ويعلم المتبعون للتاريخ الحاضر أنه في تلك السنة انعقد المؤتمر القبطي في أسيوط، والمؤتمر المصري في القاهرة، وعلى أثر إرفضاضهما شرع عمال مصلحة التنظيم في رفع اللوحات القديمة بشوارع الفجالة ووضع اللوحات الجديدة، فهاج الأقباط وماجوا، وخيل إلى الكثيرين منهم أن لهذا العمل علاقة بالمؤتمرين، ونشرت كل من جريدة مصر وجريدة الوطن مقالة مسهبة في الموضوع. (6-4) أقوال جريدة مصر
فقالت جريدة مصر الصادرة في 6 مايو: كان لتغيير أسماء شوارع الفجالة وقع سيئ جدا في نفوس جميع المسيحيين، الذين اعتبروا العمل على حقارته الذاتية عملا مدهشا، يشف عن إحساس لا يليق أن تتصف به حكومة راقية في هذا الزمان.
والذي زاد في مبلغ تأثيره أنهم أبدلوا أيضا لوحة شارع مدرسة اليسوعيين بلوحة أخرى باسم شارع «بستان المقسي»، فكأن الغرض هو محاربة المسيحية عموما، لا الأقباط خصوصا.
قد يقال إنه ربما لا يكون هذا العمل مقصودا بالذات، بدليل أنهم غيروا أيضا أسماء إسلامية مع الأسماء المسيحية، والرد على هذا القول بسيط؛ هو أنهم لم يغيروا الأسماء الإسلامية بأسماء مسيحية، بل غيروها بأسماء إسلامية مثلها، وأما الأسماء المسيحية فلم يخطئوا في واحد منها، ويغيروه باسم مسيحي بدله. (6-5) أقوال جريدة الوطن
وقالت جريدة الوطن: وإنما لفت الناقدون الأنظار إلى هذه المسألة للدلالة على ما فيها من سخافة أولا، وفساد ذوق ثانيا.
فهي من الجهة الأولى لا تؤدي إلى الغرض الذي يزعمونه؛ وهو إعادة بعض الحوادث التاريخية إلى الأذهان، وإلا فمن من الناس يسير في إحدى حواري الفجالة مثلا، ويرى على إحداها اسم حارة «بركة بطن البقرة»، فيستفزه هذا الاسم إلى التفتيش في بطون التواريخ القديمة، لكي يستدل على أصل هذه التسمية، ويعرف أين كان بطن البقرة هذا؟ اللهم إلا إذا كان عالما أثريا واقفا حياته على التنقيب والبحث عن الآثار القديمة، وما كل الناس بعلماء، ولا لمثل هذا وضعت أسماء الشوارع والبلاد، وإنما وضعت لهداية السائر وإرشاد السابلة، ولا نبالغ إذا قلنا إن تغيير أسماء مفهومة معروفة منذ سنين بأسماء تكاد تكون أعجمية، قد أفسد الغرض منها وأضل الناس وحيرهم إلخ إلخ. (6-6) مذكرة مصلحة التنظيم
فرأت مصلحة التنظيم إزالة لهذا الريب أن تنشر مذكرة حاوية أسباب هذا التغيير، وعهدت في تدوينها إلى المسيو موني، وأرسلت صورا منها إلى الصحف المحلية، فنشرها البعض برمتها، ولخصها البعض، وأهملها الكثيرون.
وقد دبج المسيو موني هذا التقرير بالإشارة إلى لجنتي الأحياء، ثم قال ما خلاصته: «لم تراع اللجنة الأديان في التسمية؛ بدليل تسميتها أحياء باسم يعقوب القبطي، وبهاء الدين بن حنا، وأرمانوسة المصرية، وشجرة مريم، والبلسم، ولما شرعت في تسمية شوارع الفجالة أكثرت من البحث في الكتب التاريخية؛ مثل: الخطط التوفيقية لعلي باشا مبارك، وخطط المقريزي، وابن دقماق، فلم يوجد بها شيء أثري للأقباط، وكان الباحث عن الأسماء المهندس داود أفندي عبد السيد.»
وختم المسيو موني التقرير بقوله: «وأخيرا فكرت في مقابلة حضرة جندي بك إبراهيم صاحب جريدة الوطن؛ لعلمي أن له علاقة كبرى ببطريكخانة الأقباط الأرثوذكس، عسى أن يحصل لنا على شيء في هذه البطريكخانة من الآثار التي يهم الجمهور تسمية الجهات التي كانت بها بأسمائها، فأخذت معي صديقا له ليقدمني لحضرته؛ وهو حضرة مسيحة أفندي ميخائيل، باشكاتب مصلحة الإحصاء الآن. وفعلا قابلنا حضرته، ووعد أن يوافينا بشيء من ذلك، ولكنه اكتفى بأن شكر للحكومة عملها في أحد أعداد جريدته، ولم يوافنا بشيء من البطريكخانة حتى الآن.» (6-7) الأسماء القديمة المجددة
وقد أزالت مصلحة التنظيم أسماء حارات القسم الغربي كلها، وأبدلتها بالأسماء الآتية؛ وهي: شارع الخليج الناصري، السلطان شعبان، سراج الدين، الوزير شمس الدين، سيف الدين المهراني، بستان الكافوري، بستان المقسي، بستان المهاميزي، بركة بطن البقرة، الوزير علاء الدين، ابن حبيب، قلعة المقسي، قصر اللؤلؤة، منظرة اللؤلؤة، بكتمر الحاجب، المهراني، كوم الريش، أبو الريش، بستان التاج.
Shafi da ba'a sani ba