فصمت حائرا فقلت ضاحكا: لماذا تنظر إلي في ارتياب كأني عدو؟
فقال بنبرة اعترافية: أنا رجل عجوز على المعاش، كنت موظفا بالزراعة، أخلت الشرطة بيتنا الآيل للسقوط، فكرت في سكنى الشاطئ بدلا من المقابر! - فكرة جميلة. - المعاش قليل، قلت: أزرع لآكل لا لأتاجر. بعنا العفش القديم واشترينا ما يلزمنا كالخيمة والشادوف. - فعلت خيرا.
فتردد قليلا ثم قال: أعتقد أن هذا لا يسيء إلى أحد؟ - حسبك أنك جملت رقعة من الشاطئ القذر. - ولكني أخاف التعليمات والإجراءات.
فقلت بصدق: الحق أنه لا دراية لي بذلك.
وتمنيت له الخير ثم صافحته وذهبت. ولما هل الصيف قمت بإجازتي السنوية. وعدت من المصيف بعد شهر ونصف شهر لأواصل حياتي المألوفة. واستأنفت مسيرتي الصباحية، ولما اقتربت من شارع الجبلاية تذكرت - ربما لأول مرة - الرجل والمرأة. أقبلت نحو موضعهما تواقا للاستطلاع. ولكني لم أجد أثرا لهما ولا للحقل. رجع المنحدر إلى حاله القديمة من الخراب والقذارة. لا تفسير لذلك إلا أن مخاوف العجوز قد وقعت وتحققت. فاض قلبي بالأسى وأنا أتساءل عن مصير العجوزين. ورأيت جندي المرور على مبعدة يسيرة من المكان، فقصدته وتبادلنا التحية كعادتنا منذ سنوات. قلت له: كان هناك رجل وامرأة يزرعان الأرض.
فضحك الرجل قائلا: لم يدم الحال وسبحان من له الدوام، جاء شرطي ذات يوم للتحقيق، وقاد الرجل إلى القسم لعمل محضر مخالفة.
صمت مغتما متفكرا، فقال الجندي: أرض الحكومة ليست لكل من هب ودب، وجاء عمال، فاقتلعوا الزرع قبل أن ينضج، ولا علم لي بما حصل للرجل بعد ذلك.
انقبض صدري حزنا على آدم وحواء وحقلهما، وصحبتني ذكراهما زمنا حتى تلاشت في خضم الحياة اليومية.
مضى اليوم على ذاك التاريخ أكثر من عشرين عاما. أذكره أحيانا عند مروري بالموضع إياه.
أذكر الرجل والمرأة والحقل الأخضر الذي عصفت به التعليمات المقدسة.
Shafi da ba'a sani ba