Fahimtar Fahimta
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
Nau'ikan
والحق أن التوقف التام عن الحكم على الطبيعة يتعارض مع أرسخ عاداتنا الخبروية والفكرية وأعمقها جذورا، إلا أن هذا السبب هو بالتحديد ما يدعونا إلى توخي اليقظة الكاملة والوعي الذاتي التام أثناء القيام بالرد الفينومينولوجي، إذا كان لنا أن نستكشف الوعي بطريقة منهجية في دخيلته المحضة. (37)
ولكن تظل تحفظات أخرى تراود الذهن؛ فهل الفينومينولوجيا الخالصة ممكنة حقا كعلم؟ وإن صح ذلك فكيف؟ فما إن يصبح تعليق الحكم نافذ المفعول حتى نكون بإزاء الوعي المحض، غير أن ما نجده في الوعي المحض هو تيار مضطرب من الظواهر العابرة التي لا تتكرر أبدا مهما بلغت درجة اليقين الذي تقدم به في الشعور المحض، إن الخبرة بحد ذاتها ليست علما، وما دامت الذات المتأملة والعارفة لا تملك بحق غير تيار الظواهر الخاص بها، وما دامت كل ذات عارفة أخرى - جسمها وبالتالي وعيها أيضا - تقع تحت طائلة الاستبعاد، فكيف يمكن قيام أي علم تجريبي بعد ذلك؟ فالعلم لا يمكن أن يكون «أناوحديا»
Solipsistic ، بل يجب أن يكون صوابا بالنسبة لكل ذات مجربة. (38)
إننا لنكون في موقف عصيب حقا لو أن العلم التجريبي كان هو الصنف الوحيد من العلم، هكذا تفضي بنا إجابة السؤال الذي طرحناه إلى المشكلات الفلسفية الأشد عمقا التي لم تجد حلا لها حتى الآن، ومهما يكن من أمر فإن الفينومينولوجيا الخالصة لم تنشأ لكي تكون علما إمبيريقيا، وإن ما تسميه خلوصا فيها ليس هو خلوص التأمل فحسب، بل هو في الوقت نفسه ذلك الصنف من الخلوص الذي يختلف كل الاختلاف عما نصادف في أسماء العلوم الأخرى؛ إذ تسمى علوما خالصة أو بحتة. (39)
كثيرا ما نتحدث، بطريقة عامة ومفهومة، عن الرياضيات الخالصة أو البحتة، والحساب البحت، والهندسة البحتة، وعلم الحركة البحت ... إلخ، ونحن نضع هذه العلوم، بوصفها علوما قبلية
a priori (سابقة على التجربة)، في طرف مقابل للعلوم القائمة على التجربة والاستقراء كالعلوم الطبيعية، والعلوم الخالصة (البحتة) بهذا المعنى، أي العلوم القبلية، هي علوم خالصة من أي تقرير أو حكم
Assertion
عن الواقع التجريبي، فهي تزعم أنها معنية بالممكن عقليا وبقوانينه الخالصة وليس بالوقائع الكائنة والحقائق الموجودة، أما العلوم التجريبية فهي على العكس من ذلك علوم بالواقع الفعلي القائم والمعطى كما هو من خلال التجربة. (40)
وكما يصدف التحليل الخالص عن تناول الأشياء الواقعية ومقاديرها الفعلية لكي يبحث في القوانين الضرورية المتعلقة بماهية أي مقدار ممكن، وكما تصدف الهندسة البحتة عن الأشكال الملاحظة في التجربة الفعلية لكي تبحث في الأشكال الممكنة وتحولاتها، والمشكلة بحرية في الخيال الهندسي المحض، ولكي تؤسس قوانينها الضرورية؛ كذلك تسعى الفينومينولوجيا الخالصة إلى دراسة عالم الوعي الخالص وظواهره لا بوصفه واقعا فعليا بل بوصفه ممكنات محضة ذات قوانين محضة، والحق أن المرء حين يألف التأمل الخالص لا يسعه إلا الأخذ بأن الممكنات أيضا خاضعة لقوانين عقلية في عالم الوعي المحض، مثال ذلك أن الظواهر المحضة لموضوع مكاني ممكن والتي يقدم بها نفسه إلى الوعي لديها نسقها المحدد القبلي من التكوينات الضرورية، والذي يفرض نفسه على كل وعي مدرك إذا كان له القدرة على حدس الواقع المكاني ... من ذلك يتبين أن تعبير «قبلي»
A Priori
Shafi da ba'a sani ba