130

Explanation of the Book of Tawhid by Ibn Khuzaymah - Muhammad Hassan Abdul Ghaffar

شرح كتاب التوحيد لابن خزيمة - محمد حسن عبد الغفار

Nau'ikan

الأدلة العقلية والنقلية على علو الله تعالى واستواء الله جل وعلا صفة فعلية كما بينها الله لنا وأثبتها في كتابه سبحانه، وأثبتها له رسوله، بل وأجمع الصحابة الكرام على استواء ربنا جل وعلا على عرشه، والعقل يقبل ذلك والفطر السليمة كما سنبين. أما بالنسبة للكتاب: فإن كل دلالات العلو المطلق يستدل بها على العلو المقيد والاستواء على العرش. قال الله تعالى: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ:٢٣]، وقال جل في علاه: (الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ [الرعد:٩]، والقاعدة في أسماء الله تعالى تقول: إن أسماء الله تعالى كلها حسنى، ومعنى الحسن هنا: أنها متضمنة لصفة كمال مندرجة تحتها، فالعلي: يتضمن صفة العلو، والرحيم: يتضمن صفة الرحمة، والكريم: يتضمن صفة الكرم وهكذا. فإن قيل: فهل (النور) اسم من أسماء الله؟ ف الجواب لا؛ لأنه صفة من صفات الكمال وليس اسمًا. أما الدلالات الأخرى: فبالتصريح أنه استوى وعلا على عرشه، كما قال الله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥]، أي: علا وارتفع ﷾، وقول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الحديد:٤] إذًا: فالاستواء جاء بعد خلق السماوات والأرض، وقال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف:٥٤]، وقال في الآية الأخرى: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هود:٧]. فهذه دلالات من الكتاب على استواء الله جل وعلا بالتصريح على عرشه، يعني: أنه علا وارتفع على العرش. ومن الدلالات على علو الله جل وعلا على عرشه أيضًا: التصريح بالفوقية، فالفوقية تدل على أنه فوق العرش، كما قال ابن مسعود: (والعرش فوق السماء السابعة، والله فوق العرش، ولا يخفى عليه شيء من أفعالكم). قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام:١٨]، وهذا الدليل والشاهد، وقال الله تعالى عن الملائكة: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل:٥٠]، فالملائكة في السماء والله من فوقهم، أي: من فوق عرشه ﷾. ومن الدلالات الفوقية: التصريح بالعندية، أي: أن الله جل وعلا ينزل بأمره من عنده، فالتصريح بالعندية يدل أيضًا على علو الله جل وعلا، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ﴾ [الأنبياء:١٩]، أي: الملائكة، فالعندية هنا تدل على: العلو والفوقية. وفي الصحيحين عن النبي ﷺ: (إن الله كتب كتابًا عنده، أن رحمتي سبقت غضبي)، فالعندية هنا أيضًا تدل على: علو الله جل في علاه. ومن الدلالات أيضًا على علو الله واستواءه على عرشه: رفع الأعمال إليه، وعروج الملائكة إليه، وأن الكلم الطيب يصعد إليه، وأن الأوامر تنزل من عنده، وكذلك الرفع الذين يكون من النزول إلى العلو، فكل هذه المعاني تدل على العلو لله ﷾. أما بالنسبة للرفع: فقد قال الله عن عيسى -بعدما كذب اليهود الذين ادعوا وزعموا أنهم قتلوه ظلمًا وزورًا وهو رسول الله- قال: ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾ [النساء:١٥٨]، والرفع يكون إلى أعلى، فهذه دلالة أيضًا على فوقية الله جل في علاه. وقال النبي ﷺ عن الله جل وعلا: (يرفع القسط ويخفضه)، وصرح بالعروج إليه فقال: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج:١ - ٤]. وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: (إن لله ملائكة يسيحون في الأرض، ينظرون إلى حلق الذكر، وإلى حلق العلم، فيلتفون حول هذه الحلق ويكتبون الأسماء، فيعرجون بها إلى الله فيسألهم وهو أعلم بهم، ماذا كانوا يفعلون؟ قالوا: يكبرونك ويهللونك ويحمدونك، فيقول: ماذا يسألون؟ فيقولون: الجنة، فيقول: أعطيتهم الجنة وعصمتهم من النار، ثم يقول ملك: ربي! إن فلانًا قد جاء لحاجة، فيقول الله جل وعلا -وهي أكبر بشارة لطلبة العلم- فيقول: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)، فالملائكة تعرج إلى الله جل وعلا، فدل ذلك على الفوقية، وأن الله فوق عرشه بائن من خلقه ﷾. وفي الصحيحين أيضًا عن النبي ﷺ: أن الملائكة تتعاقب فينا وتصعد بأعمالنا في الصبح والعصر، قال النبي ﷺ: (فيصعد الذين باتوا فيكم)، أي: يصعدون إلى الله جل وعلا بعدما كتبوا أعمال عباده جل في علاه، فهذه أدلة أيضًا تدل على الفوقية. وكذلك النزول: فإنه يدل على الفوقية، قال الله تعالى: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ﴾ [النساء:١٦٦]، والنزول لا يكون إلا من علو، قال: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ [النساء:١٦٦]، وقال الله تعالى: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [النحل:٢]، والتنزيل لا يكون إلا من علو إلى سفل أيضًا. فالغرض المقصود: أن النزول أو العروج أو الصعود أو الارتفاع، كل هذا يدل أيضًا على علو الله على خلقه. ومن الأدلة التي تدل على فوقية الله على خلقه أيضًا: أحاديث عن النبي ﷺ أثبت فيها علو الله، فلما صفع معاوية بن الحكم السلمي الجارية وتراجع عما فعل، وندم على ذلك، قال: (يا رسول الله! أعتقها)، وقد لطمها على خدها لأن الذئب خطف منها غنمة أثناء رعيها لها، وهو صاحب جبلة بشرية يغضب ويسخط، فندم على ما فعل فقال: يا رسول الله! أعتقها؟ فقال له النبي ﷺ: (ائتني بها، فجاءت الجارية، فقال لها النبي ﷺ: أين الله؟)، وهذا رد على الذين يمنعون السؤال بأين، وأن من سأل: بأين كفر، كما سنبين في ذلك، قال: (أين الله؟ قالت: في السماء)، ومعنى في السماء: أي: على السماء، وهذا مصداق لقول الله تعالى: ﴿أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ [الملك:١٦]، أي: الذي على السماء. والدليل على أن في هنا بمعنى على: قول الله تعالى: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾ [الملك:١٥]، أي: امشوا على الأرض، وقال أيضًا: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه:٧١]، فهل شق جذوع النخل ليصلبهم فيها؟ فالمعنى إذًا: على جذوع النخل. وتأتي من أيضًا بمعنى العلو، كما قال الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا﴾ [ق:٩] والسحاب هي التي تمطر وليست السماء، قال: «وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ»، أي: من العلو، فالسمو: يعني: العلو (فقال لها النبي ﷺ: أين الله؟ قالت: في السماء)، فربط النبي ﷺ إيمانها هنا باعتقادها الصحيح في علو الله جل في علاه. قال: (أين الله؟ قالت: في السماء، فقال له النبي ﷺ: اعتقها فإنها مؤمنة)، فربط إيمانها باعتقاد صحيح: وهو اعتقاد علو الله جل في علاه. ومن الأدلة أيضًا: لما أوصى النبي ﷺ أصحابه في خطبة الوداع بالوصايا، ثم قال: (هل بلغت؟ قالوا: نعم بلغت، فقال النبي ﷺ: اللهم فاشهد، وكان يشير بإصبعه إلى السماء)، فهذه أدلة تثبت علو الله جل وعلا من الكتاب والسنة.

16 / 6