Falsafar Jamus: Gabatarwa Mai Gajarta
الفلسفة الألمانية: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
يكشف هيردر - الذي كان تلميذا مفضلا لكانط حتى تنازعا في ثمانينيات القرن الثامن عشر - ومعاصره وصديقه يوهان جورج هامان (1730-1788)، عن مفارقة في المفاهيم الحديثة للغة. كما رأينا، فإن النجاح الجديد للعلوم الطبيعية مصحوب بشكوك حول أساس ذلك النجاح. وبرؤية عقلانية، يمكن تجاوز الفوارق بين اللغات؛ لأن حقائق العلم يمكن صياغتها بأية لغة طبيعية. ومن ثم، قد تبدو الرؤية العقلانية متوافقة مع تصورات نظام الكون الممنوح من الإله. إلا أن احتكام عقلانية القرن الثامن عشر إلى فكرة «لغة عالمية» توضع تماما على غرار العلم المؤسس على الرياضيات الذي يساعد في الوصول إلى هذه الفكرة، يقوض بالفعل كثيرا من الأسس السابقة لعلم اللاهوت. ومن جانب آخر، تشكك المناهج الجديدة في اللغة، موضع النقاش هنا، في فكرة أن جميع اللغات يمكن - أو ينبغي - أن تكون قابلة لقياس واحد.
تنزع الرؤى العقلانية إلى النظر إلى اللغة بالأساس من حيث الكيفية التي «تمثل» بها الأشياء في العالم، فهدف العلم هو في النهاية الوصول إلى الكلمات التي تعطي إعادة عرض حقيقية للعالم - بمعنى تلك التي «تعرض مجددا ما هو موجود بالفعل كما هو». ويرى هامان وهايدجر، في أعقاب جان جاك روسو وآخرين، أن هذا النهج أخفق في تقدير كيفية أن اللغة تعبير جوهري عن ماهية أن تكون إنسانا، فاللغة لها دور أبعد من مجرد تمثيل العالم؛ إذ يمكنها أن تظهر جوانب جديدة من أنفسنا ومن العالم لم تكن لتظهر دونها، ومن ثم يمكن فهم جميع الأشكال الرمزية البشرية بما فيها الموسيقى والفن المرئي على أنها «لغة».
اللغة والعقل
في كتابه «عن الأدب الألماني الحديث: مقتطفات» عام 1766-1768، يعلن هيردر بالفعل ما سوف يكون المقدمة المنطقية الأساسية للفلسفة التحليلية للقرن العشرين: «فلو صح أننا لا يمكننا التفكير دون أفكار، وأننا نتعلم التفكير من خلال الكلمات، فإن اللغة تعطي للمعرفة الإنسانية كلها حدودها وإطارها»، وهي «أداة الأفكار البشرية ومضمونها وشكلها». والسؤال هو: كيف بالضبط نفهم اللغة؟ فالفوارق حتى اليوم بين الفلسفة التحليلية و«القارية/الأوروبية» قائمة في الغالب على تأويلات مختلفة لماهية اللغة. وفي نقلة نبوئية، يقترح هامان أن اللغة يمكن أن تؤثر على تقييم الفلسفة المتعالية لكانط، فهو يتساءل كيف ترتبط مقولات كانط باللغة مقترحا أن «الكلمات هي «أحداس» محضة وتجريبية وأيضا «تصورات» محضة وتجريبية»، وتشكيكه في فصل كانط للأحداس القابلة والتصورات التلقائية هو جزء مما يمهد لنشأة المثالية الألمانية.
من الأهداف المحورية للمثالية الألمانية التغلب على مقابلات كانط بين المظاهر والأشياء في حد ذاتها، وبين القابلية والتلقائية. وتتمثل فكرة هامان في أننا نكتسب الكلمات بطريقة استقبالية كضوضاء أو علامات في العالم الموضوعي، لكنها ليست مجرد موضوعات؛ فالكلمات لا يمكن أن تكون إلا كلمات، لا مجرد علامات أو ضوضاء، إذا كان لها معنى يؤثر على كيفية فهمنا للعالم، وقد يبدو واضحا أن الشيء التالي الذي ينبغي فعله هو فصل اللغة إلى تلك الأجزاء التي لها مغزى موضوعي بحت ، وتلك الأجزاء التي هي «ذاتية». إلا أنه قد ثبت حتى الآن في الفلسفة الحديثة استحالة رسم هذا الخط الفاصل بطريقة متفق عليها؛ لأسباب أهمها: أن اللغة نفسها لازمة لرسم الخط. وإذا كانت اللغة تقاوم الفصل الحاسم بين الذاتي والموضوعي، فيمكن التشكيك في نوع الفلسفة التي تحاول بيان الكيفية التي يعكس أو يمثل بها العقل الذاتي بنجاح - يكثر أو يقل - طبيعة العالم الموضوعي؛ فالدعاوى المتعلقة بالموضوعية تعتمد على استخدام اللغة، واللغة نفسها لا يمكن القول بأنها موضوعية محضة أو ذاتية محضة.
وعلى الرغم من الدعاوى المتكررة بعكس ذلك، فإن الشعور اليومي بالحقيقة يجب ألا يتأثر إلى حد بعيد بتلك الأفكار؛ فالمتشككون لا يمكنهم الاحتجاج على عجز اللغة عن التعبير عن الحقيقة دون التسليم مقدما بأن حقيقة مزاعمهم يمكن نقلها عن طريق اللغة. وبدلا من ذلك، تطرح الأفكار الجديدة المتعلقة باللغة أسئلة عما يعنيه التعبير عن الحقيقة، فالقول بأن شيئا ما موضوعي محض سوف يتطلب منظورا فوقيا، خارج اللغة - «رؤية من لا مكان» - والفكرة هي أن الحاجة إلى وصف ذلك المنظور باللغة نفسها يضع هذا الأمر موضع تساؤل. ومن ثم، فالحقيقة ربما تكون هدفا تصوريا يحفز على البحث، لا شيء نعرف دوما على نحو قاطع أننا قد فهمناه. وسوف تنطوي فلسفة القرن العشرين على نزاعات سكولاستية بين مناهج تسعى إلى قصر نطاق الحقيقة في عبارات يمكن التحقق منها كوسيلة لمحاولة ضمان الموضوعية الكاملة، ومناهج توسع نطاق الحقيقة ليشمل أي تعبير يجسد جانبا من العالم. وفي المنهج الأخير، يمكن للفن أن يكون أداة لنقل الحقيقة عندما يكشف أو يعطي معنى جديدا لمنظور عن العالم. وتحمل المناهج الأخيرة كثيرا مما ابتدأه هامان وهيردر.
وبينما يمكن للمرء تجاهل الكثير من القضايا التاريخية والأسلوبية في نصوص كانط ويظل يستخدمها في الفلسفة المعاصرة، فإنه لا يمكن فصل الأسلوب المعقد والإيمائي لنصوص هامان عن مضمونها؛ إذ تخلق نصوصه شبكة من الترابطات التي تربط جوانب العالم بطرق غير متوقعة غالبا. فبالنسبة لهامان، النظر إلى اللغة باعتبارها تحدد معاني الكلمات ، ليست هي الطريقة المثلى للنظر إليها؛ فاللغة هي احتفال بتنوع الخلق الإلهي، الأمر الذي يفتح الباب لوجهات نظر جديدة. وهناك عملية ترجمة لا نهائية «من لغة الملائكة إلى لغة البشر؛ أي من الأفكار إلى الكلمات - من الأشياء إلى الأسماء - من الصور إلى العلامات». وعليه، فإن الجانب «الأدبي» للغة ليس إضافة عارضة إلى اللغة، بل هو لبها؛ فمثلا عندما ينتقد هامان كانط، فإنه يفعل ذلك بطريقة بلاغية جدا. وقبل أن نصل إلى السؤال الكانطي عن كيف تكون المعرفة الموضوعية ممكنة، يؤكد هامان:
يبقى سؤال رئيسي آخر: كيف تكون القدرة على التفكير ممكنة؛ أي القدرة على التفكير «يمين التجربة وشمالها، قبلها ودونها، معها وبعدها»؟ إن المرء لا يحتاج إلى استدلال لإثبات الأولوية النسبية للغة قبل الوظائف المقدسة «السبعة» للافتراضات والاستنتاجات المنطقية وشعاراتها.
إن ما تعنيه هذه الفقرة غريبة الأسلوب يتضح من خلال علاقته باهتمام هامان بأخطار التجريد.
لا يزال قدر كبير من الفلسفة الحديثة منذ ديكارت مهتما بنموذج معين من مذهب الشك؛ إذ يفصل ديكارت العقل عن الجسد بدعواه أن اليقين المعرفي الوحيد هو وعي العقل بنفسه. ومعرفة عالم الموضوعات، بما في ذلك جسد المرء نفسه، مشكوك فيه بطبيعته. ولا يقبل هامان الصورة الديكارتية؛ لأنها تفترض أن معرفة العالم القائمة على تبرير عقلي هي الأساس الجوهري للفلسفة، لكنه يظن بدلا من ذلك أن «الاعتقاد قليلا ما يقع بلغة الأسباب كالتذوق والشم»، واتصالنا الجوهري مع العالم «حسي». وينبغي ألا يفهم هذا الاتصال باصطلاحات «المذهب التجريبي» للوك وآخرين (ممن أثروا عليه رغم ذلك)؛ حيث إن «معطيات الحس» هي المصدر الوحيد للمعرفة. واهتم هامان عوضا عن ذلك بالكيفية التي نصل بها إلى عالم مفهوم. والبدء بوصف نقدي لل «عقل» - على غرار فلسفة كانط - لا يفسر كيف يوجد عقل من الأساس، وهو أمر يتعلق بالسؤال عن أصل اللغة.
Shafi da ba'a sani ba