Falsafar Nau'o'i da Matsaloli
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Nau'ikan
Code » واحد)، هو الصحيح منذ الأزل، وهو الذي يسري على البشر أجمعين. هذا المعيار لا يسري على نحو عالمي شامل فحسب، بل إنه أيضا مستقل عن العصر، وعن الموقع الجغرافي، والتقاليد الاجتماعية المألوفة، والعرف القانوني، وكل شيء آخر. والأمر الذي يشكل التزاما لي في هذا المكان والزمان، هو بالمثل التزام للصيني أو الإسباني أو البولنيزي. وهو فضلا عن ذلك قد كان التزاما بالنسبة إلى اليوناني القديم، والأوروبي في العصور الوسطى، سواء أكان يعلم ذلك أم لم يكن. وهو سيكون التزاما بالنسبة إلى جميع الأجناس والمدنيات التي ستعقب مدنيتنا، سواء أدركت ذلك أم لم تدركه. فما هو خير الآن كان خيرا عندئذ، وسيكون خيرا في المستقبل البعيد، وما كان شرا في الماضي ما زال شرا، وسيظل كذلك أبد الدهر. وليس هناك قانون أخلاقي للماضي وآخر للحاضر، ولا معيار للشرقي وآخر للغربي. وإنما «الخير» أو «الحق» شامل، مطلق، يسري على كل مكان وزمان.
وبطبيعة الحال فإن القائل بالمذهب المطلق يدرك أن المعايير الأخلاقية تبدو متفاوتة إلى حد هائل من عصر إلى آخر ومن مكان إلى مكان. فهو لم يكن بحاجة إلى انتظار الأنثروبولوجيا الحديثة لكي يعلم ذلك، أما أن هيرودوت، وهو أقدم مؤرخي اليونان، كان يجد لذة كبيرة في وصف مختلف المعايير السائدة في عصره. وكل ما فعلته الدراسة العلمية للإنسان هو أنها أكدت ما كان المثقفون يعلمونه على الدوام - ألا وهو أنه لا يكاد يوجد فعل نعده مذموما إلا وكان في وقت معين ومكان معين يعد فاضلا، بل مقدسا. غير أن نصير المذهب المطلق لا يجد في هذه المجموعة الكبيرة من الوقائع الأنثروبولوجية المتوافرة الآن أي دليل على بطلان رأيه؛ إذ هو يعتقد أن كل ما تثبته هذه التغيرات في المعايير والعادات الأخلاقية هو أن الناس كثيرا ما يجهلون المعيار الواحد الحقيقي الصحيح. فكل ما يثبته رضاء آكل لحوم البشر عن عاداته الغذائية هو أنه شخص غير مستنير - وهذا لا يجعل سلوكه صحيحا بأية حال، حتى بالنسبة إلى ذاته. فسلوكه يظل على الرغم من براءة الجهل الذي يعيش فيه، مضادا لقانونه الأخلاقي الصحيح، مثلما أن كل الأعداء مضاد لقانوننا. ذلك لأن هذا القانون الصحيح مطلق ثابت، مستقل عن المعرفة أو الجهل، مثلما هو مستقل عن الزمان والمكان.
ولا ينطوي المذهب المطلق على الاعتقاد بأننا اليوم أقرب بالضرورة، على أي نحو، إلى تحقيق أو ممارسة المعيار الصحيح من آكل لحوم البشر، أو مما كان عليه أجدادنا. فصاحب المذهب المطلق متسق مع ذاته؛ لأنه يعترف بأننا نحن بدورنا قد نكون جاهلين، أو قد تكون أخلاقيتنا غير كافية. وفضلا عن ذلك فإن المعيار المطلق مستقل عن كل العادات الأخلاقية الفعلية، وضمنها عاداتنا، كما أن أحفادنا لن يكونوا بالضرورة أقرب إلى هذا المعيار المطلق منا. وبالاختصار، فهذا المذهب يرى أن مفهوم التطور أو «التقدم» الأخلاقي غير صحيح: فلا قدم العادة الأخلاقية ولا جدتها تعني أي شيء. وإنما المعيار الوحيد لتقدير المفاهيم والعادات الأخلاقية هو علاقتها بهذا المطلق اللازماني الثابت (أي الذي لا يتقدم). ومع ذلك فإن هذا الرأي لا تلزم عنه بالضرورة نزعة محافظة في الأخلاق. فمن الممكن جدا أن نكون سائرين باطراد نحو تحقيق هذا المعيار الصحيح الوحيد، ومن الممكن، بمنطق متساو، أن يكون القائل بالمذهب المطلق داعية إلى التجديد أو إلى الروح المحافظة في الأخلاق. وبالاختصار فإن موقفه لا يقتضي منه أن يمدح أي فعل أخلاقي محدد أو يذمه، وإنما هو يلزمه فقط بالاعتقاد بأن كل ما هو خير أو شر يصدق على الناس جميعا، في كل مكان وزمان.
العلاقة الوثيقة بين مذهب المطلق والنزعة الموضوعية : من المنطقي أن يكون صاحب المذهب المطلق ذا نزعة موضوعية - بل نزعة موضوعية متطرفة. فهو عادة ينظر إلى القانون الأخلاقي، لا على أنه مطلق فحسب، بل على أنه أيضا أساسي في تركيب العالم. وهو شامل بمعنى مزدوج؛ فهو لا يقتصر على الامتداد في كل مكان والانطباق على جميع الكائنات العاقلة، وإنما هو يكون جزءا لا يتجزأ من الواقع. ومن الواضح أن هذا يؤدي إلى استبعاده من المجال الذاتي. والواقع أن صاحب المذهب المطلق ذاته يميل إلى تشبيه القانون الأخلاقي بقانون الجاذبية؛ فهو يرى أن الاثنين معا ملزمان بنفس المقدار، ومتساويان في شمولهما ودوام تأثيرهما، وكما أن من الحمق أن نعتقد أن قوة الجاذبية ليست لها إلا قيمة ذهنية أو ذاتية، فإن من الحمق بنفس المقدار أن كل فرد يخلق «خيره» أو «حقه» الخاص بناء على تفضيلاته، بل إننا نستطيع أن نمضي في التشبيه أبعد من ذلك: فكما أن الجاذبية كانت توجد قبل أن يكتشف نيوتن قوانينها، وكما أنه ستظل هناك جاذبية متبادلة بين كل الأشياء في الكون لو اختفى الجنس البشري من العالم، فكذلك كان القانون الأخلاقي موجودا قبل أن نعرفه، وهو ما زال مستقلا عن معرفتنا، بل إن كثيرا من أنصار المذهب المطلق يرون أن من الممكن أن تختفي البشرية، أو ألا تكون قد وجدت على الإطلاق، دون أن يؤثر ذلك في مركز «الخير» على أي نحو. (4) مصادر النزعة الأخلاقية المطلقة (1)
المصدر التاريخي : ليس من الصعب أن نهتدي إلى المصدر الرئيسي للنزعة الأخلاقية المطلقة
3
ذلك لأن أصل الحضارة الغربية وأساسها مسيحي، وحين نقول «المسيحي» فإننا نعني (بالنسبة إلى الفلسفة) «التوحيدي». فالإيمان بإله واحد، يحكم الكون الذي خلقه، أساس للتفكير الديني للغرب. وفضلا عن ذلك فإن هذا الإله عاقل، تظل أفكاره وأوامره متسقة مع ذاتها على الدوام
4
وهذه الأوامر شاملة، تنطبق على النحو جميعا في كل مكان. ولما كان القانون الأخلاقي صادرا عن هذا الإله العاقل المتسق مع ذاته، فمن المنطقي أن يكون قانونا شاملا ثابتا. ذلك لأن الإله المطلق لا يمكن أن يضع إلا قانونا أخلاقيا مطلقا. وعلى ذلك فإن تباين المعايير الأخلاقية التي نلاحظها من مكان إلى مكان ومن عصر إلى عصر، لا يمكن أن يكون راجعا إلا إلى الجهل بإرادة الله. ولو كان الناس جميعا يعرفون الإرادة الإلهية، لكان لهم جميعا قانون أخلاقي واحد، ولوصف الجميع نفس الأشياء بأنها «خيرة» ونفس الأفعال بأنها «صالحة».
ومما له دلالته أنه، مثلما أن الناس في الحضارة الغربية قد ظلوا حتى عهد قريب يأخذون وجود إله واحد قضية مسلمة، فإنهم أيضا كانوا ينظرون إلى وجود معيار أخلاقي مطلق على أنه أمر واضح بذاته. والواقع أن كل الحجج الفلسفية التقليدية الخاصة بالمعايير الأخلاقية، حتى تلك التي أتى بها مفكر عميق مثل إمانويل كانت، كانت تبدأ بالتسليم بوجود معيار مطلق كهذا. فما دام التوحيد المسيحي قد ظل هو العقيدة السائدة بلا منازع، فقد كان من المحتم أن يكون التفكير الأخلاقي ذا نزعة مطلقة. (2)
Shafi da ba'a sani ba