159

Falsafar Ingilishi A Cikin Shekaru Dari (Sashi Na Farko)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

Nau'ikan

وأخيرا فقد ساهم مويرهيد بنصيب ملحوظ في تاريخ الحركة المثالية، فقد وضع الحركة في إطار عقلي أوسع، وحاول على هذا الأساس أن يفهم أصلها وتطورها، فضلا عن مغزاها العام، وقد تتبع ما أسماه «بالتراث الأفلاطوني في الفلسفة الأنجلوسكسونية» حتى بداياته الأولى، وكشف - على خلاف الطريقة المألوفة في العرض - عن تيار موحد مستمر للتفكير المثالي، يسري طوال تاريخ الفلسفة الإنجليزية بأسره، وإن كان يتخذ أحيانا صورة تيار غير ظاهر. وقد أوضح كيف أن الأرض في إنجلترا كانت ممهدة للتجديد الذي حدث في القرن التاسع عشر بتأثير ألمانيا، قبل ظهوره المفاجئ بوقت طويل، وذلك أولا عن طريق الشعر الرومانتيكي لشلي وكيتس ووردسورث وكولردج (وقد كتب مويرهيد عن هذا الأخير بحثا كان غاية في العمق)، ثم عن طريق أدب الكتاب في العصر الفكتوري، مثل كارليل وإمرسون وتينسون وبروننج وأرنولد، وأخيرا عن طريق ذلك التغير العام في الأفكار والنظم، الذي تميز به النصف الثاني من القرن الماضي. ولما كان مويرهيد شاهد عيان على ظهور الحركة المفاجئ في العقد الثامن من ذلك القرن، ومساهما فيها بنشاط منذ ذلك الحين، فقد كان أصلح الجميع للعودة بنظره إليها في فترة الكهولة من حياته الطويلة، وتأملها في مجموعها، والكشف للجيل الجديد، عن قصة تطورها والكنوز التي تحويها تعاليمها.

كان ماكنزي، مثل جونس ومويرهيد، من أولئك الذين يدينون لإدوارد كيرد باهتمامهم المبكر بالفلسفة. ولقد ظل إلى النهاية على ولائه لأستاذه العظيم، واعترف في آخر مؤلفاته بأنه «مجرد سائر متواضع في طريق التأمل المثالي الذي أعتقد أن أستاذي الأول، إدوارد كيرد، كان خير مرشد فيه.»

53

وقد تناول أول كتبه موضوع الفلسفة الاجتماعية وثانيها الأخلاق، أما في سنواته الأخيرة فقد اهتم أساسا بالمشكلات الكبرى للميتافيزيقا، ومشكلة القيم المرتبطة بها. وكان، مثل معظم الهيجليين، قليل الاهتمام بنظرية المعرفة وعلم النفس، كما أهمل المنطق.

وهو يعرف الميتافيزيقا بأنها «الدراسة المنهجية التي تسعى إلى إيجاد نظرة شاملة إلى التجربة، بغية فهمها في كل منهجي.»

54

وهو يعني بالتجربة هنا الكون بما هو كذلك، أو الواقع في مجموعه، الذي يسميه بالكون المنظم

Cosmos ، والذي يكون العالم الزماني المكاني وجها جزئيا واحدا له. وكما يدل اسم «الكوزموس»، فإنه يجعل فكرة النظام أساسية في تصوره للكون، أما العالم المحيط بنا فبعيد كل البعد عن ذلك النظام الكامل الذي يتصف به الكون (الكوزموس)، ومن جهة أخرى فلا يمكن أن يعد هذا العالم مجرد فوضى؛ لأنه ينطوي على قدر غير قليل من النظام، ولأن العوامل المؤدية إلى النظام فيه تغلب، عموما، على تلك المؤدية إلى الاضطراب. ولما كان الأمر كذلك، فإن لنا الحق في أن نفترض أن عالمنا ليس إلا جزءا من كل أكبر يتصف بالنظام الكامل، هو «الكوزموس». ومن أمثلة العوامل المؤدية إلى الاضطراب، كل ما هو عرضي متغير، والأهم من ذلك: التعاسة والشقاء والألم والشر، فوجود الشر في عالمنا هو العقبة الكبرى في وجه الإيمان بالانسجام الكامل في الكون، ولا يستطيع أحد أن ينكر أن هناك «شيئا له طبيعة الشر»، يظل موجودا بالضرورة، من وجهة نظرنا المحدودة، غير أن هذا لا يتناقض مع الافتراض القائل إنه قد يكون هناك انسجام كامل من وجهة النظر الشاملة. ويعرض ماكنزي هذه الآراء بدقة كاملة في الفقرة الآتية: «إن العرضية والتغير والشر الظاهري، التي نجدها في العالم كما نعرفه، يمكن أن تعد كلها متمشية مع حقيقة نظام كامل، إذا ما استطعنا أن نفترض أن الكل روحي في أساسه، وأنه يحقق ذاته عن طريق عملية تغير، تتضمن في مراحلها الأولية نوعا من الافتقار إلى النظام وما يتبعه من ظهور العرضية والشر، ولكنها تسير متدرجة نحو الوحدة الكاملة، التي يحتفظ فيها بالعملية بطريقة أزلية واعية.»

55

ويستتبع التمييز بين الكون المنظم وبين العالم الزماني المكاني أن يكون الأول لا متناهيا والثاني متناهيا، وقد وجد ماكنزي في الفيزياء حديثة العهد تأييدا لثاني هذين الرأيين، وهو يتوسع في هذه الآراء الشديدة العمومية، «التي هي بالضرورة ذات طابع نظري تأملي إلى أبعد حد.»

Shafi da ba'a sani ba