Falsafar Jamus: Gabatarwa Mai Gajarta
الفلسفة الألمانية: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
الكلية
يوضح الانهيار الاقتصادي 2008-2009 على نحو بارز قضية أساسية في النظرية الماركسية في القرن العشرين، وهي قضية محورية فيما يعرف باسم «النظرية النقدية»؛ فقد أوضح الانهيار أنه كان بإمكان الأفراد أو الجماعات أن تعتبر أفعالها مبررة وعقلانية تماما، في حين أن النتائج الجمعية الفعلية لأفعالها كانت كارثية. ولم يستغرق الأمر كثيرا للشك في أن فكرة شراء المزيد والمزيد من الدين ربما تصطدم في نقطة ما بالحاجة إلى أن يكون للائتمان (وبالطبع «للاعتقاد» بصحته) أساس من الأصول الملموسة، فلماذا أدرك القليل جدا من الناس ما كان يحدث؟ وكانت الحرب العالمية الأولى وما أعقبها هي الحدث المماثل الذي كان حاسما في نشوء النظرية النقدية؛ فقد لاقت الحرب في البداية ترحيبا من بعض المفكرين، أمثال عالم الاجتماع والفيلسوف صاحب الموهبة الفذة جورج سيمل (1858-1918)، وغيره كثير، باعتبارها مخرجا مستحسنا من المجتمع المتفسخ حسب ما يسمى، لكنها أنتجت أهوال الخنادق والانهيار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي المصاحب.
وقد رأينا في الفصل الثامن كيف كان هايدجر متأثرا في «الوجود والزمن» بالطريقة التي جعل بها الواقع التاريخي كثيرا من المقاربات الأكاديمية للفلسفة تبدو إسهابا لا طائل منه. ومن المرجح أن هايدجر كان على معرفة بكتاب «التاريخ والوعي الطبقي» (1923) للفيلسوف المجري جورج لوكاتش (1885-1971)؛ ففي هذا الكتاب، عالج لوكاتش الفجوة بين الكيفية التي يفكر بها الناس في الواقع وما كان يحدث حقا للأزمات الإبستمولوجية للعلاقة بين الذات والموضوع، وسعى لوكاتش إلى فهم الكيفية التي تؤدي بها الرأسمالية الحديثة نفسها إلى انفصام الذات/الموضوع، وذلك من خلال دمجه بين جوانب التساؤل لدى هيجل عن ثنائية الذات والموضوع ونظرية السلعة لدى ماركس.
ويفترض أنه من الواضح بالفعل - كما هو الأمر بالنسبة لهايدجر - أن نوع المشكلة التشككية المتعلقة بواقع «العالم الخارجي»، المألوفة من ديكارت والتي لا تزال تدرس في فصول الفلسفة اليوم، ليس بالأساس موضع النقاش هنا؛ فلماذا إذن يربط لوكاتش ما يقوم به بالموروث الإبستمولوجي بالأساس؟ (يعتبر الكتاب كلا من كانط والمثالية الألمانية أساسا لاهتماماته.) وبألفاظ لوكاتش، فالسؤال المهم هو: لماذا يظهر الاهتمام الحديث بالشكوكية مع الرأسمالية الناشئة؟ ويتمثل الاعتراض الأساسي هنا في أن المرء يخاطر باختزال القضية الفلسفية في العوامل التاريخية في نشأتها، لكن التغير في العلاقات الاجتماعية المرتبطة بظهور التفردية الحديثة والأفكار الجديدة عن الاستقلال البشري يجعل علاقة الناس بالعالم والآخرين أكثر تعقيدا والتواء على نحو واضح؛ لأنها تعتمد بدرجة أقل على السلطة المتلقاة كإطار مستقر للحكم. فمثلا، تهتم مسرحيات شكسبير في الغالب بشبهات المتشككين التي تقود الناس إلى كارثة، حيث تتلاشى ثقتهم في العالم والآخرين. وفي ضوء حقيقة أن المشكلات المتعلقة بموثوقية المعرفة لم تصبح مرتبطة على نطاق واسع بالأسئلة الناشئة فيما يتعلق بالوعي الذاتي إلا في القرن السابع عشر، فإنه يتضح - كما سيذكر المنظرون النقديون - عدم إمكانية الفصل بين التاريخ والفلسفة بدقة.
إن المصطلحات الرئيسية الفاصلة في هذا السياق في نشأة النظرية النقدية هي «التشيؤ»؛ أي تحويل العلاقات بين البشر إلى علاقات بين الأشياء، وفكرة «الكلية». وبالنسبة للوكاتش، فإن الحل لكيفية تجنب حدث مثل الحرب في المستقبل هو تجاوز الموقف الذي تنتج فيه أفعال الناس الفردية شيئا لا سبيل لهم إلى فهمه. وتتمثل فكرته - على غرار ما ذهب إليه ماركس - في أن الانتقال من الإقطاعية إلى الرأسمالية مهد السبيل إلى اندماج ما كان سابقا جوانب غير متصلة من الحياة الاجتماعية والسياسية في كلية واحدة، ويحدث هذا الأمر من خلال هيكل السلعة الذي من المحتمل أن يحيل - كما رأينا في الفصل السادس - جميع الأشياء إلى قيم تبادلية متطابقة. وتؤدي الكلية محل النقاش هنا إلى التشيؤ، الأمر الذي يجعل الناس لا يستوعبون أثر ما يفعلون على من سواهم من البشر. ويرى لوكاتش أن مفتاح فهم الكلية هو البروليتاريا (الطبقة العاملة)، وهي الطبقة التي لديها أقل سبب للانخداع بالنظام الذي تعيش فيه نظرا لما تعانيه من حرمان. وعن طريق الانخراط في الممارسة الثورية، يكون لدى البروليتاريا القدرة على التغلب على الظروف التي تضر بالجوانب النوعية لعلاقاتها بالعالم، ومن ثم إيجاد ظروف أكثر إنسانية، ولكن في ضوء ما أعقب ذلك من أحداث تاريخية لاحقة، يتضح أنه ربما لا يوجد حل سهل للمعضلات التي يسعى لوكاتش إلى حلها، على الرغم من حقيقة ما قاله بأن البروليتاريا تحتاج إلى مساعدة الحزب الشيوعي كي تصل إلى قرارها في حل انفصام الذات/الموضوع.
إنقاذ الفكر الراديكالي
تطورت النظرية النقدية إزاء إخفاق نوع الاستجابة الثورية لكوارث الرأسمالية الحديثة الذي اقترحه لوكاتش، وقد سعى «معهد البحوث الاجتماعية» الذي أسسه رجل الأعمال الماركسي فيلكس فايل في فرانكفورت عام 1923 في ذروة الأزمة الاقتصادية الألمانية بعد الحرب، والذي غالبا ما يسمى «مدرسة فرانكفورت»؛ إلى تشجيع البحث الاجتماعي الراديكالي. ومع ما أحدثته التطورات في الاتحاد السوفيتي وظهور النازية من هدم للآمال في تغيير ثوري، أصبحت الحاجة أكثر إلحاحا للإبقاء على جذوة الأفكار التقدمية مشتعلة، وإن كانت أكثر صعوبة. وتبنى تيودور أدورنو (1903-1969) وماكس هوكايمر (1895-1973) - وهما أهم ممثلي هذه المدرسة الفلسفية - كثيرا من التحليل المأخوذ من وصف لوكاتش للسلعة والتشيؤ حول الكيفية التي تؤثر بها الرأسمالية على طبيعة الفكر الإنساني، ولكنهما اضطرا - على الرغم من ذلك - إلى إيجاد طرق لتفسير السبب في احتمال أن تزيد المحاولات الراديكالية للتحول السياسي الأشياء سوءا. ولفعل هذا، فقد تبنيا أفكارا من فرويد لتفسير قابلية الناس للتأثر بالشمولية، ومن ماكس فيبر لفهم الآلية التي يعمل بها العالم الحديث من منظور عقلنة الممارسات التقليدية في أشكال بيروقراطية وتكنولوجية معيارية، ومن نيتشه لنقد قصور الفلسفة التقليدية. ويتمثل الأثر الرئيسي الآخر على أدورنو - حيث كان هوكايمر أقرب إلى التشككية - في عمل صديقه فالتر بنيامين (1892-1940).
يعد عمل بنيامين من الأعمال التي يستعصي تلخيصها مقارنة بعمل أية شخصية أخرى قابلناها حتى الآن، فعمله يعتمد - من بين مصادر كثيرة أخرى - على أفكار من هامان والفلسفة الرومانسية المبكرة والصوفية اليهودية والماركسية، وهو غزير العلم على نحو مبهر. وقد شكل عمله موضوعان رئيسيان متصلان: طبيعة اللغة في الحداثة ومشكلة الوقتية الحديثة؛ فلديه شعور راديكالي بكل من اعتباطية اللغة في العالم الحديث وعرضية الوجود الحديث، ولكنه في الوقت نفسه كان يبحث عما يمكنه تخليص كل من اللغة والزمن. وفي مستهل عمله وحتى تبنيه لعناصر ماركسية لوكاتش وبريشت وغيرهما في نهاية عشرينيات القرن العشرين، تمثل أمله في إيجاد طريقة للتوافق مع «التحرر من الأوهام» الذي يراه ماكس فيبر جوهر الحداثة. وسيحدث هذا من خلال مقاربة للغة تستعيد قدرتها على الاتصال بالحقيقة الجزئية للأشياء (والتي يفكر فيها بنيامين بلغة لاهوتية متروكة). ويتردد صدى أفكاره في جوانب من كتاب مثل هوفمانستال وريلكه، وفي رؤية هايدجر في أخرياته للغة الشعر على أنها تسمح لأشياء جزئية أن توجد في حقيقتها، بدلا من تصنيفها كأمثلة لتصورات عامة.
شكل : تيودور أدورنو، عام 1960.
1
Shafi da ba'a sani ba