179

Falsafar Ingilishi A Cikin Shekaru Dari (Sashi Na Farko)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

Nau'ikan

أما في ميدان الفلسفة السياسية، فإن بوزانكيت كان يسلك نفس الطريق المثالي العظيم الذي سار فيه أفلاطون وأرسطو وروسو وهيجل وجرين. وإذا استثنينا المحاولة التي بذلها جرين على استحياء، فقد كان بوزانكيت أول مفكر في إنجلترا يقوم بعملية إحياء حقيقية لفكرة الدولة كما تصورها هيجل، في مقابل النظريات القومية الليبرالية عند بنتام ومل وسبنسر. وعلى حين أن جرين قد توقف في منتصف الطريق، فإن بوزانكيت قد سار الشوط كله مع هيجل، وكان أول من فعل ذلك، ويمكن القول، دون تحفظ: إن وضعه لنظرية الدولة كان أكبر وأهم محاولة في الحركة المثالية الإنجليزية.

والمشكلة الأساسية في هذا الصدد هي علاقة الفرد بالمجتمع، وهي المشكلة التي سرعان ما تغدو جزءا من المشكلة الميتافيزيقية العامة، مشكلة علاقة الجزء بالكل، فالفرد المنعزل الذي اتخذت منه جميع النظريات السياسية الإنجليزية تقريبا نقطة بداية لها (وقد أطلق بوزانكيت على هذه النظريات اسما ملائما هو «نظريات الوهلة الأولى

theories of the first look »)، لا يمكن أن يكون هو الفرد الذي نعرفه في المجتمع أو الدولة والذي نهتم به في هذا الفرع من الفلسفة، كذلك لا بد أن يكون هنالك خطأ في الافتراض القائل إن الناس بطبيعتهم أفراد من هذا النوع، ينعزل بعضهم عن البعض، أو حتى يعارض بعضهم البعض، ولا يتجمعون سويا في مجتمع إلا في مرحلة متأخرة، وبطريقة مصطنعة أو خارجية، فلقد خطا روسو خطوة هائلة إلى الأمام، واستبق النظرية المثالية في الدولة، بتمييزه بين «إرادة الجميع

Volonté de tous » وبين «الإرادة العامة

Volonté générale »، فالأولى لا تعدو أن تكون مجموع الإرادات الخاصة، بينما الثانية تتضمن فكرة الوحدة العضوية. ويوضح بوزانكيت هذا التمييز فيضرب له مثلا دالا عليه، هو التفرقة بين الحشد الذي اجتمع كيفما اتفق، والجيش المنظم؛ فليس بين أفراد النوع الأول ما يشتركون فيه إلا تجمعهم سويا، أما أفراد النوع الثاني فيجمع بينهم تنظيم يتحدد فيه الأفراد تبعا لكل منظم يتغلغل ويحيا فيهم. وهكذا فإن الفرد، عندما تتغلغل فيه، على هذا النحو، الإرادة العامة، يتخلص من عزلته، ولا يعود مفككا منفصلا عن غيره، ويرتفع إلى مستوى أعلى، ويبلغ فرديته الأصيلة التي تنتمي إلى ذات تربطها بالكل الجماعي رابطة عضوية. وبهذه النظرة العميقة إلى الفردية حطم بوزانكيت أساس النزعة الفردية في النظرية التجريبية في الدولة.

ولو نظرنا إلى الذات الجزئية من الوجهة الأخلاقية، لكانت هي الذات الأنانية التي تحيا تماما بدوافعها الطبيعية، على حين أن الذات العضوية هي الذات المعنوية أو العاقلة. والآن يمكن تحديد ماهية الدولة وغايتها، فالدولة هي الإرادة العامة أو العاقلة، وهي كائن مستمر في هوية مع ذاته، يتغلغل في كثرة من الأفراد الذين لا يكون للدولة وجود ومعنى إلا فيهم وبهم، والغاية العليا للدولة هي نفس غاية الفرد، أي تحقيق أفضل حياة ممكنة، أو الارتفاع بطبيعتنا إلى الوحدة الكاملة مع الكل الاجتماعي. والأمران سيان، غير أن للدولة، في غايتها المباشرة، وظيفة أخرى أكثر سلبية، هي إزاحة العقبات التي تقف في وجه تحقيق الغاية الأخلاقية. ولما لم يكن من الممكن دائما إزاحة هذه العقبات بالتأثير الأخلاقي البحت، فإنه يتعين في كثير من الأحيان الالتجاء إلى الإرغام والقهر. وهكذا فإن القوة جزء أصيل لا يتجزأ من طبيعة الدولة؛ إذ أن الأنانيين في طبيعتهم الجامدة، وكذلك معظمنا في حالتنا الحيوانية، يحتاجون إلى الإرغام من أجل تحقيق الذات الحقة. وهذه فكرة تظهر فيها بوضوح تلك الثنائية التي وضعها كانت بين الذات التجريبية والذات المعقولة، فعلى عاتق الدولة تقع مهمة تحرير الذات العاقلة من أغلالها التجريبية، والارتقاء بها، ولو بالقوة، إلى مرتبة الحرية؛ ذلك لأن الحرية هي تحقيق الذات الحقة، وهي أن نحيا أفضل حياة ممكنة لنا، ونكون نحن والكل واحدا. وما القسر الذي تفرضه علينا الإرادة العامة، آخر الأمر، إلا المطلب الذي تفرضه ذاتنا الحقة الفاضلة على ذاتنا الدنيا العنيدة. ومثل هذا القسر أمر لا مفر منه طالما أنه ليس لدينا فكرة عن ضرورة هذا المطلب، أو طالما كانت فكرتنا عنه ناقصة فحسب. وهذا هو أساس حق الدولة في معاقبة المذنبين، فالعقاب تعويض عن الظلم الذي يلحق المجتمع نتيجة للإخلال بنظامه القانوني، وهو إلغاء للإرادة المضادة للمجتمع عند المذنب.والمذنب ذاته عضو في الجماعة التي لحقها الظلم، وله على هذا الأساس الحق في أن يعاقب بمعنى ما، لئلا يخدع في طبيعة الحياة الاجتماعية. ويعد إلحاق العقوبة به ثمنا لإعادة اندماجه في المجتمع الذي خرج على قانونه بما ارتكبه من إثم، وهنا نجد بوزانكيت يساير نظرية هيجل التي تعرف العقوبة بأنها قصاص.

وخير سبيل إلى تحقيق هذه المهام المتعددة، في رأي بوزانكيت، هو الدولة القومية

national State ، ولا شك أن فكرة الإنسانية تتجاوز هذا المدى، غير أنها لما كانت غير قابلة للتحقق في نظام أو كل منظم، فليست لها أهمية فيما يتعلق بالتدبير العملي للمهام الاجتماعية، ومن الواجب ألا يحكم على أخلاقية أفعال الدولة بالمقاييس التي تسري على أفعال الأفراد؛ إذ إن الغايات الواجب تحقيقها أرفع، بحيث تجعل من الدولة، بوصفها فردا من مرتبة أعلى، كيانا قائما بذاته ولا نظير له، فقد يتعين في بعض الأحيان أن تستخدم القوة الكامنة في طبيعتها، والتي تستخدمها في كثير من الأحيان ضد أفرادها، ضد دول أخرى، عندما تهدد المصالح العليا للأمة. ولقد لقيت هذه الآراء وغيرها من الآراء المشابهة، كما لاحظنا من قبل عند الكلام عن هبهوس، معارضة شديدة خلال الحرب العالمية الأولى، عندما رأت العقلية التي أعمتها الحرب في نظرية الدولة عند هيجل - وهي النظرية التي شوهتها هذه العقلية تماما - أصلا روحيا للكارثة. أما اليوم، بعد أن أصبحت النفوس أهدأ، فقد اعترف من جديد بأن فيلسوفا إنجليزيا لم يدرك طبيعة الدولة ويعرضها على نحو أعمق مما أدركها وعرضها به بوزانكيت، وهو فيلسوف هيجلي.

أما الميتافيزيقا فإنها بداية تفكير بوزانكيت ونهايته، وهي أيضا كل ما يقع بين هذه البداية والنهاية، ويتم الانتقال إليها من فلسفته في الدولة عن طريق الاعتراف بأن الروح الاجتماعية، التي تكون الدولة أعلى تجسد لها، ليست هي الصورة النهائية للفردية، بل هي واحدة من صورها الأولية فحسب، فهناك - من وراء أنظمة الحياة السياسية وأوجه نشاطها - مجالات تساهم بنصيب أكبر كثيرا في تحقيق الذات التي اكتفت الدولة بدعمها وكفالة الأمن لها، فالروح الإنسانية، في إدراكها المتزايد للعالم، تعلو على الدولة إلى نسق أعلى تزيدها اقترابا من الواقع المطلق، أعني نسق الفن والدين والفلسفة. وبهذه الأخيرة تصل إلى الميتافيزيقا، أي مذهب المطلق.

وعلى الرغم من أن أنظار بوزانكيت الميتافيزيقية، التي تتبدى فيما ألقاه من محاضرات «جيفورد»، تفترق عن أنظار برادلي وتتجاوزها من حيث المضمون والمصطلح معا، فإن التغيرات لا تمس إلا الفوارق الدقيقة والاختلافات السطحية. أما في جميع النقاط الأساسية فهو يسير في الاتجاه الذي أشار إليه برادلي؛ لذلك لم تكن بنا حاجة إلا إلى أن نلفت الأنظار إلى النواحي التي يبدو أنه تجاوز برادلي فيها.

Shafi da ba'a sani ba