Falsafar Nau'o'i da Matsaloli
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Nau'ikan
فإذا كان لدى شخص معين نوع من التجارب الصوفية الخاصة به، فمن المستحيل عادة زعزعة إيمانه بوجود عالم فوق الطبيعي أو موجود فوق الطبيعي. فهو يقول - بطريقة طبيعية تماما - أن الرؤية كانت بالنسبة إليه حقيقية شأنها شأن أية تجربة حسية. وهو يعلم أن الله موجود، أو أن الحقيقة النهائية «واحدة»، بنفس اليقين الذي يعلم به أنك أنت، الذي توجه إليه سؤالك موجود، ولنفس السبب بالضبط؛ فهو قد رأى كلا منكما، وأحس بحضوركما وربما سمع كلاما منكما. وهو لم يعد يستطيع الشك في الوجود الموضوعي والحقيقة الفعلية لما مر به في تجربته، أكثر مما يستطيع الشك في أية «واقعة» أخرى كشفتها له حواسه. فهو يعرف لأنه قد أدرك حسيا.
هنا يجد الفيلسوف نفسه في موقف حرج إلى أبعد حد. فالشك في الحقيقة الموضوعية «للوقائع» الصوفية يعني إلقاء ظل من الارتياب على قدر كبير من مضمون الإيمان الديني. ومن جهة أخرى فإن إعطاء هذه «الوقائع» نفس المكانة المعرفية التي نعطيها لموضوعات التجربة اليومية الشاملة يبدو أمرا مستحيلا. ذلك لأننا إذا فتحنا الباب على مصراعيه وسمحنا بدخول الرؤى الدينية إلى مجال الحقيقة الواقعة، لكان هناك دائما خطر اتساع هذا الباب لكل تجربة ذاتية، بحيث يكون لخيالات المجنون ذاتها نفس الحق في ادعاء الواقعية. وعلى العكس من ذلك، فإننا إذا استبعدنا من فئة الأمور الواقعية أية تجربة لا تصمد لاختيار العمومية (أعني أية تجربة لا يمكن أن يشارك فيها كل شخص) فعندئذ نكون قد أغلقنا الباب في وجه مجموعة من أروع تبصرات الجنس البشري. فمن الجائز أن جان دارك كانت مصابة بالرؤيا الذهنية، ومع ذلك يظل من الصحيح أن القديس ميخائيل كان بالنسبة إليها حقيقيا مثلما كانت أغنامها التي ترعاها، وأنها قد تخلت عن رعي الأغنام بناء على تعليماته ومضت لتنقذ فرنسا.
وهنا نعود مرة أخرى إلى سؤالنا: إلى أي مدى يمكن الاعتماد على التحقيق الحسي بوصفه دليلا على صدق أية عبارة؟
الإحساس في مقابل الموقف الطبيعي : هناك سبب آخر يدعونا إلى الامتناع عن وضع ثقة لا حد لها في التحقيق الحسي بوصفه دليلا على التطابق بين أفكارنا وبين الواقع. وهذا السبب هو الخلط الذي يحدث كثيرا بين التحقيق الحسي بمعناه الصحيح وبين مقابلة المزيف، المسمى «بالموقف الطبيعي». ويقدم العلم الحديث إلينا مثلا جيدا لهذا الخلط. «فالموقف الطبيعي» مثلا ينبئنا بأن قرص المنضدة المصنوعة من خشب البلوط صلب؛ لأن من المؤكد أنه يقاوم حاسة اللمس لدينا مقاومة كبيرة. ومع ذلك فإن الفيزياء الحديثة تصف قرص المنضدة هذا نفسه بأنه أبعد ما يكون عن الصلابة. فهو بدلا من ذلك كتلة من الذرات، تتألف بدورها من نواة مركزية من الطاقة الكهربية تحيط به شحنة سلبية واحدة أو أكثر تسمى بالإلكترونات، التي تتحرك في مداراتها بسرعة هائلة. فلا البروتون المركزي ولا الإلكترونات المحيطة به تعد «صلبة» بأي معنى يقول به الموقف الطبيعي، على حين أن المكان الذي يفصل بين النواة وبين الشحنات المحيطة به قد يكون مشابها نسبيا للمكان الذي يفصل الكواكب من الشمس في مجموعتنا الشمسية.
وعلى الرغم من أن قدرا كبيرا من هذا النظام الذي يظل تأليفا نظريا، فإن هناك من «الأدلة التجريبية» ما يكفي لإثبات أنه على الأرجح أكثر من مجرد نظرية. ومع ذلك فإن «الأدلة التجريبية» تعني التحقيق الحسي، وبذلك تكون لدينا مفارقة واضحة من وجهة النظر الإبستمولوجية (المعرفية) ذلك لأن لدينا هنا شهادة حسية أو أولية (هي شهادة «الموقف الطبيعي») على أن قرص المنضدة صلب، ولدينا أيضا شهادة حسية تجريبية أو غير مباشرة على أن قرص المنضدة غير صلب، فما هو إذن مدى إمكان اعتمادنا على التحقيق الحسي بوصفه دليلا على «الحقيقة»؟
ولا يمكن الإجابة عن هذا السؤال في عبارة واحدة نعمل فيها حسابا لآراء كل مدرسة فلسفية؛ ذلك لأن إجابتنا تتوقف هنا، كما تتوقف في حالة الكثير من المشكلات الفلسفية، على المدرسة الفكرية التي ننتمي إليها. ومع ذلك فإننا نستطيع أن نقول بوجه عام إن لشهادة الحواس أهمية كبرى بوصفها واحدا من معايير الحقيقة، ولكن من المستحيل الاعتماد عليها بوصفها المعيار الأوحد. وقد أبدت بعض المدارس اهتماما كبيرا بشهادة الحواس، مؤكدة أنها، على الرغم من نواقصها المعترف بها، تظل أفضل وسيلة منفردة لتحديد صحة عباراتنا أو بطلانها. ومن جهة أخرى فإن صاحب المذهب العقلي لا يقدر التجربة الحسية إلا بوصفها معيارا ثانويا للحقيقة، ولا يبدي بها ثقة كبيرة بوصفها دليلا مستقلا، مكتفيا بذاته، على الحقيقة، وقد لا يثق بها في هذا الصدد على الإطلاق. ومع ذلك فإن المدارس كلها تتفق في النظر إليها على أنها واحد من معايير الحقيقة، ولكن التحديد الدقيق لمكانتها بوصفها معيارا كهذا هو مسألة غير هينة. (3) ردود الأفعال المتعارضة للمذهبين الطبيعي والمثالي
يتخذ المذهبان المثالي والطبيعي - كما قد يتوقع المرء - موقفين متعارضين من هذه المسألة. فالمثالية، بتأكيدها للذهن وأوجه نشاطه العقلية، قد أبدت دائما اهتماما بأوجه الفكر والتجربة التي تنطوي على استدلال عقلي وتصور ذهني. ونتيجة ذلك، فقد اتجهت هذه المدرسة إلى عدم الثقة بالحواس بوصفها مصادر للمعرفة ووسائل لكشف الحقيقة. ذلك لأن كل ما تنقله إلينا الحواس هو مظهر الأشياء، أو الظواهر؛ ومن هنا لم تكن لإحساساتنا علاقة ضرورية بالواقع الكامن من ورائها، بل إنها كثيرا ما تكون حائلا دون الاتصال بالواقع؛ لأن ما تنقله إلينا قد يكون «مثيرا» إلى حد أنه يصرف أنظارنا عن الواقع الحقيقي، أو مشوها إلى حد أنه يضللنا كل التضليل. وكما قال أفلاطون، فنحن سجناء أجسامنا وأجهزتها الحسية. ولما كنا معتمدين تماما على هذا الجهاز في معرفتنا للعالم الخارجي، فإنا لا نعرف إلا بقدر ما يستطيع الذهن أن يقدم إلينا؛ أي إننا لا نعرف إلا الظواهر أو المظاهر. فالمثالي يرى أنه لولا عقلنا، الذي يتمكن من اختراق حاجز الإحساس المضطرب المختلط والنفاذ إلى الواقع الكامن من ورائه، لظللنا منعزلين أبديا عن أية معرفة أو حقيقة نهائية. فوظيفة الذهن الرئيسية عند المثالي هي تنظيم إحساساتنا، «وغربلتها» من أجل استخلاص ما فيها من «قمح» أنطولوجي، والانتقال من عملية التجريد هذه، عن طريق التعميم ووضع التصورات، إلى صياغة صورة «حقيقية» للواقع.
ومن هنا لم يكن من المستغرب أن تتجه المثالية إلى النظر إلى «الحقيقة» على أنها نتيجة صراع دائم بين الإحساس والعقل - ينتصر فيه العقل دائما قبل أن تظهر «الحقيقة». هذه الثنائية التي يوضع فيها العقل في مقابل الحس (والأهم من ذلك: الذهني في مقابل المادي) موجودة ضمنا في كل مثالية ميتافيزيقية. وهي تظل أحيانا ضمنية فحسب، ولكن الأكثر شيوعا أن يظهر التقابل الأساسي بوضوح تام، كما هي الحال في المذهب الأفلاطوني، الذي يغدو فيه هذا التقابل أساسا لمذهب ميتافيزيقي معرفي أخلاقي جمالي ضخم، يبدو فيه الفيلسوف وكأنه قد أصبح بالفعل «شاهدا على كل زمان وكل وجود».
المذهب الطبيعي : يرى المذهب أن عكس هذا هو الصحيح: فالتجربة الحسية على الرغم من نواقصها المعترف بها، هي وسيلة للاتصال بالواقع أفضل بكثير من عمليات الذهن التجريدية التصورية، التي يبدي المثالي كل هذا الإعجاب بها. ومع ذلك فإن السذاجة لا تبلغ بأي واحد من أنصار المذهب الطبيعي حد القول بأن الإحساس البحت يستطيع بذاته أن يعطينا قدرا كبيرا من المعرفة أو «الحقيقة». فهو يعترف بأن الذهن ينبغي أن ينظم معطياته الحسية قبل أن يتسنى لها أن تصبح قابلة للفهم، وهو يوافق على عبارة كانت المشهورة، القائلة إن «الإدراكات (أي الإحساسات) بلا تصورات عمياء». ومع ذلك فإن القائل بالمذهب الطبيعي يظل في صميمه ذا نزعة تجريبية؛ بحيث يجعل من التجربة سلطة نهائية - والمقصود بالتجربة بالطبع، التجربة الحسية. فهو يرى أن الأفكار والمفاهيم وكل نواتج النشاط الفعلي ينبغي أن يحكم عليها في النهاية بمعيار التجربة الصارم. وهكذا يشك صاحب المذهب الطبيعي دائما في المذاهب المثالية والعقلية، بما فيها من اتجاه إلى التركيز على العقل على حساب التجربة الحسية. وهو يشعر بأن الدليل التجريبي هو الرقيب الأوحد على قدرة الإنسان الهائلة في التخيل والحكم والتبرير. ولو ارتكبنا، في سعينا إلى الحقيقة أو الواقع، خطأ وضع الأدلة التجريبية في مكانة ثانوية، فما الذي يمكن أن يحول عندئذ بين العقل، بما لديه من قدرة على أن يجعل الأشياء تبدو على نحو ما نريد لها، وبين تقديم صورة مزيفة ولدتها الأحلام للواقع؟ إن المعطيات الحسية ينبغي أن تكون هي محكمة النقض والإبرام. فإذا لم تكن هذه المعطيات متفقة مع «نظرتنا العقلية إلى الأمور»، فعندئذ يكون من واجبنا تغيير هذه النظرة، لا استبعاد هذه المعطيات على أنها «مظاهر». (4) النظرية الثانية: الحقيقة بوصفها ترابطا
وهكذا يتضح لنا أن نظرية التطابق أكثر تلاؤما مع نظرة المذهب الطبيعي إلى العالم مما هي مع النظرة المثالية. أما النظرية الرئيسية الثانية فتلائم الموقف المثالي تماما. تلك هي نظرية الترابط
Shafi da ba'a sani ba