248

Asubin Lamiri

فجر الضمير

Nau'ikan

الواقعة فوق هضبة الكرمل.

وقد انبسط في هذا الموقف الذي نمت فيه الطبقات الاجتماعية وتباينت تباينا شديدا، ميدان اجتماعي كالذي شاهدنا ظهوره على ضفاف النيل قبل ذلك بنحو ألفي سنة، فقد كانت أمثال هذه الأحوال هي التي أيقظت في مصر إحساسا جديدا بالقيم الأخلاقية الثابتة، وبمثل ذلك ظهر بين العبرانيين رجال توافرت لهم الروح الإنسانية والنظرة الاجتماعية، فأخذوا يشعرون بإيحاء «الضمير» كقوة اجتماعية، واستجابة لندائهم أخذ عصر الأخلاق في الظهور بين بني إسرائيل كما سبق ظهوره في مصر قبل ذلك بزمن طويل؛ ولذلك نجد أن الشعائر العتيقة والعادات الدينية البالية، بما فيها من الطقوس والضحايا، أخذت تنحط في قيمتها بموازنتها بالأخلاق الفاضلة.

وبهذه المناسبة نذكر تلك الكلمات السامية التي وجهها ذلك الملك الأهناسي المجهول الاسم إلى ابنه «مريكارع» قبل عهد «موسى» - عليه السلام - بألف سنة، وهي: «إن فضيلة الرجل المستقيم أكثر قبولا من ثور الرجل الذي يرتكب الظلم.»

على أن ما أظهره ذلك الفرعون المسن من قوة البصيرة في تعمقه الخلقي لم يكن أثره بالبداهة قاصرا على مصر، ولا بد أن لفافة البردي التي كانت تشتمل على نصائحه الحكيمة الموجهة إلى ابنه قد وجدت سبيلا لها إلى فلسطين؛ لأن نفس هذه المعاني، مكتوبة بكلمات مشابهة جدا للكلمات السابقة، قد ظهرت في أوائل التطور الخلقي العبراني بالنص الآتي:

انظر، إن الطاعة أفضل من التضحية

والإصغاء أفضل من الكبش السمين.

وهذا الحث على حسن الإصغاء يتردد صداه في الآذان كأنه صدى نصائح «بتاح حتب» الذي نصح بها ابنه منذ أكثر من 1500 سنة قبل عهد صموئيل وبين له فيها قيمة الإصغاء.

وأما تفضيل الأخلاق على الشعائر الدينية فقد أورده حكماء العبرانيين في «كتاب الأمثال» في كلمات ليست هي أيضا إلا صدى لكلمات ذلك الحكيم الأهناسي المصري القديم، فقد جاء في سفر الأمثال:

فعل العدل والحق أفضل عند الرب (يهوه) من الذبيحة .

من سفر الأمثال 21: 3

Shafi da ba'a sani ba