أرأف بعباده من ذلك، فليت من استظهر القرآن بنفسه، ولم يكن أميا بل كتبه بخطه وتدبره مدة حياته، وسمعه مدى عمره على الترداد من غيره، وقف على ما كلف منه، لأن جميعه لا يحيط به أحد علما غير الله سبحانه، ثم إن الأمي إذا خوطب بما لا طائل من الكلام، واشتبه كثيره لفظا وحكما ولا هو ممن يكتب فيقيده بخطه ولا هو يحفظه، فالخطاب معه أضيع، وما كان الله أنزله ليضيع، بل دعاهم ليعلم ما فيه ويعمل به، وإن لم يكلف حفظ جميعه على الأعيان، فشتان بين من حفظه بنفسه، وجمعه في صدره، وتدبره من قلبه، وتلاه في كل أوان أزاده، وعلى أي حال أحبه في النور والظلمة والهواء والماء، وبين من عميت بصيرته كما لا يتمكن من قراءته ولا التفكر فيه، ولا التدبر المأمور به إلا في الرجوع إلى غيره فيه، وانقطعت عليه سبل الاتباع والاتعاظ والتفكر والتدبر عند عدمه، فإن قيل: إن القرآن وإن خوطب به العرب ونزل بلسانهم، فقد لزم حكم الثقلين كافة عربا وعجما، فهل لزم العجم من حفظه على أي وجه كان من الوجوب، أو الندب، أو الاستحباب على الأعيان، أو الكفاية كما لزم العرب.
فالجواب: نعم، وذلك لأنهم محمولون على حكمهم لقوله تعالى: {وكذلك أنزلناه حكما عربيا} [الرعد: 37. . .] الآية، وكذلك من فارق من العرب حكم الأميين لتعلمه الكتابة والاستنباط، ومن سكن منهم
Shafi 48