Falsafar Nau'o'i da Matsaloli
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Nau'ikan
حجج المذهب الحيوي : غير أن لصاحب المذهب الحيوي بدوره حججه القوية التي تؤدي واحدة أو اثنتان منها إلى هدم بعض النقاط التي يقول بها صاحب المذهب الآلي أو إضعافها، على الأقل، إلى حد خطير. (أ) فالمذهب الحيوي يرى أولا أن المفاهيم الفيزيائية والكيموية لا تكفي بذاتها لتفسير ظواهر معقدة كالكائنات العضوية الحية. فهناك ثغرة هائلة تفصل بين السلوك الآلي (كسلوك جسم يهوي مثلا) وبين السلوك البشري (كإجراء عملية جراحية دقيقة مثلا) - وهذه الهوة تبلغ من الاتساع حدا يستحيل معه إرجاعها إلى مجرد فروق في الكم. ويواصل نصير المذهب الحيوي كلامه قائلا إن من المستحيل أن تكون أية إضافة لعوامل أو أي تعديد للتجمعات الممكنة، كافيا للجمع بين مجموعتي السلوك هاتين، بل إنه حتى إذا أمكن إرجاع الفرق إلى ازدياد في التعقيد فإن التعليل الآلي يظل مع ذلك غير كاف. فلا بد أن يبلغ تنظيم المادة (أي التركيبات) الذي يحتاج ليه المذهب المادي في تفسيره، حدا من التعقيد يجعله شيئا خياليا مبالغا فيه - بل شيئا لا يمكن تصوره. (ب) ويلاحظ ثانيا أن ظاهرة «الحياة» تنطوي على عدة عمليات، كالتنفس والتعويض الذاتي، وهي عمليات لا يمكن تفسيرها إلا غائيا؛ أي على أساس هدف أو غاية من نوع ما. ومن الواضح أن الآلية والغائية مفهومان متعارضان: فالفرض الآلي يفسر كل شيء على أساس العلل الفاعلية (أي الحوادث السابقة)، على حين أن الغائية تفترض علة غائية؛ أي هدفا أو نتيجة مرسومة. وفيما يتعلق بالتركيبات العضوية، يبدو هذا الهدف «معيارا» أو شكلا نموذجيا يتميز به كل نوع، ويسعى كل فرد في النوع إلى تحقيقه، وهذا يصدق أيضا على العمليات الحيوية أو الوظائف الجسمية: فلكل جزء من الكائن العضوي، بل للكائن العضوي في مجموعه «معيار» وظيفي يتجه سلوكه إلى تحقيقه. (ج) وربما كانت أشمل حجج المذهب الحيوي هي في الوقت ذاته نفس الحجة التي يجد صاحب المذهب الآلي أكبر قدر من الصعوبة في الرد عليها بطريقة مرضية. تلك هي الحقيقة القائلة إن الكائن العضوي هو كل منظم يسلك بطرق لا تسلك بها أية آلة أو نظام آلي. فكل سلوك عضوي يمثل عملية تكيف يحاول بها الكائن العضوي الوصول إلى التلاؤم أو الاحتفاظ بالتلاؤم مع البيئة المحيطة به. ويقدم «كننجهام» وصفا دقيقا لهذه العلاقة حين يقول: «إن حركة الأميبا نحو الطعام أو بعيدة عن أية مادة ضارة، مثلا، هي حركة تخدم الحياة الفردية في مجموعها، ونشاطها له بعض الصلة بمصلحة الأميبا في المستقبل.»
14
هذا النشاط الغرضي المنظم هو الذي يفرق على أفضل نحو بين سلوك الكائن الحي وسلوك الكائن غير الحي، ويرى صاحب المذهب الحيوي أن أي تفسير آلي، حتى لو كان تفسيرا لذهن محيط بكل شيء، لا يمكن أن يكفي لتعليل العمليات الحيوية. ومن هنا فإن افتراض «قوة للحياة» أو «فاعلية حيوية» من نوع معين هو أمر لا مفر منه. (12) أسس المفاضلة بين المذهبين
إذا حاولنا أن نفاضل بين المذهب الآلي والمذهب الحيوي، فلا بد لنا من أن نضع في اعتبارنا أمورا معينة. فيبدو من الواضح أولا أن أية مسألة لها مثل هذا الطابع العلمي الأساسي ينبغي أن يبت فيها على أساس الأدلة العلمية بقدر الإمكان. ولقد رأينا أن الأدلة حتى الآن غير قاطعة: فبعض الثقات يرون أن لدينا، على الأرجح، من المعطيات المتوافرة ما يكفي لتثبيت دعائم المذهب الآلي على نحو قاطع، ولكن غيرهم يتخذ موقفا أشد حذرا. ولما كنا نفتقر إلى الدليل الحاسم. فلن يكون أمامنا إلا أن نكتفي بالحل الذي يلي ذلك في ترتيب الأفضلية: وأعني به أن نتخذ لأنفسنا فرضا عمليا من الموقف الذي نعتقد أن الشواهد المؤدية له هي الأقوى. ومع ذلك فلما كان الافتقار إلى دليل علمي حاسم يؤيد أيا من جانبي الخلاف بجعل المسألة فلسفية قبل كل شيء، فلا بد لنا أن نسعى إلى بناء قرارنا على أسس عقلية، لا على تفضيلات عاطفية. ولن يستطيع القائل بالمذهب الآلي أن يقاوم الإشارة إلى أن المذهب الحيوي يتمتع دون شك بتأييد من مدارس فلسفية معينة، أقوى من التأييد الذي يجده من العلماء. وعلى الرغم من أننا نجد من علماء البيولوجيا من هم من أنصار المذهب الحيوي، فإن أصحاب المذهب الثنائي في الفلسفة، والمثاليين على الأخص، هم الذين أيدوا الموقف الحيوي بقوة؛ إذ إن من المتوقع أن يكون المذهب الآلي مذهبا غير مقبول على الإطلاق في نظر الفلسفات التي تتصور «الروح» على أنها «الحقيقة النهائية»، أو على أنها (في حالة المذهب الثنائي) واحدا من عنصرين نهائيين لا يردان إلى غيرهما. فالصلة بين التفسير الآلي وبين المذهبين الطبيعي والمادي تبدو أقوى من أن تجعل هذا التفسير مقبولا لدى أصحاب العقليات المثالية.
الأدلة العلمية في مقابل الإعجاب الانفعالي : إذا وقفنا خارج مجال هذا النزاع، محاولين استعراض المسألة كلها بطريقة موضوعية، فسوف نجد أن الواجب يقضي علينا بأن ننصح الطلاب المعجبين بالمذهب الحيوي، بأن يختبروا دوافعهم لكي يتأكدوا من أن الاعتبارات الدينية أو العاطفية ليست هي التي تحضهم على هذا الاختيار. ولا شك أنه لا توجد قاعدة تنهى عن اتخاذ قراراتنا على أسس عاطفية، ولكن المثل الأعلى في الفلسفة، كما في العلم، ينبغي أن يكون بناء أحكامنا على أسس عقلية. وأنه لمن الممكن تماما أن يكون المرء من أنصار المذهب الحيوي بناء على اعتبارات عقلية، كما يثبت ذلك وجود أقلية عنيدة من علماء البيولوجيا الذين يتمسكون بهذا الموقف. ومع ذلك، فلما كان الأسهل من ذلك أن يناصر المرء المذهب الحيوي على أسس عاطفية، فإن على الطالب الذي يدين للروح الفلسفية بأي قدر من الولاء أن يختبر دوافعه قبل اتخاذ قراره.
والأمر الثاني الذي ينبغي أن نضعه في اعتبارنا ونحن نقدر قيمة الموقفين هو الاتجاه التاريخي الذي ينطوي عليه كل منهما. فمن الواجب أن نذكر أن المذهب الحيوي ظل هو الرأي السائد أو «الرسمي» طوال قرون عديدة، على حين أن المذهب الآلي، مستجد نسبيا في الفكر الحديث. ونظرا إلى الحداثة النسبية لموقف المذهب الآلي، فإن النتائج التي حققها يمكن أن تعد كبيرة بحق. فهو قد غزا ببطء، ولكن باطراد، أرضا بدت في أول الأمر محصنة لا تقتحم. وأجبر المذهب الآلي على التخلي عن جزء من أرضه هنا، وعن موقف هام هناك. ومن المعترف به على نطاق واسع في الأوساط الثقافية حاليا أن المذهب الحيوي أصبح الآن يتخذ موقف الدفاع. ومع ذلك فمن الخطأ تماما أن نتصور أن هذا يعني أن المذهب الحيوي ضعيف، ناهيك بكونه يحتضر. فعلى الرغم من كل منجزات المنهج الآلي. فإن أمام المدافعين عن الآلية شوطا طويلا ينبغي أن يقطعوه قبل أن يكون في وسعهم ادعاء النصر التام. وكما قال الكثيرون من قبل، فمع أن المذهب الحيوي أصبح يتخذ موقف الدفاع، ويتخلى عن أرض واسعة، فما زال هذا المذهب قويا لأن الأراضي التي ينبغي عليه التخلي عنها شاسعة.
الاتجاه إلى التوحيد في العلم : وأخيرا، ينبغي أن يلاحظ أن الاتجاه إلى الآلية في البيولوجيا هو جزء من معركة عامة نحو التوحيد في العلوم، ولو عدنا بأنظارنا إلى تاريخ العلم، لأحسسنا بأن هذه الحركة التوحيدية كانت موجودة بصورة ضمنية منذ اللحظة التي أصبح فيها العلم الحديث شاعرا بذاته في شخص فرانسس بيكون وجاليليو. ومع ذلك لا يكاد يكون في وسع أحد أن يدعي أن هذين الرائدين الأولين كانا شاعرين بأي اتجاه كهذا؛ إذ إن هذا الاتجاه لم يصبح هدفا صريحا بين المفكرين العلميين إلا في القرن الماضي. ومع ذلك فسواء أكانت حركة التوحيد مقصودة أم غير مقصودة، فإنها قد ظلت تتقدم باطراد.
ولما كانت الفيزياء والكيمياء هما أول علمين يبلغان سن الرشد؛ ومن ثم كانا أول علمين يصلان إلى الدقة عن طريق الانتفاع الكامل من المناهج الكمية، فقد كان من المحتم أن يصبحا معيارا أو مثلا أعلى تسعى إلى بلوغه كل العلوم الأخرى. وقد أصبحت الفيزياء بوجه خاص هي العلم المثالي، وسرعان ما أصبحت طريقتها الدقيقة المحكمة في صياغة مبادئ الميكانيكا هي الحلم الذي ييأس من تحقيقه المشتغلون في ميادين أخرى أحدث وأقل تنظيما. وكان من الطبيعي أن تعمد العلوم الأخرى في محاولتها الوصول إلى قدر مناظر من الدقة والوضوح، إلى محاكاة مناهج الفيزياء، فنقلت وجهة نظرها الحتمية وأساليبها الآلية برمتها إلى مجالات الطبيعة الأحدث عهدا، والتي لم تذلل بعد. وعلى الرغم من أنه قد اتضح قبل مضي وقت طويل أن كثيرا من هذه المناهج يتعين تعديله قبل أن يغدو ملائما للميادين الجديدة، فإن الأسلوب الآلي العام ظل هو المثل الأعلى للمنهج العلمي.
والواقع أن وجهة النظر الآلية العامة ما زالت أساسية في العلم، على الرغم من التغيرات العديدة التي حدثت داخل علم الفيزياء، وضمنها التحسينات الهائلة التي أدخلت على مناهجه، وهكذا فإن القائل بالمذهب الآلي في البيولوجيا هو باحث في علوم الحياة يحاول أن يمتد بهذا المنهج العام إلى ميدانه الخاص، لكي يحقق مزيدا من الدقة في تحليل الظواهر البيولوجية، وكذلك لكي يزيد من وثوق الصلة بين ميدانه وبين المجموع العام للعلم. وإذن فالطريقة الآلية في معالجة البيولوجيا ممتازة بوصفها مثلا أعلى علميا. صحيح أن اللاهوتيين والمثاليين والثنائيين قد يعترضون عليها لأسباب أخلاقية، غير أن اعتراضاتهم هذه، في نظر العالم خارجة عن الموضوع. والمسألة الوحيدة الصحيحة من وجهة نظر العالم أو القائل بالمذهب الطبيعي في الفلسفة هي: هل المذهب الآلي كاف بوصفه تفسيرا للسلوك العضوي؟ لقد عرضنا من قبل إجابتنا - أو على الأصح إجاباتنا. فهو بالنسبة إلى القائل بالمذهب الآلي تعليل كاف، أو هو على الأقل يبشر بأن يكون كافيا في المستقبل غير البعيد، وهو بالنسبة إلى القائل بالمذهب الحيوي غير كاف الآن، ولا يمكن أن يصبح كافيا في المستقبل. وباختصار، فصاحب المذهب الحيوي يرى أنه مهما كانت كفاية المنهج الآلي في الفيزياء أو الكيمياء أو الفلك أو الجيولوجيا، فإنه ينهار حالما نحاول الانتقال به إلى ميدان الظواهر البيولوجية. ولنقل مرة أخرى إن صاحب المذهب الحيوي يرى أن ظهور الحياة في الكون ينطوي على إدخال عامل جديد تماما، متميز كيفيا، ولا بد لتفسير هذا العامل الحيوي من استخدام مفاهيم جديدة كل الجدة.
15 (13) المذهب المثالي في مقابل المذهب الطبيعي في علم البيولوجيا
Shafi da ba'a sani ba