Fahimtar Fahimta

Cadil Mustafa d. 1450 AH
131

Fahimtar Fahimta

فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر

Nau'ikan

يذهب جادامر إلى أن التوتر القائم بين الحاضر والماضي هو عمل محوري في الهرمنيوطيقا، بل إنه لا يخلو من جوانب بناءة مثمرة، يقول جادامر: «موقع بين الغرابة والإلف يوجد بين ما هو مقصود تاريخيا (الموضوعية البعيدة للموروث) وبين انتسابنا لتراث معين، هذا «الما بين» هو الموقع الحقيقي للهرمنيوطيقا»، توسط الهرمنيوطيقا إذن يتضمن كلا من الشيء، الذي كان مقصودا تاريخيا، والتراث، إلا أن ذلك لا يعني أن مهمة الهرمنيوطيقا هي تأسيس إجراء منهجي للفهم بقدر ما هي تبيان الشروط التي يمكن في ظلها أن يحدث الفهم.

إن ما يجسده النص وينقله لا تكمن أهميته عند المفسر في كونه شعورا أو رأيا لمؤلفه، بل هو مهم في ذاته كشيء معني ومقصود، ولا هو مثير للاهتمام بوصفه «تعبيرا» سواء عن «الحياة» أو عن أي شيء آخر، إن الموضوع نفسه الذي يتناوله النص هو ما يثير الاهتمام، وإن المرء لشغوف بحقيقة هذا الموضوع بالنسبة له، يقتضي المنطق إذن أن العمل الفني الذي أبدع اليوم لا بد أن يكون له أكبر دلالة بالنسبة لنا، غير أننا نعلم من الخبرة أن الزمن وحده هو ما يفرز الدال عن غير الدال ، لم كان الأمر كذلك؟ ليس لأن المسافة الزمنية قد قتلت اهتماماتنا الشخصية بالموضوع، بل لأن «من عمل الزمن أن يقضي ما هو غير جوهري فيسمح للمعنى الحقيقي المخبوء في الشيء أن يظهر وينجلي .» هكذا يتبين أن للمسافة الزمنية إلى جانب سلبياتها آثارا إيجابية أيضا: فالمسافة الزمنية لا تتيح فقط لفروض سبقية معينة خاصة بالموضوع أن تتنحى وتبيد، بل تأتي أيضا بتلك الفروض التي تؤدي إلى الفهم الصحيح وتدفع بها إلى الصدارة.

9

ها نحن بإزاء فضائل الانفصال الزمني وثماره، إنه ظاهرة أشبه بمفهوم «المسافة الاستطيقية»

Aesthetic Distance

التي تقتضي أن يكون المشاهد على مسافة معينة من المسرح لكي يرى الوحدة المنشودة ولا يتشتت بمطالعة الطلاء على وجوه الممثلين! هكذا برغم أهمية أن يصبح الماضي حاضرا فها نحن نلمس أهمية الانفصال الزمني من الوجهة التأويلية، ونحمد للزمن أنه مر!

وحده مرور الزمن ما يمكن لنا أن نقبض على ذلك الذي يقوله النص، وشيئا فشيئا، وبالتدريج فقط، تبزغ الدلالة التاريخية الحقيقية للنص وتشرع في مخاطبة الحاضر.

فهم مؤلف النص

تنحصر مهمة الهرمنيوطيقا بالدرجة الأساس في فهم النص لا في فهم المؤلف، وهو أمر لا بد أن يكون واضحا بذاته من خلال مفهوم المسافة الزمنية ومن خلال التوكيد على المعنى في الفهم التاريخي، إن النص يتم فهمه لا لأن هناك علاقة بين أشخاص، بل لأن هناك مشاركة في موضوع الحديث الذي يوصله النص، مرة أخرى تؤكد هذه المشاركة حقيقة أن المرء لا يخرج عن عالمه بقدر ما يدع النص يخاطبه في عالمه الحاضر، إنه يدع النص يغدو حاضرا بالنسبة له، يغدو معاصرا، والفهم ليس عملية ذاتية بقدر ما هو مسألة أن يضع المرء نفسه في تراث، ثم في «الحدث» الذي ينقل التراث إليه، الفهم مشاركة في تيار التراث، في لحظة تمزج الماضي والحاضر، هذا التصور للفهم هو الذي يلح عليه جادامر ويرى ضرورة التسليم به في نظرية التأويل، فلا ذاتية المؤلف ولا ذاتية القارئ هي النقطة المرجعية الحقيقية، وإنما النقطة المرجعية هي المعنى التاريخي نفسه بالنسبة لنا في الزمن الحاضر.

10

Shafi da ba'a sani ba