1
أول من عمر أرض الفجالة، فأنشأ فيها بستانا عريض الضواحي، وجعل له أبو ابا من حديد، وكان ينزل به ويقيم فيه الأيام، واهتم بشأنه، من بعد الإخشيد، ابناه الأميران أبو القاسم أنوجور وأبو الحسن علي في أيام إمارتهما بعد أبي هما، فلما استبد من بعدهما الأستاذ أبو المسك كافور الإخشيدي، كان كثيرا ما يتنزه في هذا البستان، ويواصل الركوب إلى الميدان الذي كان فيه، ثم صار منتزها للخلفاء الفاطميين مدة أيامهم، وما زال عامرا، حتى زالت دولة الفواطم فحكر، وبني فيه سنة 1253م.
وقال ابن عبد الظاهر في وصف هذا البستان: «ولم يزل إلى سنة إحدى وخمسين وستمائة، فاختطت البحرية والعزيزية به اصطبلات، وأزيلت أشجاره، ولعمري إن خرابه كان بحق، فإنه كان قد عرف بالحشيشة التي يتناولها الفقراء، والتي تطلع به.» (6) الفجالة في أيام الفاطميين
وفي أيام الفاطميين بلغ أول عمران القاهرة مدينة المطرية، وآخره دير الطين - بين مصر القديمة وحلون - فلا يزال السائر بين قصور عامرة، وجنات زاهرة، والنيل عن يمينه، والجبل عن شماله مطلا كالمتفرج على جمال تلك المناظر الشائقة، وكانت بقعة الفجالة الحاضرة درة عقد هذه المدينة الرائعة الجمال بما فيها من بساتين الخلفاء، وما على جانبيها من مياه النيل، وأرض البعل. (7) أرض البعل
قال ابن سيده، صاحب المخصص: «البعل، الأرض المرتفعة التي لا يصيبها المطر إلا مرة واحدة في السنة. وقيل: البعل، كل شجر أو زرع لا يسقى. وقيل: البعل، ما سقته السماء. وقد استبعل الموضع. والبعل من النخل، ما شرب بعروقه من غير سقي ولا ماء سماء.»
ووصف العلامة المقريزي أرض البعل، فقال: «... وأرض البعل هذه بجانب الخليج تتصل بأرض الطبالة، كانت بستانا يعرف بالبعل، وفيه منظرة أنشأها الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش بدر الجمالي، وجعل على هذا البستان سورا، وإلى جانب بستان البعل هذا بستان التاج، وبستان الخمسة وجوه.
وفي أيام النيل ينبت فيها نبات يعرف بالبشنين له ساق طويل، وزهره شبه اللينوفر، وإذا أشرقت الشمس انفتح، فصار منظرا أنيقا، وإذا غربت الشمس انضم. ويذكر أن من العصافير نوعا صغيرا يجلس العصفور منه في داخل البشنينة، فإذا أقبل الليل انضمت عليه، وغطست في الماء، فبات في جوفها آمنا إلى أن تشرق الشمس، فتصعد البشنينة، وتنفتح فيطير العصفور.» (8) مناظر الفاطميين في الفجالة
واتخذ الخلفاء الفاطميون الفجالة مقرا للهو والانبساط، فبنوا فيها المناظر، وغرسوا البساتين.
ومن أهم مناظرهم «منظرة اللؤلؤة»، التي بناها العزيز بالله، ثاني الخلفاء الفاطميين (تولى 975م، وتوفي 996م)، وكانت هذه المنظرة قصرا من أحسن القصور وأعظمها زخرفا، وكان يشرف من شرقيه على البستان الكافوري، ويطل من غربيه على الخليج؛ حيث كانت البساتين، وبركة بطن البقرة، فيرى الجالس في قصر اللؤلؤة جميع أرض الطبالة (الفجالة الحاضرة، وجزء من الظاهر)، وسائر أرض اللوق (بين الأزبكية وعابدين)، وما هو من قبليها، ويرى بحر النيل من وراء البساتين.
وسكن اللؤلؤة من وزراء الفاطميين برجوان، الذي تولى الأمر في أيام الحاكم بالله بعد أمين الدولة ابن عمار الكتامي.
Shafi da ba'a sani ba