وبقوله ﷺ يوم خيبر (٤١): «لأعطين الراية غدًا رجلًا يحب الله ورسوله، ويُحِبُّه الله ورسوله يفتح الله على يده» فأعطاها لعلي (٤٢) .
وبقوله ﷺ: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه (٤٣)، وعادِ من عاداه، وأدر الحق معه كيفما دار» (٤٤) .
وبقوله يوم غدير خم (٤٥): «أُذكركم الله في أهل بيتي» (٤٦) .
وبقوله تعالى: ﴿فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم﴾ الآية [آل عمران ٦١]، وبقوله تعالى: ﴿هذان خصمان اختصموا في ربهم﴾ (٤٧) [الحج ١٩] وبقوله سبحانه: ﴿هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئًا مذكورا﴾ [الإنسان ١]، ويزعم أن هذه السورة نزلت في علي ﵁ أفتونا.
الحمد لله [١/أ] رب العالمين. يجب أن نعلم أولًا أن التفضيل إنما يكون إذا ثبت للفاضل من الخصائص ما لا يوجد للمفضول، فإذا استويا في أسباب الفضل وانفرد أحدهما بخصائص لم يشركه فيها الآخر كان أفضل منه، وأمّا ما كان مشتركا بين الرجل وغيره من المحاسن فتلك مناقب وفضائل ومآثر لكن لا توجب تفضيله على غيره، وإذا كانت مشتركة فليست من خصائصه.
وإذا كانت كذلك ففضائل الصديق ﵁ الذي ميّز بها خصائص لم يشركه فيها أحد، وأما فضائل علي ﵁ فمشتركة بينه وبين الناس غيره.
وذلك أن قوله ﷺ: «لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلا، لا تبقين في المسجد خوخة (٤٨) إلا سدت إلا خوخة أبي بكر، إن أمنّ الناس عليَّ في صحبته لي وذات يده أبو بكر» (٤٩)، أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي سعيد (٥٠) (٥١)، وقصة الخلة في الصحيح من وجوه متعددة (٥٢) .
_________
(٤١) خيبر: لفظ خيبر بلسان اليهود الحصن، وصار يطلق هذا الاسم على الولاية وتشتمل على سبعة حصون ومزارع ونخيل كثيرة فتحها النبي ﷺ سنة سبع من الهجرة، وتقع شمال المدينة بحوالي ١٦٤ كيلا.
انظر: معجم البلدان ٢/٤٠٩، مرويات غزوة خيبر ص٨.
(٤٢) البخاري: الصحيح، كتاب المغازي باب غزوة خيبر /١٥٤٢ رقم ٣٩٧٣.
وهو بلفظ المصنف غير أنه قدم قوله: «يفتح الله على يديه» فجعله بعد قوله «غدا رجلا» .
(٤٣) قوله «اللهم وال» تكرر في الأصل، بعد قوله: «والاه» .
(٤٤) قوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه» أخرجه الترمذي في سننه، كتاب المناقب ٥/٥٩١ رقم ٣٧١٣، من طريقين عن شعبة. وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال، ورجال الإسناد كلهم ثقات.
وأخرجه إلى قوله: «وعاد من عاداه، وانصر من نصره» الإمام النسائي في خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، بتخريج أبي إسحاق الحويني ص٩٩، ١٠٠ رقم (٩٥) قال المحقق: إسناده صحيح، وقد نقل عن ابن كثير في البداية والنهاية (٥/٢١٠) قوله: «وهذا إسناد جيد» . وأخرج عبد الله ابن أحمد في زوائده على المسند (١/١١٨) إلى قوله: «واخذل من خذله» .
قلت: وتمامه: «اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» وفي سنده: شريك بن عبد الله النخعي، وهو سيئ الحفظ، وعمرو ذي مر وهو مجهول.
قال الحافظ ابن حجر: «وأما حديث «من كنت مولاه فعلي مولاه» فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جدا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان» اهـ.
وقال الذهبي في السير (٨/٣٣٤، ٣٣٥): «هذا حديث حسن ومتنه متواتر» يعني به الشطر الأول منه فقط.
وقد حسّن الشيخ الألباني ﵀ الشطرين الأولين: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» ثم قال: «وأما قوله في الطريق الخامسة من حديث علي ﵁: «وانصر من نصره واخذل من خذله» ففي ثبوته عندي وقفة لعدم ورود ما يجبر ضعفه، وكأنه رواية بالمعنى للشطر الآخر من الحديث: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» الصحيحة ٤/٣٤٣، ٣٤٤ رقم (١٧٥٠) .
قلت: وقد تقدم أن الحديث بشطر «وانصر من نصره» أيضًا ورد بسند صحيح رجاله كلهم ثقات، أما قوله: «واخذل من خذله» فلم أقف عليه بسند صحيح إلا ما أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند (١/١١٨) وفيه: شريك بن عبد الله القاضي النخعي الكوفي، وهو صدوق يخطئ كثيرا، وفيه أيضًا عمر بن ذي مر، وقد ترجمه البخاري في الكبير (٣/٢/٣٢٩-٣٣٠) وقال: «لا يعرف» وكذا قال العقيلي، وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول، ولذا فالحديث بهذه الزيادة ضعيف.
والشطر الأخير: «وأدر الحق معه كيفما دار» فقد أخرجه الترمذي في جامعه (٥/٥٩٢) (٣٧١٤) كتاب المناقب، باب مناقب علي ﵁ بلفظ: «اللهم أدر الحق معه حيث دار» وقال: «هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والمختار ابن نافع شيخ بصري كثير الغرائب» .
وقال الحافظ في التقريب رقم ٦٥٢٥: ضعيف.
قلت: فهذا الشطر ضعيف لم يثبت من وجه يصح.
فيكون الحديث صحيحا إلى قوله: «وانصر من نصره» أما ما عدا ذلك وهو قوله: «واخذل من خذله، وأدر الحق معه كيفما دار» فلم يثبت.
(٤٥) غدير خم يعرف الآن باسم (الغُرَبَة)، وهو غدير عليه نخل قليل لأناس من حرب، ويقع شرق الجحفة على ثمانية أكيال.
معجم معالم الحجاز ٣/١٥٩.
(٤٦) مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة ٤/١٨٧٣ رقم ٢٤٠٨.
(٤٧) الآية في الأصل بالهامش بخط الناسخ.
(٤٨) الخوخة - بفتح الخاءين - باب صغير كالنافذة الكبيرة، وتكون بين بيتين ينصبُ عليها باب. النهاية ٢/٨٦.
(٤٩) البخاري: الصحيح، كتاب الصلاة، باب الخوخة والممر في المسجد ١/٥٥٨ مع الفتح، رقم ٤٦٦ و٤٦٧.
مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أبو بكر الصديق ٤/١٨٥٤ رقم ٢٣٨٢ بلفظ - وهو أقرب لفظ للفظ المصنف -: «إن أمنّ الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام، لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر» .
وفي لفظ عنده من حديث عبد الله بن مسعود: «لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا ...» . مسلم: الصحيح رقم ٢٣٨٣.
وفي رواية: «لا تبقينّ في المسجد باب إلا سُدّ إلا باب أبي بكر» . البخاري مع الفتح ١/٥٥٨، رقم ٤٦٦ كتاب الصلاة باب الخوخة والممر في المسجد.
(٥٠) سعد بن مالك أبو سعيد الخدري، الأنصاري، له ولأبيه صحبه، شهد ما بعد أحد، وتوفي بالمدينة سنة ثلاث وستين، وقيل أربع وستين. التقريب ص٢٣٢.
(٥١) البخاري: الصحيح، كتاب المساجد ١/١٧٧ رقم ٤٥٤. مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة ٤/١٨٥٤ رقم ٢٣٨٢.
(٥٢) من ذلك: ما رواه ابن عباس ﵄ في صحيح البخاري، كتاب المساجد باب الخوخة والممر في المسجد ١/١٧٨، وفي فضائل الصحابة، باب قول النبي ﷺ: «لو كنت متخذا خليلا» ٣/١٣٣٨، وعن عبد الله بن الزبير ٣/١٣٣٨ رقم ٣٤٥٨. ومسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة ٤/١٨٥٤، ١٨٥٥ رقم ٢٣٨٢ و٢٣٨٣ عن عبد الله ابن مسعود.
13 / 1231