الدواوين وأمرهم بترتيب الطّبقات وضبط العطاء. فقالوا: بمن نبدأ يا أمير المؤمنين؟ فأشار ناس من الصّحابة عليه بأن يبدأ بنفسه، وقالوا: أنت أمير المؤمنين، وتقديمك واجب. فكره عمر ذلك وقال: ابدءوا بالعبّاس عمّ رسول الله- صلوات الله عليه- وببني هاشم، ثمّ بمن بعدهم طبقة طبقة وضعوا آل الخطّاب حيث وضعهم الله ﷿. فاعتمد ما أشار به، وجرى الأمر على ذلك مدّة خلافته وخلافة عثمان، ﵄. ثم في آخر خلافته خطر له تغيير هذا الرأي، وأن يفرض لكل واحد من المسلمين أربعة آلاف وقال ألف يجعلها لعياله إذا خرج إلى الحرب، وألف يتجهّز بها، وألف يصحبها معه، وألف يرتفق [١] بها.
فمات عمر- ﵁ قبل إتمام هذا الرأي ومن وقائعها المشهورة وقعة الجمل.
شرح مبدإ وقعة الجمل وكيفية الحال في ذلك
لما قتل عثمان بن عفّان- ﵁ اجتمع الناس وقصدوا منزل أمير المؤمنين عليّ- ﵇ وسألوه تولّي أمرهم، فأبى عليهم. وقال: لا حاجة لي في أمركم. فألحّوا عليه إلحاحا شديدا، واجتمعوا إليه من كلّ صوب، يسألونه ذلك حتّى أجاب، فبايعه الناس فسار فيهم بسيرة الحقّ، لا تأخذه في الله لومة لائم، وكانت حركاته وسكناته- ﵇ جميعها للَّه، وفي الله، لا يقضي بها حقّ أحد.
وكان لا يأخذ ولا يعطي إلا بالحقّ والعدل، حتّى إنّ أخاه عقيلا وهو ابن أبيه وأمّه طلب من بيت المال شيئا لم يكن له بحقّ، فمنعه ﵇ وقال: يا أخي: ليس لك في هذا المال غير ما أعطيتك، ولكن اصبر حتّى يجيء مالي وأعطيك منه ما تريد. فلم يرض عقيل هذا الجواب وفارقه وقصد معاوية- ﵁ بالشأم، وكان لا يعطي ولديه الحسن والحسين- ﵉ أكثر من حقّهما فانظر إلى رجل حمله ورعه [٢] على هذا الصّنيع بولديه، وبأخيه من