155

Asubar Musulunci

فجر الإسلام

Nau'ikan

كان العراق عربا وموالي - كما علمت - وكانت السيادة للعرب، فاضطر الموالي لتعلم اللغة العربية لدينهم ولدنياهم، فكانوا مضطرين إلى نوع من العلم يسهل لهم طريق التعلم، فمست الحاجة إلى وضع علم النحو، وكان طبيعيا أن ينشأ ذلك في العراق لا في الحجاز ولا في الشام؛ لأن الحجاز لم يكن في حاجة إلى قواعد يقيم بها لسانه؛ لأن موالي العراق أكثر رغبة من موالي الشام، لما علمت من أن رغبة الفرس في العربية كانت أكثر من رغبة سواهم، ولأن الآداب السريانية كانت في العراق قبل الإسلام، وكان لها قواعد نحوية، فكان من السهل أن توضع قواعد عربية على نمط القواعد السريانية، خصوصا واللغتان من أصل سامي واحد؛ لهذا كان السابقون إلى وضع النحو هم البصريين أولا ثم الكوفيين، وفاق البصريون لقربهم من بادية العرب وبعد الكوفيين عن البادية الفصيحة.

والآن نستعرض باختصار الحركة العلمية في البصرة والكوفة من مبدئها:

الكوفة:

نزل الكوفة من أصحاب رسول الله كثيرون، وكان أشهرهم في العلم علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود؛ فأما علي فكان عمله السياسي في العراق واشتغاله بالحرب وشئونها مانعا له من التفرغ للتعليم؛ وأما ابن مسعود فهو أكثر الصحابة أثرا علميا فيها، كان ابن مسعود من أول الناس إسلاما، حتى روي أنه سادس ستة أسلموا، وهاجر إلى الحبشة مع من هاجر، وإلى المدينة، ولازم النبي

صلى الله عليه وسلم

يخدمه، وسمح له أن يدخل بيته حين لا يسمح لغيره، وشغف بالقرآن يحفظه ويتفهمه؛ كل ذلك جعله يفهم من تعاليم الإسلام ومعاني القرآن وأعمال الرسول ما عد من أجله من كبار علماء الصحابة، بعثه عمر بن الخطاب إلى أهل الكوفة يعلمهم، فأخذ عنه كثير من الكوفيين، ولزمه تلاميذ له يتعلمون عنه العلم ويتأدبون بأدبه، قال فيهم سعيد بن جبير: «كان أصحاب عبد الله سرج هذه القرية» (يعني الكوفة)، وكان يعلم الناس القرآن ويفسره ويروي أحاديث سمعها من رسول الله، ويسأل عن حوادث فيفتي فيها استنباطا من الكتاب أو السنة أو برأيه - إذا لم يرد فيها كتاب ولا سنة - واشتهر من مدرسته هذه ستة، كانوا يعلمون القرآن ويفتون الناس: علقمة، والأسود، ومسروق، وعبيدة، والحارث بن قيس، وعمرو بن شرحبيل، وهؤلاء خلفوا عبد الله بن مسعود في التعليم بالكوفة، ولم يكن كل علماء الكوفة أخذ عن عبد الله بن مسعود، بل كثير منهم كانوا في المدينة، وأخذوا عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس ومعاذ ونحوهم، فتكونت في الكوفة حركة علمية كبيرة، واشتهر من علمائها شريح والشعبي والنخعي وسعيد بن جبير، ولم تزل هذه الحركة تنمو وتنضج حتى توجت بأبي حنيفة النعمان الكوفي.

البصرة:

كذلك نزل في البصرة عدد كبير من الصحابة، أشهرهم في العلم أبو موسى الأشعري، وأنس بن مالك.

فأما أبو موسى فيمني، قدم مكة وأسلم وهاجر إلى الحبشة مع من هاجر، وكان يعد من أعلم الصحابة، وقد قدم البصرة وعلم بها: سأل عمر بن الخطاب أنس بن مالك: كيف تركت الأشعري؟ فقال: تركته يعلم الناس القرآن، فقال: إنه كبير ولا تسمعها إياه

22 ، ويدل ما روي عنه - من قضاء بين الناس وفصل في الخصومات - على أنه كان فقيها فوق معرفته القرآن والحديث، أما أنس بن مالك فكان أنصاريا وكان صبيا لما قدم النبي المدينة، وخدمه نحو عشر سنين، وقد نزل البصرة وعمر فيها طويلا، وكان آخر من توفي بالبصرة من الصحابة، وتوفي سنة 92ه، ولكن يظهر أنه لم يبلغ في العلم مبلغ أبي موسى الأشعري، ولا عبد الله بن مسعود في الكوفة، وكان محدثا أكثر منه فقيها.

Shafi da ba'a sani ba