أولا:
القضاء على المغيرين وأخذ العدة لدفع الغارات المقبلة.
ثانيا:
إصلاح النظام الداخلي.
أما «سور الحاكم» فكان قلعة قديمة لحماية الدلتا الشرقية واقعة على التخوم الآسيوية، وقد بني لحراسة الطريق من آسيا إلى مصر في عهد بناة الأهرام، وقد أعلن «نفرروهو» أن الملك الجديد سيعيده كما كان من قبل.
والصورة التي رسمها لنا ذلك المتنبئ عن مآل الآسيويين تذكرنا بما ورد في الرواية العبرانية الخاصة برحلة دخول أجدادهم إلى مصر.
وأما إعلان الإصلاح الذي سيحدث في النظام الداخلي فإنه يسترعي الأنظار لقصره وبساطته؛ إذ يقول: «إن العدالة ستعود إلى مكانها والظلم ينفى من الأرض.» إذن هي «ماعت» القديمة التي سيعيدها الملك الجديد في شكل نظام ثابت ليكون مرة أخرى رقيبا ومهيمنا على حياة الشعب المصري الاجتماعية؛ أي إن «ماعت» وهي ذلك النظام القديم الذي مكث ألف سنة مرشدا ومهيمنا على الحاكم وحكومته، ستعود مرة أخرى وتبسط سلطانها من جديد. ومن المفهوم أن الابتهاج الذي يبشر به ذلك المتنبئ العتيق يشير إلى عودة المثل العليا القديمة للأخلاق الفاضلة والسعادة القديمة.
غير أن ذلك كان - مع الأسف - بعيدا عما وقع فعلا؛ فإن «أمنمحات» كان حقا من كبار الإداريين في العالم القديم، وقد استطاع بما وهبه الله من فطنة عظيمة أن يعيد بلا نزاع ذلك النظام القديم بقدر ما سمحت له الأحوال، ولكنه مع ذلك قد حتمت عليه الظروف أن يتخذ عماله وموظفيه في إدارة شئون الأمة من بين أولئك الرجال الذين ترعرعوا وشبوا في عهد ذلك الانحطاط الذي جاء عقب عصر الأهرام، وأشربت قلوبهم بطبيعة الحال الارتياح إلى الفوضى والفساد اللذين هوى إلى حضيضهما الشعب المصري خلال عدة أجيال، بل قرون، حتى أنقذهم «أمنمحات» منهما في ذلك الوقت.
وقد كشفت لنا النظرات الخلقية التي جال بها أمثال «الرجل التعس» و«خع خبرو رع سنب» و«كاهن عين شمس» - ولا يقل عنهم جميعا «إبور» - عن حالة مزعجة من الانحطاط الاجتماعي، أما ما كان يشعر به «بتاح حتب» القديم من اقتناع واطمئنان نراهما في قوله: «إن كل شيء على ما يرام.» فقد اختفى إلى الأبد.
وقد كان الملك «أمنمحات» نفسه يشعر بهذه الحقيقة؛ إذ إنه وجد بعد حكم طويل ناجح امتد أكثر من جيل من الزمان، أن عدم الثقة بالناس، التي كان يحس بها الملك المسن طوال حياته، حقيقة لا مراء فيها، لمسها لمسا عندما حاول بعض القوم اغتياله. وحينما بدأ يشعر بوطأة كبر السن وجه إلى ابنه «سنو سرت» - وهو أول من سمي بهذا الاسم من ملوك مصر - كلمة في صورة نصيحة مختصرة، جريا على الطريقة التي اتبعها والد الأمير «مريكارع» ولكن بروح تختلف عن تلك، فيقول لابنه معرفا العدالة: «أنصت لما أقوله لك، حتى تصير ملكا على البلاد وحتى تصبح حاكم الشاطئين، وحتى يكون في مقدورك أن تزيد في خيرات البلاد. قو نفسك أمام جميع كل أتباعك؛ لأن الناس يصغون لمن يرهبهم، ولا تقتربن منهم على انفراد، ولا تملأن قلبك بأخ، ولا تعرفن صديقا، ولا تتخذن لنفسك خلانا (تضع فيهم ثقة) لا نهاية لها. وحينما تنام حافظ بنفسك على قلبك؛ لأن الإنسان لا أناسي له يوم الكريهة، لقد أعطيت السائل وأطعمت اليتيم، وقبلت الحقير والعظيم (في حضرتي)، غير أن الذي أكل زادي قد عصاني، ومن مددت له يدي قد بعث فيها الخوف.»
Shafi da ba'a sani ba