177

شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد - الراجحي

شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد - الراجحي

Nau'ikan

وصف بعض الأعمال بالنفاق أو الكفر أو الشرك ليس معناها أنه يخرج من الملة
قال المؤلف ﵀: [ليس وجوه هذه الآثار كلها من الذنوب أن راكبها يكون جاهلًا ولا كافرًا ولا منافقًا وهو مؤمن بالله وما جاء من عنده ومؤد لفرائضه، ولكن معناها أنها تتبين من أفعال الكفار محرمة منهي عنها في الكتاب وفي السنة ليتحاماها المسلمون ويتجنبوها، فلا يتشبهوا بشيء من أخلاقهم ولا شرائعهم].
المؤلف يبدي ويعيد ويبين أن هذه الآثار التي فيها وصف بعض الأعمال بالنفاق أو بالكفر أو بالشرك أو بنفي الإيمان أو بالبراءة منه ليس معناها أنه يخرج من الملة، وأنه ينتهي إيمانه وأنه يكفر كفرًا أكبر، وليس معناها أن راكبها يكون جاهلًا جهل الكفار ولا كافرًا كالكافرين الخارجين من الملة، ولا منافقًا النفاق الأكبر وهو مؤمن بالله وبما جاء من عنده، بل معناها: أنه يكون جاهلًا لمعصيته جهلًا أصغر، وكافرًا كفرًا أصغر، ومنافقًا نفاقًا أصغر، ولهذا قال: (وليس معناها: أن راكبها يكون جاهلًا ولا كافرًا ولا منافقًا وهو مؤمن بالله، وما جاء من عنده ومؤد لفرائضه، ولكن معناها أنها تتبين من أفعال الكفار محرمة منهي عنها في الكتاب وفي السنة) أي: أن صاحبها يكون مرتكبًا لكبيرة ومعصية، ويكون إيمانه ضعيفًا وناقصًا لكنه لا يخرج من الملة، ولهذا قال: (ليتحاماها المسلمون ويتجنبوها، فلا يتشبهوا بشيء من أخلاقهم ولا شرائعهم).
قال المؤلف ﵀: [ولقد روي في بعض الأحاديث: (أن السواد خضاب الكفار) فهل يكون لأحد أن يقول: إنه يكفر من أجل الخضاب؟!].
هذا الحديث ضعيف أخرجه الطبراني والحاكم والذهبي وغيره، وهو حديث منكر، لكن على فرض صحته فليس معناه أن الخضاب بالسواد يكون كفرًا، إنما يكون معصية، ولهذا قال المؤلف: (فهل يكون لأحد أن يقول: إنه يكفر من أجل الخضاب) بل يكون معصية، ويكون صاحبه ضعيف الإيمان وناقص الإيمان لو صح هذا.
قال المؤلف ﵀: [وكذلك حديثه في المرأة: (إذا استعطرت ثم مرت بقوم يوجد ريحها أنها زانية)، فهل يكون هذا على الزنا الذي تجب فيه الحدود؟!].
هذا الحديث حديث صحيح ولفظه: (أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية).
فالمؤلف يقول: الحديث معناه: أنها عاصية وأنها مرتكبة لكبيرة، وأن إيمانها ناقص وضعيف، وليس المراد أنها فعلت الزنا الذي يوجب الحد ويقام فيه.
قال المؤلف ﵀: [ومثله قوله: (المستبان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان)، أفيتهم عليه أنه أراد الشيطانين الذين هم أولاد إبليس؟! إنما هذا كله على ما أعلمتك من الأفعال والأخلاق والسنن].
هذا الحديث أخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن حبان في صحيحه، وليس المراد أنهما شيطانان من أولاد إبليس؛ لأن إبليس هو أبو الجن، ولهذا قال: أتعرف الخلاق أم أصبحت ذا نكران وسل أبا الجن اللعين فقل له فهو أبو الجن، ومن لم يسلم من الجن سمي شيطانًا لتمرده، ومن أسلم فلا يسمى شيطانًا، وليس معنى الحديث أن المستبان من أولاد إبليس، وإنما المراد كما يقول: (على ما أعلمتك من الأفعال والأخلاق والسنن) يعني: المراد أنه تمرد، والمتمرد من كل جنس يسمى: شيطانًا، والمعنى: أن كونهما يتهاتران ويتكاذبان هذا معصية وكبيرة تضعف الإيمان وتنقصه، ولا يخرج بهما صاحبهما من الملة والإيمان بذلك، والمراد: أن هذا العمل من كبائر الذنوب ويضعف به الإيمان وينقص، ولا يخرج به الإنسان من الإيمان، بل يبقى معه أصل الإيمان ووصفه، فيدخل في خطاب المؤمنين وتشمله أحكام المؤمنين.

12 / 11