فقلت وأنا أداري غيظي: فلسفة عظيمة، أنت امرأة سعيدة. - لا .. وزني ثقيل، وهو آخذ في الازدياد، وتسبب في حرماني من تعلم الرقص. - ولكن الشهرة ليست في صالحك، وقد تدل عليك من يريد قتلك.
وانقطع حبل الحديث. ولم تجد من ناحيتي أي رغبة في وصله، فسلمت بفشل مهمتها، وانصرفت وهي تلوح لي مودعة. وأنا أهم بالنوم عاودني الإحساس بأن الدنيا تراوغني، فخيل إلي أن جارتي لم تأت لزيارتي، وخيل إلي حينا آخر أنها ترقد إلى جانبي، وفي الصباح ذهبت إلى الوزارة. هي المكان الوحيد الذي ألقى فيه الاحترام وأسمع الثناء تلو الثناء. ولي زميل غاية في الدماثة والمودة. وهو يحثني دائما على أن أعيش حياتي، وأن أستهين بالظنون والأقاويل التي لا يقوم عليها دليل مادي .. يقول لي: من منا لا يتربص به الموت؟
ودعاني ذلك الصباح إلى الاشتراك في رحلة إلى جنوب سيناء، فوعدته بالتفكير في الأمر. وعند الساعة العاشرة استأذنت في الانصراف لعذر مهم، وغادرت المؤسسة إلى شارع الوادي الجديد، حيث توجد عيادة الوسيط الجديد الذي أحمل إليه الرسالة. ورجوت التمرجي أن يوصل الرسالة إلى الطبيب فذهب بها ثم عاد بعد دقائق؛ ليأذن لي في الدخول فورا. وجدت الطبيب جالسا وراء مكتبه يطالعني بشخصية قوية وعينين نافذتين، غير أنه توكد لدي ما يحظى به صاحب الرسالة من منزلة فريدة عنده. قلت: أعتقد أني قادم إلى سعادتك بصفتك الشخصية لا المهنية.
فسألني بجدية: ما الذي حملك على هذا الاعتقاد؟ - مشكلتي، بل كل مشكلاتي، لا علاقة لها بالطب.
لكن الطب له علاقة بكل مشكلة، على أي حال ظنك في محله، وما نريد إلا أن تمكث في مصحة لي بحلوان فترة من الزمن؛ حيث يتهيأ الأمان والأمن. - ولكني بعد خروجي، سأرجع إلى ما كنت فيه. - أو يكون الوسطاء قد تمكنوا من تصفية مشكلاتك في أثناء ذلك. - ولكن المصحة ستسيء إلى سمعتي! - مصحتنا تعيش في سرية كاملة.
وترددت متفكرا فتساءل: ألا يوجد في حياتك ما تخجل منه أو تندم عليه؟ - هذه مسألة أخرى. - بل لعل كثيرا من المشكلات يرجع إليها.
فقلت بيأس: إذن فأنا ذاهب للعلاج. - لن أفرض عليك شيئا لا تريده.
وقلت بمرارة وكأنما أخاطب نفسي: كيف أعيش بين مجانين؟!
فتساءل متهكما: وهل تعتبر نفسك عائشا بين عقلاء؟!
وانفجر قلقي فقلت: معذرة يا سيدي، لن أذهب إلى المصحة.
Shafi da ba'a sani ba