وقد علم الخاصة والعامة بالتجربة والتواتر أن الأحكام التي يحكم بها المنجمون يكون الكذب فيها أضعاف الصدق، فصدقهم كصدق الكهان، يصدقون في كلمة ويكذبون في مائة، وذلك أن مبنى علمهم أن الحركات العلوية هي السبب في الحوادث، والعلم بالسبب يوجب العلم بالمسبب، وهذا إنما يكون إذا علم السبب التام الذي لا يختلف عنه حكمه، وهؤلاء - إن علموا - لا يعلمون إلا جزءا يسيرا من جملة الأسباب الكثيرة، ولا يعلمون بقية الأسباب ولا الشروط ولا الموانع، وذلك مثل من يعلم أن الشمس في الصيف تعلو الرأس حتى يشتد الحر فيريد أن يعلم من هذا مثلا أن العنب الذي بأرض كذا يصير زبيبا، وهذا وإن كان يقع أحيانا ولكن أخذه من مجرد حرارة الشمس جهل عظيم، إذا قد يكون هناك عنب وقد لا يكون، وقد يثمر شجره أو لا يثمر، وقد يؤكل عنها وقد يعصر وقد يسرق وكل ذلك وارد!.
وقد أراد المنجمون أن يمنعوا عليا كرم الله وجهه من السفر لقتال الخوارج قائلين له:» إنك إن سافرت والقمر في العقرب هزم أصحابك «، فقال على:» بل أسافر ثقة بالله، وتوكلا على الله «، فبورك له في سفره هذا، وكتب له فيه النصر والغلبة.
قال الخطابي:» علم النجوم المنهي عنه هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي ستقع في مستقبل الزمان، كأوقات هبوب الرياح، ومجيء المطر، وتغير الأسعار، وما في معناها من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بمسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها يدعون أن لها تأثيرا في السفليات، وهذا منهم تحكم على الغيب وتعاط لعلم قد استأثر الله به، ولا يعلم الغيب سواه «.
Shafi 53