص. وإنا لنجد في هذا الصدد كلمة لها دلالتها في تصدير هبهوس لأول كتاب فلسفي ألفه، وهو «نظرية المعرفة»، وهي كلمة تلقي ضوءا واضحا على الموقف، وتظل منطبقة على مؤلفاته التالية مثلما تنطبق على مؤلفاته الأولى، فهو يقول: «وهكذا يبدو أن الوقت قد حان للقيام بمحاولة نزيهة لمزج ما هو صحيح وقيم في التراث الإنجليزي مع المذاهب الجديدة التي توطنت الآن بيننا، ومن واجبنا حين نقتبس من لوتسه

Shafi da ba'a sani ba