وأفراد الأمة الواحدة وإن اختلفوا في المدارك والتربية والتعليم ونحو ذلك فإن بينهم جميعا وحدة مشتركة، وهذه الوحدة تدركها في الملامح الجسمية حتى لتستطيع بعد قليل من المران أن تحكم بأن هذا إنجليزي أو فرنسي أو مصري، وهناك وحدة عقلية بين أفراد الأمة الواحدة تشبه الوحدة الجسمية تماما، فما هي هذه الوحدة العقلية والنفسية للعرب؟ وبعبارة أخرى: إذا اخترت عربيا ليكون نموذجا يمثل العرب في نفسيتهم فما تكون صفاته؟
اختلفت آراء الباحثين في هذا اختلافا كبيرا، ونحن نستعرض لك بعضها: (1)
يقول بعض الشعوبية في العرب: «لم تزل الأمم كلها من الأعاجم في كل شق من الأرض لها ملوك تحميها ومدائن تضمها، وأحكام تدين بها، وفلسفة تنتجها، وبدائع تفتقها في الأدوات والصناعات، مثل: صنعة الديباج ولعبة الشطرنج، ورمانة القبان، ومثل: فلسفة الروم في ذات الخلق والقانون والأصطرلاب، ولم يكن للعرب ملك يجمع سوادها، ويضم قواصيها، ويقمع ظالمها، وينهى سفيهها، ولا كان لها قط نتيجة في صناعة، ولا أثر في فلسفة ، إلا ما كان من الشعر، وقد شاركتها فيه العجم، وذلك أن للروم أشعارا عجيبة قائمة الأوزان والعروض»
1 . (2)
ويقول الجاحظ في الرد عليهم والمقارنة بين العرب وغيرهم: «إن الهند لهم معان مدونة، وكتب مجلدة، لا تضاف إلى رجل معروف، ولا إلى عالم موصوف، وإنما هي كتب متوارثة، وآداب على وجه الدهر سائرة مذكورة؛ ولليونان فلسفة ومنطق، ولكن صاحب المنطق نفسه بكيء اللسان ولا موصوف بالبيان؛ وفي الفرس خطباء، إلا أن كل كلام وكل معنى للعجم فإنما هو عن طول فكرة، وعن اجتهاد وخلوة، وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال وكأنه إلهام، وليست هناك معاناة ولا مكابدة، ولا إجالة فكرة ولا استعانة، وإنما هو أن يصرف وهمه إلى الكلام، فتأتيه المعاني أرسالا، وتنثال عليه الألفاظ انثيالا، وكانوا أميين لا يكتبون، ومطبوعين لا يتكلفون، وكان الكلام الجيد عندهم أظهر وأكثر، وهم عليه أقدر وأقهر ... وليس هم كمن حفظ علم غيره واحتذى على كلام من كان قبله، فلم يحفظوا إلا ما علق بقلوبهم، والتحم بصدورهم، واتصل بعقولهم من غير تكلف ولا قصد، ولا تحفظ ولا طلب»
2 . (3)
رأي ابن خلدون في العرب: ولابن خلدون رأي في العرب منثور في مواضع عدة من تاريخه نلخصه فيما يلي بألفاظه:
يرى ابن خلدون أن حالة العرب حالة اجتماعية طبيعية، يمر عليها الإنسان في نشوئه وارتقائه؛ وعبر عن ذلك بقوله: «إن جيل العرب في الخلقة طبيعي»، ويقول: إنهم لطبيعة التوحش الذي هم فيه أهل انتهاب وعبث، ينتهبون ما قدروا عليه من غير مغالبة ولا ركوب خطر، ويفرون إلى منتجعهم بالقفر، والقبائل الممتنعة عليهم - بأوعار الجبال - بمنجاة من عبثهم وفسادهم، وأما البسائط متى اقتدروا عليها بفقدان الحامية وضعف الدولة؛ فهي نهب لهم يرددون عليها الغارة والنهب إلى أن يصبح أهلها مغلبين لهم، ثم يتعاورونهم باختلاف الأيدي وانحراف السياسة إلى أن ينقرض عمرانهم
3 .
وهم إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب؛ لأنهم أمة وحشية، فينقلون الحجر من المباني ويخربونها لينصبوه أثافي للقدر، ويخربون السقف ليعمروا به خيامهم، ويتخذوا الأوتاد منه لبيوتهم، وليس عندهم في أخذ أموال الناس حد ينتهون إليه، وليست لهم عناية بالأحكام وزجر الناس عن المفاسد؛ إنما همهم ما يأخذونه من أموال الناس نهبا أو مغرما؛ فإذا توصلوا إلى ذلك أعرضوا عما بعده من تسديد أحوالهم والنظر في مصالحهم، وهم متنافسون في الرياسة وقل أن يسلم واحد منهم الأمر لغيره ولو كان أباه أو أخاه أو كبير عشيرته إلا في الأقل، فيتعدد الحكام منهم والأمراء، وتختلف الأيدي على الرعية في الجباية والأحكام، فيفسد العمران وينتقض، وانظر إلى ما ملكوه من الأوطان من لدن الخليفة كيف تقوض عمرانه وأقفر ساكنه، فاليمن - قرارهم - خراب إلا قليلا من الأمصار، وعراق العرب كذلك قد خرب عمرانه الذي كان للفرس أجمع، والشام لهذا العهد كذلك
Shafi da ba'a sani ba