صلى الله عليه وسلم
وأصحابه، وبها كان أكثر التشريع الإسلامي، وكانت منبعا لأكثر الأحداث التاريخية في صدر الإسلام، وبها حدث النبي
صلى الله عليه وسلم
أكثر حديثه، وهو لا يفهم تمام الفهم إلا أن يفهم ما أحاط به من ظروف مدنية، وكانت مركز الخلافة في أهم عصر من عصور الإسلام أيام أبي بكر وعمر وعثمان، وبها كان كثير من أكابر الصحابة قد شاهدوا ما فعل النبي وسمعوا ما قال، وكانوا شركاء في بعض ما وقع من أحداث كغزوات وفتوح، فهم يحدثون بما سمعوا وشاهدوا.
فلا غرو إذا أن كانت مكة والمدينة مركزين من أهم مراكز الحياة العلمية في ذلك العصر، يقصدهما طلاب الحديث وطلاب الفقه وطلاب التاريخ، وقد فاقت المدينة مكة في ذلك؛ لأن أشهر من أسلم من أهل مكة هاجر مع النبي
صلى الله عليه وسلم
إلى المدينة، وكان من يسلم بعد الهجرة من أهل مكة يهاجر كذلك، خصوصا إذا كان من رجالات قريش وعقلائها؛ ثم كانت المدينة مقصد من يريد الإسلام في عهد النبي من سكان جزيرة العرب، وكثير منهم كانت تدعوه الحماسة الدينية أن يقيم بجوار النبي يتعلم منه ويتعبد معه، ويسمع من قوله، ويشاركه في غزواته؛ وبعد وفاة الرسول كانت مقر الخلافة، ومركز كبار الصحابة، حتى يحرم عمر على كبار قريش أن يبرحوها إلا لحاجة ماسة، وكانت في عهد الفتوح الكبيرة موردا للأسرى، وقد رأيت أن عمر كان يحرم أن توزع الأسرى في مواطن الحروب، فكان يأتي بهم أولا إلى المدينة، وكثير من هؤلاء الأسرى من الفرس والروم وكانوا من الطبقة الأرستقراطية في قومهم، وكانوا متعلمين على النمط الذي ساد في أمتهم وعصرهم، فأقام منهم بالمدينة كثيرون، عد منهم ابن سعد في طبقاته عددا كبيرا، وكانوا موالي لكبار الصحابة وأسلموا على أيديهم فصبغوا الحياة الإسلامية بعقليتهم التي تخالف - من بعض الوجوه - عقلية العرب، وكانوا قد ألفوا في قومهم علما منظما كتبا مدونة، فأخذوا يتبعون هذا في تعاليم الإسلام، كل هذا جعل المدينة تفوق مكة من هذه الناحية العلمية؛ أضف إلى ذلك أن المهاجرين كانوا يكرهون في أول عهد الإسلام - دينا - أن يتحولوا من المدينة إلى مكة، روى ابن سعد: «قال محمد بن عمر: لا نعلم أحدا من المهاجرين من أهل بدر رجع إلى مكة - يعني بعد وفاة النبي
صلى الله عليه وسلم - فنزلها غير أبي سبرة، فإنه رجع إلى مكة بعد وفاة النبي
صلى الله عليه وسلم
فنزلها، فكره ذلك له المسلمون، وولده ينكرون ذلك، ويدفعون أن يكون رجع إلى مكة فنزلها بعد أن هاجر منها، ويغضبون من ذكر ذلك»
Shafi da ba'a sani ba