30

Explanation of Sahih al-Bukhari by Al-Huwaini

شرح صحيح البخاري للحويني

Nau'ikan

ضرورة تعلم الأدب قبل تعلم العلم إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد ﵌، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. قال الإمام البخاري ﵀: باب من سئل علمًا وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث، ثم أجاب السائل حدثنا محمد بن سنان، قال: حدثنا فليح (ح)، وحدثني إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح، قال: حدثني أبي، قال: حدثني: هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: (بينما النبي ﷺ في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله ﷺ يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال؛ فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه، قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله. قال: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) . هذا هو الباب الثاني من كتاب العلم للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وقد افتتح هذا الكتاب بقوله: (باب فضل العلم) فلنتصور أنك بعدما سمعت الأحاديث والآيات في فضل العلم أن تكون تمتعت بذلك، ورغبت أن تكون إما متعلمًا على سبيل النجاة، أو أن تكون عالمًا، ولكل قسم من هذين القسمين عُدة، فالمتعلم على سبيل النجاة يسمع ويعمل، أما المتعلم ليُعلم فإنه يسمع ليعمل ثم يعلم. فبعد أن علمت فضل العلم والعلماء، وأن العلم يتبارى الناس في الانتساب إليه، وإن لم يكونوا من أهله؛ لأنه شرف (كفى بالعلم شرفًا أن يدعيه من ليس بأهله، وكفى بالجهل عارًا أن يتبرأ منه من هو فيه)، فبعدما علمت فضل العلم والعلماء، ومنزلة العلم والعلماء، نتصور أنك ستقبل وتنضم إلى قافلة العلماء، فحينئذ عقد الإمام البخاري ﵀ الباب الثاني على اعتبار أنك تريد أن تنضم إلى سفينة العلماء، فقال: باب من سئل علمًا وهو مشتغل في حديثه، فأتم الحديث ثم أجاب السائل. ذكر البخاري ﵀ طرفًا من أدب طالب العلم، إذن الباب الذي ينبغي عليك أن تضع فيه أول خطوة، هو باب الأدب، العلم بلا أدب وبال على صاحبه، لا تدخل العلم إلا من باب الأدب، بينما كان النبي ﵊ يحدث الناس، جاء أعرابي فقطع عليه حديثه، فهل هذا أدب؟ يعني هل يجوز لك أن تقطع على الشيخ كلامه لتسأل أم تنتظر؟ الإمام البخاري عندما ذكر هذا الحديث إنما ذكره كنموذج؛ ليقول: إن أول شيء ينبغي أن يتحلى به طالب العلم هو يتعلم الأدب. فإذا كان السائل جافيًا -مثل هذا الأعرابي- فهل لك أن تعرض عنه أم تقدر حال السائل؟ فدلنا بذلك على أن طالب العلم ينبغي أن يتحلى بآداب، كما أن الشيخ ينبغي أن يتحلى بآداب. وقيل: إنه لا يصلح للقيادة من لم يتعلم الجندية، جندي يسمع ويطيع، فإذا صار قائدًا كان قائدًا ناجحًا، لذلك نقول لطلاب العلم: إذا لم تتعلم الأدب في مطلع طلبك للعلم لا يمكن أن تورثه، وتكون أول جانٍ عليه؛ لأن هذه المسألة سلف ودين. فلذلك سنقف على نتف مما ينبغي أن يتحلى به طالب العلم من الآداب، وما ينبغي أن يتحلى به الشيخ -أيضًا- من الآداب.

3 / 2