وإنه لمن الأمور الصعبة أن يكون الإنسان أية فكرة متصلة الحلقات عن الحياة الآخرة التي كان يأمل أهل ذلك العصر في الوصول إليها؛ إذ نجد الصور الشمسية الأوزيرية المركبة التي ذكرت فيما سبق في متون الأهرام، كما نجد أن أولئك الكهنة - الذين يرجع إليهم جمع متون التوابيت - قد أرخوا لخيالهم العنان ليتجول في تحويرها كيف شاءوا؛ فالمتوفى المصري القديم الذي كان يشاطر الآن «أوزير» مصيره - وكان يسمى كذلك «أوزير» باعتراف ابنه «حور» - يسمع بنفسه كلمات الخضوع والوعد بالسعادة الموجهة إليه من ابنه المقدس المذكور، ثم تنتقل تلك الصور الأوزيرية فجأة فتصور الامتيازات الشمسية هكذا:
إنك تطوف حول الأقطار مع «رع» فيجعلك ترى الأماكن الممتعة، وتجد الأودية مفعمة بالمياه لغسلك وإنعاشك، ثم تقطف أزهار البطاح ونور «هني» (؟) وأزهار السوسن والزنبق، وتأتي إليك طيور البرك بالآلاف جاثمة في طريقك، وعندما ترمي خطافك لصيدها يسقط منها ألف برنين صوته، وهي إوز «رو» (؟) والعصفور الأخضر والسمان وطيور «كونوست» (؟) وقد أمرت بأن يؤتى إليك بالغزلان الصغيرة والعجول البيض، وأمرت بأن يؤتى إليك بالجداء والكباش المسمنة بالحبوب، وقد ربطت لك سلم السماء، والإلهة «نوت» تفتح لك ذراعيها، ثم تبحر بسفينتك في بحيرة الزنبق.
ففي تلك الصورة نشاهد المتوفى يصطاد في البطاح - وهي التسلية المحببة إلى الفرعون وأشرافه - ولكنه ينتقل فجأة إلى بحيرة علوية في السماء.
فيتضح من ذلك أن المصير الذي كنا نراه خاصا بالملوك في كل الصيغ التي جاءت بها «متون الأهرام» قد صار من نصيب كل إنسان، بل إن الحياة التي كانت أبسط من تلك التي وصفناها؛ أي التي كان المواطن المتواضع يصبو إلى دوام استمرارها في عالم الآخرة، صار لها أيضا مكان مرموق في «متون التوابيت»، فكان في وسع المتوفى وهو راقد في التابوت أن يقرأ التعويذة الخاصة «ببناء بيت لرجل في العالم السفلي، وحفر بركة حديقة وغرس أشجار فاكهة.» وعندما يصير المتوفى صاحب بيت تحيط به الحديقة وبه البركة وحولها الأشجار الوارفة، فإنه يجب أن يضمن له استيطانه فيه، ومن ثم أعد له «فصل يتناول وجود الرجل في بيته». غير أن سكناه لذلك البيت منفردا من غير مرافقة أسرته وأصحابه، كانت أمرا لا يمكن للنفس احتماله، ومن ثم أعد فصل آخر لذلك عنوانه «ختم مرسوم خاص بالأسرة لإعطاء الرجل أهل بيته في العالم السفلي». ونجد في هذا المتن أن تفاصيل المرسوم قد ذكرت خمس مرات في صيغ مختلفة؛ فنجد فيه أن: «جب» إله الأرض «قد قرر أن يعطي إلي أهل بيتي وهم أولادي وإخوتي ووالدي ووالدتي وعبيدي وكل مؤسستي.» وخشية أن يصادرها أي تأثير خبيث نجد الفقرة الثانية من ذلك الفصل تؤكد أن: «جب» قد قال: «إنه سيطلق لي في الحال سراح أهل بيتي؛ أي أطفالي وإخوتي وإخواني ووالدي ووالدتي وكل عبيدي وكل مؤسستي ناجين من كل إله، ومن كل إلهة ومن كل موت (أو أي إنسان ميت غيره).» ولضمان تنفيذ ما جاء بذلك المرسوم أعد فصل آخر عنوانه «ضم أهل بيت الرجل إليه في العالم السفلي»، ونص في هذا الفصل على «اجتماع شمل أهل البيت من الأب والأم والأطفال والأصدقاء والأقارب والأزواج والحظيات والعبيد والخدم، بل وكل ما يملكه الرجل ليكون معه في العالم السفلي.»
ولأن فكرة إعادة بيت الرجل وأهله إليه في عالم الآخرة تتضمن الاعتقاد القديم القائل بضرورة تقديم الطعام باستمرار إلى المتوفى، فقد وجد فصل آخر لذلك عنوانه: «فصل في أكل الخبز في العالم السفلي» أو «أكل الخبز على مائدة «رع» والبذل بسخاء في هليوبوليس». ويصف لنا الفصل الذي يلي هذا الفصل مباشرة كيف «يقعد القاعد ليأكل الخبز عندما يقعد «رع» ليأكل الخبز أيضا ... أعطني خبزا عندما أكون جائعا، وأعطني جعة عندما أكون عطشان.»
وقد ظهر لنا في «متون التوابيت» هاته اتجاه ظاهر جدا بلغ غايته في «كتاب الموتى»، وهذا الاتجاه ينحصر في أن عالم الآخرة هو مكان تحف به الأخطار والمحن التي لا عداد لها، وأن معظم تلك الأخطار مادية، ولو أنها كانت في بعض الأحيان تمس عتاد المتوفى العقلي. وكان السلاح الذي يستعمل للنجاة من تلك الأخطار وأضمن الوسائل التي يمكن الحصول عليها لحماية المتوفى، هو تمكين المتوفى من بعض القوى السحرية بتزويده في العادة برقية خاصة تتلى عند اللحظة الحرجة، وقد عظم شأن هذا الاتجاه بعد ذلك، فجعل من «متون التوابيت»، ومن بعدها «كتاب الموتى» الذي نبت منها، مجموعة من التعاويذ كانت تزداد على ممر الأيام، وكانت تعتبر في نظر القوم ذات أثر فعال لا شك فيه في حماية المتوفى أو تزويده في الحياة الآخرة بما يلزمه من نعيم.
فمن ذلك أنه كانت توجد تعويذة «يصير بها المتوفى ساحرا»، وهي موجهة إلى الأشخاص المعظمين الذين في حضرة «آتوم» إله الشمس، وهذه التعويذة في ذاتها لا تخرج بالطبع عن كونها رقية، وتختتم بالكلمات الآتية: «إني ساحر.» وخوفا من فقدان المتوفى قوته السحرية كان من تقاليد القوم «وضع رقية سحرية مع المتوفى حتى لا تنزع منه قواه السحرية حينما يكون في العالم السفلي.» ولا شك أن أبسط تلك الأخطار التي عملت من أجلها تلك الرقى كان منشؤه تلك التخيلات الصبيانية الساذجة التي كان دهماء الشعب يتخيلونها، وكانت في الغالب سخيفة إلى أقصى حد؛ إذ نجد تعويذة عن «منع أخذ رأس الرجل منه»، ومن قبل نجد في «متون الأهرام» تلك الرقية القديمة التي تمنع إجبار المتوفى على أكله برازه. ولما كان لا بد لجسم الإنسان من التحلل فقد وجد لمنع ذلك التحلل رقيتان لضمان «أن الرجل لا يتحلل جسمه في العالم السفلي.»
وقد كان من جراء ثقة الناس العمياء بمثل تلك التعاويذ أن صار في يد الكهنة فرصة لا حد لها للكسب، وقد ازداد خصب خيالهم في إنتاج التعاويذ الجديدة باستمرار ، وقد كانت تباع بطبيعة الحال للمشترين السذج الذين كان عددهم في ازدياد. وقد ساعدت تلك الوسيلة كثيرا بلا شك على زيادة مخاوف الشعب من أخطار الحياة الآخرة، كما ساعدت على نشر الاعتقاد في كفاية مثل هذه الوسائل لدرئها.
ومما لا يدع مجالا للشك في أن ذلك كله من صنع الكهنة تخيل القوم صورة كاتب سري اسمه «جبجا» عدو للموتى، وعلى ذلك ألفت رقية خاصة لمساعدة المتوفى على تكسير الأقلام وتهشيم أدوات الكتابة وتمزيق الملفات الخاصة «بجبجا» الشرير.
ومثله في ذلك، الخطر الداهم الذي كان أيضا موضعا للخوف في متون الأهرام، وهو مهاجمة الثعابين السامة للمتوفين، فكان أهل العصر الإقطاعي يحبون أن يدرءوه أيضا عن أنفسهم؛ ولذلك كان المتوفى يجد في لفافته، التي تكون صحبته، رقى لأجل «دفع الثعابين ودفع التماسيح عنه.»
Shafi da ba'a sani ba