وأما أكلهم سقط المائدة فإنه إكرام للطعام وإعظام للنعمة وجنس من الشكر لواهبها ونبذه في المزابل استخفاف به وتصغير له وبخس بمؤتيه حق عطيته ومن وهب لك شيئا صنته وعظمته سمحت لك نفسه بالزيادة منه وإن احتقرته وازدريته كان حريا أن يقطعه والطعام أعظم نعم الله على خلقه بعد معرفته لأنه مثبت الروح وممسك الرمق فمن صانه فقد عظم نعمة الله واستوجب زيادة الله ومن امتهنه في غير ما خلق له فقد صغرها واستوجب سخط الله. حدثنا يزيد بن عمرو قال حدثنا أيوب بن سليمان عن محمد بن زياد عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال ولا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أكرموا الخبز فإن الله سخر له السموات والأرض وقد أمرنا صلى الله عليه وسلم بأكل سقط المائدة ورغبنا فيه. والعجب عندي من قوم نحلتهم الإسلام ونبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ثم تتابعت الأخبار عنه بشيء أمر به أو نهى عنه فيعارضون ذلك بالعيب وبالطعن من غير أن يعرفوا العلة ولا أن يكون لهم في الإنكار له نفع أو عليهم في الإقرار به ضرر.
[1.9.14]
وأما أكلهم بالبارجين والسكين فمفسد للطعام ناقص للذاته والناس يعلمون إلا من عاند منهم وقال بخلاف ما تعرفه نفسه أن أطيب المأكول ما باشرته كف آكله ولذلك خلقت الكف للبطش والتناول والتقذر من اليد المطهرة ضعف وعجب وأولى بالتقذر من اليد الريق والبلغم والنخاع الذي لا يسوغ الطعام إلا به وكف الطباخ والخباز تباشره والإنسان ربما كان منه أقل تقذرا أو أشد أنسا.
1.1.10
[1.10.1]
وأما الشجاعة فأن العرب في الجاهلية أعز الأمم أنفسا وأعزها حريما وأحماها أنوفا وأخشنها جانبا وكانت تغير في جنبات فارس وتطرقها حتى تحتاج الملوك إلى مداراتها وأخذ الرهن منها والعجم تفخر بأساورة فارس ومرازبتها وقد كان لعمري لهم البأس والنجدة غير أن بين العرب وبينها فرقا منه أن العجم كانت أكثر أموالا وأجود سلاحا وأحصن بيتا وأشد اجتماعا وكانت تحارب برياسة ملك وسياسة سلطان وهذه أمور تقوي المنة وتشد الأركان وتؤيد القلوب وتثبت الأقدام والعرب يومئذ منقطعة ليس لها نظام ومتفرقة ليس لها التئام وأكثرها يحارب راجلا بالسيف الكليل والرمح الذليل والفارس منها يحارب على الفرس العربي الذي لا سرج له وعلى السرج الرث الذي لا ركاب له والأغلب على قتال العجم الرمي والأغلب على قتال العرب السيف والرمح وهما أدخل في الجد وأبعد من الفرار وأدل على الصبر.
[1.10.2]
وشجعاؤهم في الجاهلية مثل عتيبة بن الحارث بن شهاب صياد الفوارس وبسطام بن قيس وبجير وعفاق ابني أبي مليل وعامر بن الطفيل وعمرو بن ود وأشباههم وفي الإسلام مثل الزبير وعلي وطلحة ورجال من الأنصار وعبد الله بن خازم السلمي وعباد بن الحصين. وقال ما ظننت أن أحدا يعدل بألف فارس حتى رأيت عبادا ليلة كابل وقطري بن الفجاءة وشبيب الحروري وأمثال هؤلاء عدد الرمل والحصى ليس منهم أحد إذا أنت توقفت على أخباره وحاله في شجاعته إلا وجدته فوق كل أسوار.
[1.10.3]
والرجليون للعرب خاصة قال أبو عبيدة رجليو العرب المشهورون المنتشر بن وهب الباهلي وسليك بن عمير السعدي وأوفى بن مطر المازني. وكان الرجل منهم يلحق بالظبي حتى يأخذ بقرنيه. وإذا كان زمان الربيع جعلوا الماء في بيض نعام مثقوب ثم دفنوه فإذا كان الصيف وانقطع الغزو غزوا وهم أهدى من القطا فيأتون على ذلك البيض ويستثيرونه ويشربونه. وحدثني أبو حاتم قال حدثني الأصمعي أن السليك كان يعدو فتقع سهامه من كنانته بالأرض فترتز وكان يقول في دعائه اللهم إني أعوذ بك من الخيبة وأما الهيبة فلا هيبة.
Shafi da ba'a sani ba