كان المزارعون يأخذون منه السماد لتسميد أراضيهم، وأخصها غيطان الفجل المجاورة.
ففي سنة 1865 اشترى الخواجا حبيب سكاكيني - الآن صاحب السعادة الكونت حبيب سكاكيني باشا - أرض التل المذكور ابتداء من شارع البرج، حتى مدخل شارع الفجالة من جهة المحطة، وتعهد للحكومة من جهة أخرى بردم الجهة الواقعة في أول الشرابية، حيث الآن مخازن سكة الحديد، فصار ينقل الأتربة من التل، ولا يخلو مقطف من عقرب أو أكثر، ويلقي بها في الشرابية حتى أزال التل، وجعله مساويا للأرض. (2) عشرون بدل ثمانية
فلما أتم هذه المهمة الشاقة، رأت الحكومة إدخال شارع الفجالة في التنظيم، فقررت أن يكون عرض الشارع ثمانية أمتار، ولكن الخواجا حبيب سكاكيني أدرك ببصيرته الوقادة أن مستقبل الفجالة سيكون زاهرا؛ لأنها نقطة الاتصال بين البلد والعباسية ، وأنه إذا كان عرض الشارع ثمانية أمتار فقط، فإنه لا بد أن يضيق بالمارين، فكتب عريضة ضمنها رأيه الخاص في الموضوع، ووقف عند قنطرة الليمون منتظرا مرور موكب الخديوي إسماعيل، فلما اقترب منه الموكب رفع العريضة ملوحا بها في الهواء، ولمحها سمو الخديوي، فأمر بأحد ياوراته بأن يأخذ العريضة من رافعها.
وبعد ساعتين استدعي الخواجا حبيب سكاكيني إلى سراي قصر النيل، حيث قابل سمو الخديوي وعرض عليه رأيه، فدعى مهندس التنظيم وهو فرنسوي، فذكر أنه إذا جعل عرض الشارع عشرين مترا، فلا مفر من هدم زاوية الشيخ سيف الواقعة في وسط الشارع، وعلى أثر ذلك صدرت الإرادة الخديوية بجعل عرض الشارع عشرين مترا. (3) تعمير الشارع
وكان سعادة حبيب باشا سكاكيني أول من شيد عمارة في الشارع الخارجي، وهذه العمارة هي التي توجد فيها الآن بوستة الفجالة ودائرة السكاكيني.
وأقبل أعيان السوريين على الشراء من أرض السكاكيني قطعا، فكان أول من اشترى الخواجات يوسف الأونياطي، وخليل الزهار، وحنا قدسي، وحنا موسى، وإخوان مايسترو. وتبعهم الأقباط، ومنهم آل الخياط، وسعد بك عبده، والخواجا رزق لوريا.
ولما رأى السكاكيني نجاح مشروعه في تل العقارب اشترى القطعة المقابلة للقسم الغربي منه، وهي المحصورة بين شارع الفجالة وقسم البوليس وشارع عباس وشارع سيف الدين المهراني، وكانت من أملاك الخاصة الخديوية، ثم نازعه فيها جماعة من المستحقين في وقف أهلي، وانتهى الأمر بفوز السكاكيني، فأحسن تخطيط تلك البقعة، وتنظيمها.
ومن هذا البيان يرى القارئ أن الفضل في إنشاء شارع الفجالة، وجعله في هذا الاتساع عائد بلا مراء إلى سعادة الكونت سكاكيني باشا، ولولاه لما كان هناك فرق يذكر بين شارع الفجالة وشارع باب البحر، ولتحول خط الترام إلى شارع العباسية، ولم يكتف بتنظيم شارع الفجالة، بل واصل العمران إلى الجهة الشمالية، وبلغت مساحة الأراضي إلى مهدها، وقسمها للبناء نحو نصف مليون متر مربع. (4) وصف الفجالة لعلي باشا مبارك
وقد وصف المرحوم علي باشا مبارك الفجالة الحديثة في خططه، فقال: «شارع الفجالة: ابتداؤه من آخر شارع الزعفراني وأول شارع باب الشعرية، وانتهاؤه قراقول باب الحديد وطوله ألف متر ومائة وخمسون مترا، وبه من جهة اليمين حارة الفجالة غير نافذة، وبها عدة بيوت، ثم سكة الإسماعيلية، ثم سكة لينان بك ، وبأوله جامع سيدي علي المنشلي بالقرب من جامع الدشطوطي، وبه ضريح سيدي علي المذكور وشعائره غير مقامة، وتحت نظر الديوان وبآخره قراقول باب الحديد المستجد مقيم به معاون ثمن الأزبكية وبيت الصحة الطبية، وهذا القراقول أنشئ في زمن الخديوي إسماعيل باشا مدة نظارتي على ديوان الأشغال، والذي عمل رسمه الأمير حسين باشا كشك المعروف بالمعمار، وهذا الشارع جميعه من الأرض المعروفة بأرض الطبالة.
وفي الأزمنة القديمة كان السالك فيه من جهة باب الشعرية، يجد عن يمينه القرية المعروفة بقرية كوم الريش، وقد صارت بعد نقلها تلالا عالية، وبقيت كذلك إلى أن أزيلت في زمن الخديوي إسماعيل مدة نظارتي على ديوان الأشغال.
Shafi da ba'a sani ba