Explanation of Jurisprudential Principles
شرح القواعد الفقهية
Mai Buga Littafi
دار القلم
Lambar Fassara
الثانية
Shekarar Bugawa
١٤٠٩ هـ - ١٩٨٩ م
Inda aka buga
دمشق - سوريا
Nau'ikan
(الْقَاعِدَة الأولى (الْمَادَّة / ٢»
(" الْأُمُور بمقاصدها ")
(أَولا - الشَّرْح)
الْأُمُور جمع أَمر، وَهُوَ: لفظ عَام للأفعال والأقوال كلهَا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: ﴿إِلَيْهِ يرجع الْأَمر كُله﴾، ﴿قل إِن الْأَمر كُله لله﴾، ﴿وَمَا أَمر فِرْعَوْن برشيد﴾، أَي مَا هُوَ عَلَيْهِ من قَول أَو فعل. (ر: مُفْرَدَات الرَّاغِب) .
ثمَّ إِن الْكَلَام على تَقْدِير مُقْتَضى، أَي: أَحْكَام الْأُمُور بمقاصدها، لِأَن علم الْفِقْه إِنَّمَا يبْحَث عَن أَحْكَام الْأَشْيَاء لَا عَن ذواتها، وَلذَا فسرت الْمجلة الْقَاعِدَة بقولِهَا: " يَعْنِي أَن الحكم الَّذِي يَتَرَتَّب على أَمر يكون على مُقْتَضى مَا هُوَ الْمَقْصُود من ذَلِك الْأَمر ".
أصل هَذِه الْقَاعِدَة فِيمَا يظْهر قَوْله ﷺ: " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ".
(ثَانِيًا - التطبيق)
إِن هَذِه الْقَاعِدَة تجْرِي فِي كثير من الْأَبْوَاب الْفِقْهِيَّة مثل: (١) الْمُعَاوَضَات والتمليكات الْمَالِيَّة. (٢) وَالْإِبْرَاء. (٣) وتجري فِي الوكالات. (٤) وإحراز الْمُبَاحَات. (٥) والضمانات والأمانات. (٦) والعقوبات.
١ - أما الْمُعَاوَضَات والتمليكات الْمَالِيَّة: فكالبيع وَالشِّرَاء وَالْإِجَارَة وَالصُّلْح وَالْهِبَة، فَإِنَّهَا كلهَا عِنْد إِطْلَاقهَا - أَي إِذا لم يقْتَرن بهَا مَا يقْصد بِهِ إخْرَاجهَا عَن إِفَادَة مَا وضعت لَهُ - تفِيد حكمهَا، وَهُوَ الْأَثر الْمُتَرَتب عَلَيْهَا من التَّمْلِيك والتملك
1 / 47
لَكِن إِذا اقْترن بهَا مَا يُخرجهَا عَن إِفَادَة هَذَا الحكم، وَذَلِكَ كإرادة النِّكَاح بهَا وكالهزل والاستهزاء والمواضعة والتلجئة، فَإِنَّهُ يسلبها إِفَادَة حكمهَا الْمَذْكُور، فَإِنَّهُ إِذا أُرِيد بهَا النِّكَاح كَانَت نِكَاحا.
وَلَكِن يشْتَرط فِي الْإِجَارَة وَالصُّلْح أَن تكون الْمَرْأَة بَدَلا ليَكُون نِكَاحا، فَلَو كَانَت فِي الْإِجَارَة معقودًا عَلَيْهَا لَا تكون نِكَاحا، وَفِي الصُّلْح لَو كَانَت مصالحًا عَنْهَا بِأَن ادّعى عَلَيْهَا النِّكَاح فأنكرت ثمَّ صالحت الْمُدَّعِي على مَال دَفعته لَهُ ليكف صَحَّ وَكَانَ خلعًا. (ر: الدُّرَر وحاشيته، من كتاب النِّكَاح وَمن كتاب الصُّلْح) .
وَكَذَلِكَ لَو بَاعَ إِنْسَان أَو شرى وَهُوَ هازل، فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّب على عقده تمْلِيك وَلَا تملك.
٢ - وَأما الْإِبْرَاء: فَكَمَا لَو قَالَ الطَّالِب للْكَفِيل، أَو قَالَ الْمحَال للمحتال عَلَيْهِ: بَرِئت من المَال الَّذِي كفلت بِهِ، أَو المَال الَّذِي أحلّت بِهِ عَلَيْك، أَو قَالَ: بَرِئت إِلَيّ مِنْهُ، وَكَانَ الطّلب أَو الْمحَال حَاضرا، فَإِنَّهُ يرجع إِلَيْهِ فِي الْبَيَان لما قَصده من هَذَا اللَّفْظ، فَإِن كَانَ قصد بَرَاءَة الْقَبْض والاستيفاء مِنْهُ كَانَ للْكَفِيل أَن يرجع على الْمَكْفُول عَنهُ لَو الْكفَالَة بِالْأَمر، وَكَانَ للمحال عَلَيْهِ أَن يرجع على الْمُحِيل لَو لم يكن للْمُحِيل دين عَلَيْهِ. وَإِن كَانَ قصد من ذَلِك بَرَاءَة الْإِسْقَاط فَلَا رُجُوع لوَاحِد مِنْهُمَا.
أما إِذا كَانَ الطَّالِب أَو الْمحَال غير حَاضر فَفِي (بَرِئت إِلَيّ) لَا نزاع فِي أَنه يحمل على بَرَاءَة الِاسْتِيفَاء، وَكَذَلِكَ فِي بَرِئت، عِنْد أبي يُوسُف فَإِنَّهُ جعله كَالْأولِ، وَهُوَ الْمُرَجح، (ر: تنوير الْأَبْصَار وَشَرحه الدّرّ الْمُخْتَار، كتاب الْكفَالَة، بحث كَفَالَة المَال) .
٣ - وَأما الوكالات، فَمِنْهَا: مَا لَو وكل إِنْسَان غَيره بشرَاء فرس معِين أَو نَحوه فَاشْترى الْوَكِيل فرسا فَفِيهِ تَفْصِيل: إِن كَانَ نوى شِرَاءَهُ للْمُوكل أَو أضَاف العقد إِلَى دَرَاهِم الْمُوكل يَقع الشِّرَاء للْمُوكل، وَإِن نوى الشِّرَاء لنَفسِهِ أَو أضَاف العقد إِلَى دَرَاهِم نَفسه يَقع الشِّرَاء لنَفسِهِ. وَكَذَا لَو أضَاف العقد إِلَى
1 / 48
دَرَاهِم مُطلقَة فَإِنَّهُ إِذا نوى بهَا دَرَاهِم الْمُوكل يَقع الشِّرَاء للْمُوكل وَإِن نوى بهَا دَرَاهِم نَفسه يَقع لنَفسِهِ، وَإِن تكاذبا فِي النِّيَّة يحكم النَّقْد فَيحكم بالفرس لمن وَقع نقد الثّمن من مَاله، لِأَن فِي النَّقْد من أحد الْمَالَيْنِ دلَالَة ظَاهِرَة على أَنه أُرِيد الشِّرَاء لصَاحبه (وَالْمَسْأَلَة مبسوطة فِي فصل الْوكَالَة بِالشِّرَاءِ من الْهِدَايَة) .
٤ - وَأما الإحرازات، وَهِي: استملاك الْأَشْيَاء الْمُبَاحَة، فَإِن النِّيَّة وَالْقَصْد شَرط فِي إفادتها الْملك، فَلَو وضع إِنْسَان وعَاء فِي مَكَان فَاجْتمع فِيهِ مَاء الْمَطَر ينظر: فَإِن كَانَ وَضعه خصيصًا لجمع المَاء يكون مَا اجْتمع فِيهِ ملكه، وَإِن وَضعه بِغَيْر هَذَا الْقَصْد فَمَا اجْتمع فِيهِ لَا يكون ملكه، وَلغيره حينئذٍ أَن يَتَمَلَّكهُ بِالْأَخْذِ، لِأَن الحكم لَا يُضَاف إِلَى السَّبَب الصَّالح إِلَّا بِالْقَصْدِ. (ر: رد الْمُحْتَار، كتاب الْبيُوع، متفرقات، عِنْد قَول الْمَتْن: وَلَو فرخ طير أَو باض - نقلا عَن الْبَحْر) .
وَكَذَلِكَ الصَّيْد، فَلَو وَقع الصَّيْد فِي شبكة إِنْسَان أَو حُفْرَة من أرضه ينظر: فَإِن كَانَ نشر الشبكة أَو حفر الحفرة لأجل الِاصْطِيَاد بهما فَإِن الصَّيْد ملكه وَلَيْسَ لأحد أَن يَأْخُذهُ، وَإِن كَانَ نشر الشبكة لتجفيفها مثلا أَو حفر الحفرة لَا لأجل الِاصْطِيَاد فَإِنَّهُ لَا يملكهُ، وَلغيره أَن يستملكه بِالْأَخْذِ. (ر: الْمجلة، مَادَّة / ١٣٠٣) .
٥ - وَأما الضمانات والأمانات فمسائلها كَثِيرَة: (أ) مِنْهَا اللّقطَة، فَإِن التقطها ملتقط بنية حفظهَا لمَالِكهَا كَانَت أَمَانَة لَا تضمن إِلَّا بِالتَّعَدِّي، وَإِن التقطها بنية أَخذهَا لنَفسِهِ كَانَ فِي حكم الْغَاصِب فَيضمن إِذا تلفت فِي يَده بِأَيّ صُورَة كَانَ تلفهَا، وَالْقَوْل للملتقط بِيَمِينِهِ فِي النِّيَّة لَو اخْتلفَا فِيهَا.
وَكَذَا لَو التقطها ثمَّ ردهَا لمكانها، فَإِن كَانَ التقطها للتعريف لم يضمن بردهَا لمكانها سَوَاء ردهَا قبل أَن يذهب بهَا أَو بعده وَسَوَاء خَافَ بإعادتها هلاكها أَولا، وَإِن كَانَ التقطها لنَفسِهِ لَا يبرأ بإعادتها لمكانها مَا لم يردهَا لمَالِكهَا. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، أَوَائِل كتاب اللّقطَة، نقلا عَن كَافِي الْحَاكِم وَعَن نور الْعين عَن الْخَانِية) .
1 / 49
(ب) وَمِنْهَا الْوَدِيعَة، فَإِن الْمُودع إِذا استعملها ثمَّ تَركهَا بنية الْعود إِلَى اسْتِعْمَالهَا لَا يبرأ عَن ضَمَانهَا لِأَن تعديه باقٍ، وَإِن كَانَ تَركهَا بنية عدم الْعود إِلَى اسْتِعْمَالهَا يبرأ وَلَكِن لَا يصدق فِي ذَلِك إِلَّا بِبَيِّنَة، لِأَنَّهُ أقرّ بِمُوجب الضَّمَان ثمَّ ادّعى الْبَرَاءَة. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ، صفحة / ١٤٤) .
وَهَذَا إِذا كَانَ تعديه عَلَيْهَا بِغَيْر الحجز أَو الْمَنْع عَن الْمَالِك، فَإِن كَانَ بِأحد هذَيْن فَإِنَّهُ لَا يبرأ عَن الضَّمَان إِلَّا بِالرَّدِّ على الْمَالِك وَإِن أَزَال تعديه بالاعتراف بهَا. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ، بحث مَا يصدق فِيهِ الْمُودع، صفحة / ١٤٥) .
وَكَذَلِكَ كل أَمِين من قبل الْمَالِك إِذا تعدى ثمَّ أَزَال التَّعَدِّي بنيته أَنه لَا يعود إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يبرأ عَن الضَّمَان، فَلَو لم يكن مسلطًا من قبل الْمَالِك أصلا، كَمَا فِي مَسْأَلَة الْمُلْتَقط الْآتِيَة عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ بحثا، أَو كَانَ مسلطًا فِي مُدَّة مُؤَقَّتَة وانتهت ثمَّ تعدى ثمَّ أَزَال تعديه وَعَاد إِلَى الْحِفْظ لَا يبرأ. قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو كَانَ مَأْمُورا بِحِفْظ شهر فَمضى شهر ثمَّ اسْتعْمل الْوَدِيعَة ثمَّ ترك الِاسْتِعْمَال وَعَاد إِلَى الْحِفْظ لَا يبرأ، إِذْ عَاد وَأمر الْحِفْظ غير قَائِم. (ر: الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ مِنْهُ، بحث ضَمَان الْمُودع بِالدفع، صفحة / ١٤٥) . (ج) وَمن قبيل فرع الْوَدِيعَة الْمَذْكُور مَا جَاءَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَكيل بِالْبيعِ لَو خَالف بِأَن اسْتَعْملهُ أَو دفع الثَّوْب إِلَى قصار لقصره حَتَّى صَار ضَامِنا، فَلَو عَاد إِلَى الْوِفَاق يبرأ كمودع، وَالْوكَالَة بَاقِيَة فِي بَيْعه. (ر: الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ مِنْهُ، بحث ضَمَان الْمَأْمُور والدلال، صفحة / ١٤٢ - ١٤٥ /، وَمثله فِي معِين الْحُكَّام، الْبَاب السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ، فصل التَّسَبُّب وَالدّلَالَة) .
واستثنوا من الْأُمَنَاء: (١) الْمُسْتَعِير لأجل الِانْتِفَاع، (٢) وَالْمُسْتَأْجر، (٣) وَمثلهمَا الْأَجِير، لَو خَالف ثمَّ عَاد إِلَى الْوِفَاق لَا يبرأ. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ، بحث إجَازَة الدَّوَابّ، صفحة / ١٦٤) . فَإِنَّهُمَا إِذا تَعَديا على الْعين المستعارة أَو الْمُسْتَأْجرَة ثمَّ تركا التَّعَدِّي بنية عدم الْعود إِلَيْهِ
1 / 50
لَا يبرآن عَن الضَّمَان إِلَّا بِالرَّدِّ على الْمَالِك. (٤) وَيُزَاد رَابِع لَهَا (ذكره صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ بحثا فِي الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ - بعد أَن رمز لفتاوى القَاضِي ظهير وللواقعات _): أَخذ لقطَة ثمَّ ضَاعَت مِنْهُ فَوَجَدَهَا فِي يَد آخر فَلَا خُصُومَة بَينهمَا، بِخِلَاف الْوَدِيعَة، وَالْفرق بَينهمَا أَن للثَّانِي ولَايَة أَخذ اللّقطَة كَالْأولِ بِخِلَاف الْوَدِيعَة. ثمَّ قَالَ عقبه: " أَقُول: دلّ هَذَا على أَنه لَو تعدى ثمَّ أَزَال التَّعَدِّي ثمَّ هَلَكت يضمن، لِأَن يَده لَيست بيد مَالك لما مر من عدم الْخُصُومَة، فبتعديه ظهر أَنه غَاصِب فَلَا يبرأ إِلَّا بِمَا يبرأ بِهِ الْغَاصِب ".
وَلَكِن لم يظْهر لي مَا بَحثه من أَن الْمُلْتَقط يضمن إِذا هَلَكت بعد أَن تعدى ثمَّ أَزَال التَّعَدِّي، بل ظهر لي خِلَافه وَذَلِكَ أَن الِالْتِقَاط بِقصد الرَّد على الْمَالِك مَنْدُوب إِلَيْهِ عِنْد عدم الْخَوْف على اللّقطَة، وواجب عِنْد الْخَوْف عَلَيْهَا، وَمَا ذَلِك إِلَّا للْإِذْن بِهِ من الْمَالِك دلَالَة، وَالْإِذْن من الْمَالِك دلَالَة، كالإذن الصَّرِيح، يَنْفِي الضَّمَان كَمَا قَالُوا فِيمَا لَو ذبح الرَّاعِي الْبَعِير فِي المرعى بعد أَن مرض مَرضا لَا ترجى مَعَه حَيَاته فَإِنَّهُ لَا يضمن، لِأَن الْإِذْن من الْمَالِك يذبحه وَالْحَالة هَذِه حَاصِل عَادَة.
فَإِذا كَانَ الِالْتِقَاط للْمَالِك كَانَ الْإِذْن للملتقط بِوَضْع يَده حَاصِلا من الْمَالِك دلَالَة، وَلذَا كَانَ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ وواجبًا شرعا، فَتكون يَده يدا مَأْذُونا فِيهَا، وَإِذا كَانَت مَأْذُونا فِيهَا فَهِيَ يَد نائبة عَن يَد الْمَالِك، فَإِذا تعدى ثمَّ أَزَال التَّعَدِّي لَا يبْقى غَاصبا بل تعود يَد النِّيَابَة عَن الْمَالِك فَإِذا هَلَكت بعد ذَلِك لَا يضمن.
وَمَا نَقله عَن فَتَاوَى القَاضِي ظهير الدّين والواقعات من نفس الْخُصُومَة بَين الْمُلْتَقط الأول وَالثَّانِي لَيْسَ مُعَللا بِأَن يَد الأول لَيست يَد الْمَالِك، كَمَا قَالَ، حَتَّى ينْتج الْمَطْلُوب، بل هُوَ مُعَلل كَمَا ترى بِأَن للثَّانِي ولَايَة الْأَخْذ كَالْأولِ إِذْ إِن أَخذ الثَّانِي، كأخذ الأول، مَأْذُون فِيهِ دلَالَة، فَتكون يَده يَد نِيَابَة كَذَلِك فَلَا يتَرَجَّح الأول عَلَيْهِ، على أَنه نقل فِي الدّرّ الْمُخْتَار فِي كتاب اللّقطَة، عَن السراج، أَن الصَّحِيح أَن الْمُلْتَقط الأول لَهُ أَن يُخَاصم الْمُلْتَقط الثَّانِي فِي اللّقطَة ويأخذها مِنْهُ
1 / 51
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَن ذَلِك عَام فِي كل أَمِين كَانَت يَده لَيست يَد استحفاظ من الْمَالِك، كوارث الْمُودع وَمن أَلْقَت الرّيح ثوبا فِي دَاره وَنَحْوهمَا.
أما لَو كَانَ الْمُسْتَعِير غير مستعير لينْتَفع بل ليرهن الْعين المعارة، وَهُوَ الْمُسَمّى بالمستعير للرَّهْن، فَإِن حكمه كَسَائِر الْأُمَنَاء، فَإِذا تعدى على الْعين المعارة وَهِي فِي يَده، أَي قبل أَن يرهنها أَو بَعْدَمَا افتكها، ثمَّ أَزَال التَّعَدِّي يبرأ عَن الضَّمَان.
وَالْفرق بَين الْمُسْتَعِير لعمل نَفسه وَالْمُسْتَأْجر وَبَين الْمُودع وَمن بِمَعْنَاهُ كالمستعير للرَّهْن، أَن الْمُسْتَعِير الْمَذْكُور أَو الْمُسْتَأْجر عَامل لنَفسِهِ فَكَانَت يَده على الْعين يَد نَفسه لَا يَد مَالِكهَا، فَبعد إِزَالَة التَّعَدِّي وَالْعود إِلَى الْوِفَاق تبقى يَده فَلَا يُمكن أَن يعْتَبر ردا على الْمَالِك لَا حَقِيقَة وَلَا حكما، بِخِلَاف الْمُودع وَمن بِمَعْنَاهُ فَإِن يَده على الْعين كيد مَالِكهَا فبالعود إِلَى الْوِفَاق تظهر يَد الْمَالِك فَيصير رادًا عَلَيْهِ حكما فَيبرأ عَن الضَّمَان. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الْوَدِيعَة، وَكتاب الرَّهْن بَاب التَّصَرُّف فِي الرَّهْن وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ) .
تَنْبِيه: أطلق فِي بعض الْكتب ضَمَان الْمُسْتَعِير وَالْمُسْتَأْجر فِيمَا إِذا تَعَديا ثمَّ أزالا التَّعَدِّي، وَلم يفصل بَين مَا إِذا كَانَت انْتَهَت الْإِعَارَة وَالْإِجَارَة أَو لم تكن انْتَهَت، وَنقل فِي الْفَصْل الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ من نور الْعين عَن الْهِدَايَة تَرْجِيحه بعلامة الْأَصَح.
وَبَعْضهمْ فصل بَين مَا إِذا كَانَت انْتَهَت الْإِعَارَة وَالْإِجَارَة فَلَا يبرأ إِلَّا بِالرَّدِّ على الْمَالِك، وَبَين مَا إِذا كَانَت لم تَنْتَهِ فَيبرأ بِالْعودِ، وَنقل أَيْضا فِي نور الْعين عَن الْكَافِي تَرْجِيحه بعلامة الْأَصَح.
لكنه نقل فِي الْمحل الْمَذْكُور. قبل ذَلِك بأسطر، أَن القَوْل بضمانها مُطلقًا من غير تَفْصِيل عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَكَذَلِكَ حكى فِي الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ من جَامع الْفُصُولَيْنِ، من بحث رد الْعَارِية وَمَا يتَعَلَّق بِهِ، أَن الْفَتْوَى على أَنه لَا يبرأ بِالْعودِ إِلَى الْوِفَاق.
٦ - وَأما الْعُقُوبَات: فكالقصاص: فَإِنَّهُ يتَوَقَّف على أَن يقْصد الْقَاتِل
1 / 52
الْقَتْل، لَكِن الْآلَة المفرقة للأجزاء تُقَام مقَام قصد الْقَتْل، لِأَن هَذَا الْقَصْد مِمَّا لَا يُوقف عَلَيْهِ، وَدَلِيل الشَّيْء فِي الْأُمُور الْبَاطِنَة يُقَام مقَامه، ويتوقف على أَن يقْصد قتل نفس الْمَقْتُول لَا غَيره. فَلَو لم يقْصد الْقَتْل أصلا، أَو قصد الْقَتْل وَلَكِن أَرَادَ غير الْمَقْتُول فَأصَاب الْمَقْتُول، فَإِنَّهُ لَا يقْتَصّ مِنْهُ فِي شَيْء من ذَلِك بل تجب الدِّيَة، سَوَاء كَانَ مَا قَصده مُبَاحا، كَمَا لَو أَرَادَ قتل صيد أَو إِنْسَان مُبَاح الدَّم فَأصَاب آخر مُحْتَرم الدَّم، أَو كَانَ مَا قَصده مَحْظُورًا، كَمَا لَو أَرَادَ قتل شخص مُحْتَرم الدَّم فَأصَاب آخر مثله.
(ثَالِثا: الْمُسْتَثْنى)
(تَنْبِيه)
: إِن هَذِه الْقَاعِدَة لَا تجْرِي بَين أَمريْن مباحين لَا تخْتَلف بِالْقَصْدِ صفتهما، كَمَا لَو وَقع الْخلاف فِي كَون البيع صدر هزلا أَو مواضعة مثلا، لِأَن اخْتِلَاف الْقَصْد بَين الْهزْل والمواضعة لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ ثَمَرَة، إِذْ كل مِنْهُمَا لَا يُفِيد تَمْلِيكًا وَلَا تملكًا.
بل تجْرِي بَين مباحين تخْتَلف صفتهما بِالْقَصْدِ، كَمَا لَو دَار الْأَمر بَين البيع المُرَاد حكمه وَبَين بيع الْمُوَاضَعَة وَنَحْوه كَمَا تقدم.
وتجري بَين مُبَاح ومحظور، كَمَا فِي فرع اللّقطَة الْمُتَقَدّم فَإِن التقاطها بنية حفظهَا لمَالِكهَا مُبَاح، وبنية أَخذهَا لنَفسِهِ مَحْظُور، كَمَا فِي مَسْأَلَة الْمُودع إِذا لبس ثوب الْوَدِيعَة ثمَّ نَزعه فَإِن عدم الْعود إِلَى لبسه مَطْلُوب وَالْعود إِلَيْهِ مَحْظُور.
وَبِذَلِك يَتَّضِح أَن مَا قَالَه بعض شرَّاح الْمجلة من أَن الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة لَا تجْرِي إِلَّا فِي الْمُبَاحَات غير ظَاهر.
1 / 53
(الْقَاعِدَة الثَّانِيَة (الْمَادَّة / ٣»
(" الْعبْرَة فِي الْعُقُود للمقاصد والمعاني، لَا للألفاظ والمباني ")
(أَولا - الشَّرْح)
[" الْعبْرَة فِي الْعُقُود للمقاصد والمعاني لَا للألفاظ والمباني "] كَمَا فِي الْبَاب الموفي أَرْبَعِينَ من معِين الْحُكَّام، لَكِن بِلَفْظ فِي التَّصَرُّفَات بدل الْعُقُود، وَهُوَ أَعم من التَّعْبِير بِالْعُقُودِ، فَيشْمَل الدَّعَاوَى كَمَا سَيَأْتِي عَن أصُول الْكَرْخِي: " وَلذَا يجْرِي حكم الرَّهْن فِي بيع الْوَفَاء ".
هَذِه الْقَاعِدَة بِالنِّسْبَةِ للَّتِي قبلهَا كالجزئي من الْكُلِّي، فَتلك عَامَّة وَهَذِه خَاصَّة فتصلح أَن تكون فرعا مِنْهَا.
وَالْمرَاد بالمقاصد والمعاني: مَا يَشْمَل الْمَقَاصِد الَّتِي تعينها الْقَرَائِن اللفظية الَّتِي تُوجد فِي عقد فتكسبه حكم عقد آخر كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا فِي انْعِقَاد الْكفَالَة بِلَفْظ الْحِوَالَة، وانعقاد الْحِوَالَة بِلَفْظ الْكفَالَة، إِذا اشْترط فِيهَا بَرَاءَة الْمَدْيُون عَن الْمُطَالبَة، أَو عدم بَرَاءَته.
وَمَا يَشْمَل الْمَقَاصِد الْعُرْفِيَّة المرادة للنَّاس فِي اصْطِلَاح تخاطبهم، فَإِنَّهَا مُعْتَبرَة فِي تعْيين جِهَة الْعُقُود، فقد صرح الْفُقَهَاء بِأَنَّهُ يحمل كَلَام كل إِنْسَان على لغته وعرفه وَإِن خَالَفت لُغَة الشَّرْع وعرفه: (ر: رد الْمُحْتَار، من الْوَقْف عِنْد الْكَلَام على قَوْلهم: وَشرط الْوَاقِف كنص الشَّارِع) .
وَمن هَذَا الْقسم مَا ذَكرُوهُ من انْعِقَاد بعض الْعُقُود بِأَلْفَاظ غير الْأَلْفَاظ الْمَوْضُوعَة لَهَا مِمَّا يُفِيد معنى تِلْكَ الْعُقُود فِي الْعرف، كانعقاد البيع وَالشِّرَاء بِلَفْظ
1 / 55
الْأَخْذ والإعطاء. (ر: مَادَّة / ١٦٩ و١٧٢ / من الْمجلة)، وَكَذَا انْعِقَاد شِرَاء الثِّمَار على الْأَشْجَار بِلَفْظ " الضَّمَان " فِي عرفنَا الْحَاضِر.
(ثَانِيًا - التطبيق)
١ - إِن جَرَيَان حكم الرَّهْن فِي بيع الْوَفَاء لَيْسَ فِي جَمِيع الْأَحْكَام بل فِي بَعْضهَا، وَبَيَان ذَلِك أَنه اخْتلف فِي بيع الْوَفَاء فَقيل هُوَ بيع صَحِيح، وَقيل بيع فَاسد، وَقيل هُوَ رهن. والمفتى بِهِ هُوَ القَوْل الْجَامِع، وَعَلِيهِ جرت الْمجلة فِي الْمَادَّة / ١١٨ / وَهُوَ أَن بيع الْوَفَاء لَهُ شبه بِالْبيعِ الصَّحِيح، وَشبه بالفاسد، وَشبه بِالرَّهْنِ، وَله من كل شبه بعض أَحْكَام الْمُشبه بِهِ.
وَلَا مَانع من أَن يكون للْعقد الْوَاحِد أَكثر من حكم وَاحِد بِاعْتِبَار الْمَقْصُود مِنْهُ، كَالْهِبَةِ بِشَرْط الْعِوَض كَمَا سَيَأْتِي.
وكقرض القيمي، فَإِنَّهُ قرض من وَجه بِحَيْثُ يملكهُ الْمُسْتَقْرض بِالْقَبْضِ، وعارية من وَجه حَيْثُ إِنَّه يجب رد عينه على الْمقْرض كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَام على هَذِه الْمَادَّة نقلا عَن رد الْمُحْتَار أول فصل الْقَرْض.
وكالمضاربة، فَإِن المَال عِنْد الْمضَارب أَمَانَة، فَإِذا تصرف فَهُوَ وَكيل، فَإِذا ربح فَهُوَ شريك، فَإِذا فَسدتْ فَهُوَ أجِير إِجَارَة فَاسِدَة، فَإِذا خَالف فَهُوَ غَاصِب. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّلَاثِينَ، صفحة / ٦١) .
وكالاستصناع، فَإِن لَهُ شبها بِالْبيعِ، وشبهًا بِالْإِجَارَة، فَإِنَّهُ إِذا وَقع على مَا جرى فِيهِ تعامل وَلم يُؤَجل أَو أجل دون أجل السّلم على وَجه الاستعجال كَانَ لَهُ شبهان، شبه بِالْبيعِ بِخِيَار للمتبايعين حَتَّى إِن لكل مِنْهُمَا فَسخه، وَشبه بِالْإِجَارَة حَتَّى إِنَّه يبطل بِمَوْت الصَّانِع.
وَثُبُوت الْخِيَار لَهما قبل الْعَمَل لَا خلاف فِيهِ عندنَا، وَأما بعد الْعَمَل فثبوته لَهما هُوَ الصَّحِيح فِي الْمَذْهَب، وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف لُزُومه بِلَا خِيَار لأحد الْمُتَعَاقدين. (ر: الْبَدَائِع، كتاب الاستصناع، والدر الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، أَوَاخِر بَاب السّلم) .
1 / 56
وعَلى هَذَا فَمَا جرت عَلَيْهِ الْمجلة فِي الْمَادَّة / ٣٩٢ / من أَن الاستصناع ينْعَقد لَازِما لَيْسَ مذهبا لأحد من أَئِمَّتنَا، وَمَا ذكرته فِي الْمقَالة الأولى من الْمُقدمَة من أَنَّهَا جرت فِيهَا على قَول أبي يُوسُف لَيْسَ بِصَحِيح، لما سَمِعت من أَنه لَا خلاف لأحد من أَئِمَّتنَا فِي ثُبُوت الْخِيَار لكل مِنْهُمَا قبل الْعَمَل، إِنَّمَا الْخلاف بعد الْعَمَل.
كَمَا إِنَّهَا جرت أَيْضا قبل ذَلِك فِي الْمَادَّة / ٣٨٩ / على مَا ظَاهره بفيد صِحَة الاستصناع فِيمَا لَا تعامل فِيهِ، وَلم أره قولا لأحد فِي الْمَذْهَب، بل الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْمُتُون أَنه لَا يَصح استصناعًا وَلَكِن إِذا استوفى شَرَائِط السّلم يكون سلما.
فَأَما شبه بيع الْوَفَاء بِالْبيعِ الصَّحِيح: (أ) فَمن جِهَة أَنه لَو كَانَ بِالدّينِ كَفِيل فشرى الطَّالِب بِهِ عقار الْمَدْيُون وَفَاء بطلت الْكفَالَة ثمَّ لَا تعود لَو تفاسخا بيع الْوَفَاء. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّامِن عشر، صفحة / ٢٤٧) .
(ب) وَمن جِهَة أَن المُشْتَرِي لَهُ أَن ينْتَفع بِالْبيعِ وَفَاء وَيملك من زوائده مَا قَابل مُدَّة بَقَائِهِ فِي يَده بِحكم البيع، وَلَا يضمنهَا بإتلافها، حَتَّى لَو بَاعَ إِنْسَان بستانًا مثلا وَفَاء ثمَّ فسخ البيع بعد مُضِيّ بعض السّنة تقسم الْغلَّة بِالْحِصَّةِ على اثْنَي عشر شهرا، فَيَأْخُذ المُشْتَرِي حِصَّة مَا مضى سَوَاء كَانَت ظَهرت فِيهِ الْغلَّة أَو لَا، وَلَو لم يخرج الثَّمر أصلا فَلَيْسَ للْمُشْتَرِي أَن يَأْخُذ من البَائِع شَيْئا، وَلَو أدْركْت الْغلَّة وَأَخذهَا المُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ نقض البيع وَطلب الثّمن حَتَّى تتمّ السّنة من وَقت البيع، إِلَّا إِذا أَرَادَ أَن يَأْخُذ من الْغلَّة نصيب مَا مضى وَيتْرك عَلَيْهِ نصيب مَا بَقِي فَلهُ ذَلِك. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّامِن عشر) .
(ج) وَمن جِهَة أَنه يجوز إِجَارَته للْبَائِع بعد الْقَبْض وَتلْزَمهُ الْأُجْرَة، أما لَو آجر قبل قَبضه فقد نقل فِي الْفَصْل الثَّامِن عشر من جَامع الْفُصُولَيْنِ، عَن شيخ الْإِسْلَام برهَان الدّين وَعَن فَوَائِد بعض الْمُتَأَخِّرين وَعَن أبي الْفضل الْكرْمَانِي، أَنه يجوز، وَنقل عَن مُحِيط الديناري أَن الْأَصَح عدم الْجَوَاز وَأَنه بِهِ يُفْتى، وأدلة كل من الْقَوْلَيْنِ مبسوطة هُنَاكَ.
غير أَن الْعرف جارٍ الْيَوْم على إِجَارَته من البَائِع قبل قَبضه، فَلَو أفتى مفتٍ
1 / 57
بِالْجَوَازِ بِنَاء على القَوْل بِهِ كَانَ حسنا، لِأَن هَذَا القَوْل لَيْسَ بضعيف لِأَنَّهُ مُقَابل للأصح فَيكون صَحِيحا، على أَن الْعرف يصلح أَن يكون مُخَصّصا شرعا فِي مثل هَذَا، كَمَا يُسْتَفَاد مِمَّا سَيَأْتِي فِي كلامنا على الْمَادَّة / ٣٦ /.
وَأما شبهه بِالْبيعِ الْفَاسِد: فَمن جِهَة أَن كلا من الْمُتَبَايعين يملك فَسخه واسترداد مَا دَفعه وَإِن لم يرض الآخر.
وَأما شبهه بِالرَّهْنِ: (أ) فَمن جِهَة أَنه لَيْسَ للْبَائِع وَلَا للْمُشْتَرِي بيع مَبِيع الْوَفَاء للْغَيْر إِلَّا بِإِذن الآخر.
(ب) وَأَن الْعقار الْمَبِيع بِالْوَفَاءِ لَا يُؤْخَذ بِالشُّفْعَة.
(ج) وَأَنه لَو بيع عقار بجانبه فَالشُّفْعَة فِيهِ للْمَالِك وَهُوَ البَائِع، لَا للْمُشْتَرِي. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّامِن عشر) .
(د) وَأَنه لَو مَاتَ البَائِع وَفَاء فَلَيْسَ لسَائِر الْغُرَمَاء التَّعَرُّض مَا لم يسْتَوْف المُشْتَرِي دينه.
(هـ) وَأَن الْمَبِيع وَفَاء إِذا هلك فِي يَد المُشْتَرِي من غير تعد مِنْهُ ضمنه ضَمَان الرَّهْن، فَإِن كَانَت قِيمَته مُسَاوِيَة للدّين سقط الدّين بمقابلته، وَإِن كَانَت نَاقِصَة عَن الدّين سقط من الدّين بِقدر قِيمَته واسترد المُشْتَرِي الْبَاقِي من البَائِع، وَإِن كَانَت قِيمَته زَائِدَة على الدّين سقط مِنْهَا مِقْدَار الدّين، وَمَا زَاد من قِيمَته عَن مِقْدَار الدّين يعْتَبر أَمَانَة فِي يَد المُشْتَرِي. فَإِن كَانَ هَلَاك الْمَبِيع بتعد من المُشْتَرِي كَانَ مَا زَاد من الْقيمَة مَضْمُونا عَلَيْهِ أَيْضا. (ر: الْموَاد / ١١٨ و٣٩٦ و٣٩٧ و٣٩٩ و٤٠٣) .
وَلم أر حكم مَا لَو انْتقض بعض الْبناء أَو يبس بعض الْأَشْجَار فِي بيع الْوَفَاء، لمن يكون النَّقْض أَو الْحَطب، وَالظَّاهِر أَنَّهُمَا للْمَالِك، لِأَنَّهُ عين الْمَبِيع أَو وصف فِيهِ وَأَنه مَمْلُوك لَهُ بأجزائه وأوصافه وَلَيْسَ مَنْفَعَة من مَنَافِعه، وَيكون
1 / 58
للْمُشْتَرِي حق حَبسه إِلَى اسْتِيفَاء الثّمن، لِأَنَّهُ شَبيه بِالرَّهْنِ من جِهَة حق الْحَبْس عِنْد المُشْتَرِي وَحقّ الِاسْتِرْدَاد للْبَائِع عِنْد أَدَاء الثّمن.
ويفترق بيع الْوَفَاء عَن الرَّهْن فِي أُمُور: (أ) مِنْهَا أَن بيع الْوَفَاء يَصح فِي الْمشَاع وَلَو كَانَ يحْتَمل الْقِسْمَة.
(ب) وَأَن البَائِع وَفَاء إِذا رد للْمُشْتَرِي نصف الثّمن الَّذِي قَبضه يَنْفَسِخ البيع فِي نصف الْمَبِيع فيتمكن حِينَئِذٍ من بيع النّصْف للْغَيْر بِلَا إجَازَة المُشْتَرِي. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، بيع الْوَفَاء) . وَوَضعه الْمَسْأَلَة فِي النّصْف غير احترازي كَمَا هُوَ ظَاهر.
(ج) وَأَن الْمَبِيع وَفَاء تصح إِجَارَته من البَائِع وَمن غَيره كَمَا تقدم، بِخِلَاف الرَّهْن فَإِن إِجَارَته من الرَّاهِن لَا تصح بل تكون إِعَارَة وللمرتهن اسْتِرْدَاده مِنْهُ وحبسه بِالدّينِ، وَأما إِجَارَته من غير الرَّاهِن فَإِذا بَاشَرَهَا أَحدهمَا من رَاهن أَو مُرْتَهن بِإِذن الآخر خرج بهَا عَن الرَّهْن ثمَّ لَا يعود إِلَّا بِعقد رهن جَدِيد: (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، بَاب التَّصَرُّف فِي الرَّهْن وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ) . وَإِذ خرج عَن الرَّهْن لَا يكون بدل الْإِجَارَة رهنا بدله، لِأَن الْأُجْرَة بدل الْمَنْفَعَة لَا الْعين، بِخِلَاف مَا إِذا بَاعه أَحدهمَا من رَاهن أَو مُرْتَهن بِإِذن الآخر حَيْثُ يخرج من الرَّهْن وَيكون الثّمن رهنا بدله، لِأَنَّهُ بدل الْعين. (ر: الدُّرَر، والدر الْمُخْتَار، بَاب التَّصَرُّف فِي الرَّهْن وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ) .
وَالْفرق بَين إِجَارَة الْمُرْتَهن الرَّهْن للرَّاهِن وَبَين إِجَارَة أَحدهمَا من أَجْنَبِي بِإِذن الآخر - حَيْثُ تكون الْإِجَارَة فِي الأولى عَارِية أَو وَدِيعَة لَا يخرج بهَا عَن الرَّهْن، بل يستعيده مِنْهُ ويحبسه بِالدّينِ، وَفِي الثَّانِيَة يخرج عَن الرَّهْن ثمَّ لَا يعود إِلَّا بِعقد جَدِيد - هُوَ أَن الْإِجَارَة من الْعُقُود اللَّازِمَة، والعقود إِنَّمَا ترَاد وتقصد لأحكامها، وَحكم الْإِجَارَة ملك الْمُسْتَأْجر للِانْتِفَاع بالمأجور وَاسْتِحْقَاق الْمَالِك للأجرة، وكل من الْحكمَيْنِ مُتَوَقف على نَزعه من يَد الْمُرْتَهن وتسليمه للْمُسْتَأْجر، إِذْ بِدُونِ ذَلِك لَا يتَمَكَّن من الِانْتِفَاع وَإِذا لم يتَمَكَّن من الِانْتِفَاع لَا تجب الْأُجْرَة عَلَيْهِ.
1 / 59
فَحَيْثُ بَاشر الْمُرْتَهن هَذَا العقد إِلَى ثَالِث بِإِذن الْمَالِك، وَهُوَ الرَّاهِن، أَو أذن بِهِ للرَّاهِن فَفعله اسْتحق الْمُسْتَأْجر عَلَيْهِ نَزعه من يَده وَوضع يَده عَلَيْهِ بِحكم هَذَا العقد اللَّازِم، وَسقط حَقه فِي حَبسه بِالدّينِ، وَإِذا سقط لَا يعود إِلَّا بِعقد رهن جَدِيد، هَكَذَا ظهر لي فِي وَجه الْفرق، ثمَّ رَأَيْته بِهَذَا الْمَعْنى فِي مَبْسُوط السَّرخسِيّ. (ر: الْمَبْسُوط، كتاب الرَّهْن، بَاب رهن الْحَيَوَان، ج / ٢١ / صفحة / ١٠٨ وَغَيرهَا من الْبَاب الْمَذْكُور) .
بِخِلَاف إِجَارَته من الرَّاهِن، فَإِنَّهُم صَرَّحُوا ببطلانها، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون عين الرَّهْن ملكا لَهُ، وَالْإِنْسَان لَا يُمكن أَن يسْتَأْجر مَا هُوَ ملكه، وَإِذا بطلت كَانَ وجودهَا كَالْعدمِ فَلم يبْق إِلَّا مُجَرّد تَسْلِيم الْمُرْتَهن الرَّهْن للرَّاهِن بِوَجْه غير مُسْتَحقّ عَلَيْهِ وَلَا وَاجِب، وَهَذَا لَا يُوجب سُقُوط حَقه فِي حبس الرَّهْن فَلِذَا كَانَ لَهُ اسْتِرْدَاده مِنْهُ وإعادته إِلَى يَده بِحكم الرَّهْن. إِن هَذِه الْقَاعِدَة تجْرِي فِي كثير من الْعُقُود، غير (١) بيع الْوَفَاء، فتجري: (٢، ٣) بَين الْكفَالَة وَالْحوالَة، (٤) وَبَين البيع وَالْهِبَة، (٥) وَبَين الْهِبَة وَالْإِجَارَة، [(٦) وَبَين الْهِبَة وَالْإِقَالَة]، (٧) وَبَين الْهِبَة وَالْقِسْمَة، (٨) وَبَين الْمُضَاربَة وَالْقَرْض والبضاعة، (٩) وَبَين الصُّلْح وَغَيره من الْعُقُود، (١٠) وَبَين الْوِصَايَة وَالْوكَالَة، (١١) وَبَين الْعَارِية وَالْقَرْض، (١٢) وَبَين الْعَارِية وَالْإِجَارَة، (١٣) وَبَين الْإِقَالَة وَالْبيع فِي حق غير الْمُتَبَايعين، (١٤) وَبَين الشُّفْعَة وَالْبيع، (١٥) وَبَين الْإِقْرَار وَالْبيع، وَكثير غَيرهَا.
٢ - أما الْكفَالَة فَهِيَ ضم ذمَّة إِلَى ذمَّة فِي الْمُطَالبَة، فَإِذا اشْترط فِيهَا بَرَاءَة الْمَدْيُون عَن الْمُطَالبَة تعْتَبر حِوَالَة فَيشْتَرط حِينَئِذٍ فِيهَا مَا يشْتَرط فِي الْحِوَالَة، وَلَا يُطَالب الدَّائِن إِلَّا الْكَفِيل فَقَط، وَلَا يرجع على الْمَكْفُول عَنهُ إِلَّا إِذا توي المَال، أَي هلك، عِنْد الْكَفِيل، وَذَلِكَ بِأَن يجْحَد الْكفَالَة مَعَ عجز الدَّائِن عَن إِثْبَاتهَا وَيحلف عِنْد تَكْلِيف الْحَاكِم لَهُ الْيَمين، أَو يَمُوت الْكَفِيل مُفلسًا، أَو يفلسه الْحَاكِم فَحِينَئِذٍ يرجع الدَّائِن على الْمَدْيُون الْمَكْفُول.
٣ - وَكَذَلِكَ الْحِوَالَة، وَهِي نقل الدّين من ذمَّة الْمُحِيل إِلَى ذمَّة الْمحَال
1 / 60
عَلَيْهِ، فَإِنَّهَا إِذا اشْترط فِيهَا عدم بَرَاءَة الْمُحِيل عَن الْمُطَالبَة تعْتَبر كَفَالَة، فَيشْتَرط فِيهَا مَا يشْتَرط فِي الْكفَالَة، وَيُطَالب الْمحَال كلا من الْمُحِيل والمحال عَلَيْهِ. (ر: الْمَادَّة / ١٤٨ و١٤٩ من الْمجلة) . وَكَذَا لَو ادّعى كَفَالَة وَأقَام شَاهِدين شهد أَحدهمَا بِالْكَفَالَةِ وَشهد الآخر بالحوالة تقبل وَتثبت الْكفَالَة، لِأَنَّهَا أقل، وَهَذَانِ اللفظان جعلا كلفظة وَاحِدَة. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، آخر الْفَصْل الْحَادِي عشر) .
٤ - وَأما الْهِبَة فَإِنَّهَا إِذا شَرط فِيهَا تعويض الْوَاهِب تصح وَتعْتَبر هبة ابْتِدَاء وبيعًا انْتِهَاء، فبالنظر لكَونهَا هبة يشْتَرط لصحتها شُرُوط الْهِبَة، فَلَا تصح من الصَّغِير وَلَو كَانَ الْعِوَض كثيرا. (ر: تأسيس النّظر للدبوسي)، وَكَذَا لَا تصح من وليه وَلَو بعوض مَا. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، كتاب الْهِبَة)، وَيجب فِيهَا التَّقَابُض فِي الْعِوَضَيْنِ، وَلَا تصح فِي مشاعٍ يحْتَمل الْقِسْمَة وَلَا فِيمَا هُوَ مُتَّصِل بِغَيْرِهِ اتِّصَال الْأَجْزَاء أَو مَشْغُول بِغَيْرِهِ، كَمَا لَو وهب الزَّرْع دون الأَرْض أَو الأَرْض دون الزَّرْع أَو الثَّمر دون الشّجر أَو الشّجر دون الثَّمر، لِأَن ذَلِك فِي معنى الْمشَاع، إِلَى غير ذَلِك من شَرَائِط الْهِبَة.
وبالنظر لكَونهَا بيعا لَا يَصح الرُّجُوع فِيهَا، وَيجْرِي فِيهَا الرَّد بِالْعَيْبِ وَخيَار الرُّؤْيَة، وَتُؤْخَذ بِالشُّفْعَة. أما اشْتِرَاط كَون الْعِوَض مَعْلُوما فَفِيهِ خلاف، وَظَاهر مِثَال الْمَادَّة / ٨٥٥ / من الْمجلة اشْتِرَاط علمه.
وَهَذَا التَّفْصِيل فِيمَا إِذا قَالَ الْوَاهِب: وَهبتك بِشَرْط أَن تعوض كَذَا، أما لَو قَالَ: وَهبتك بِكَذَا دَرَاهِم مثلا كَانَت بيعا ابْتِدَاء وانتهاءً. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الْهِبَة) .
٥ - وكما تكون هبة الْعين بِشَرْط الْعِوَض بيعا، على الْوَجْه المشروح، تكون هبة الْمَنْفَعَة بِشَرْط الْعِوَض إِجَارَة. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر لِابْنِ نجيم، كتاب الْبيُوع) .
٦ - وَقد تعْتَبر الْهِبَة إِقَالَة، كَمَا لَو وهب المُشْتَرِي الْمَبِيع الْمَنْقُول من البَائِع قبل قَبضه مِنْهُ كَانَ إِقَالَة إِذا قبل البَائِع الْهِبَة، وَيسْتَرد المُشْتَرِي مِنْهُ حِينَئِذٍ الثّمن،
1 / 61
لِأَن تصرف المُشْتَرِي فِي الْمَنْقُول قبل قَبضه من البَائِع لَا يجوز، فَلَا يُمكن تَصْحِيح الْهِبَة، بل تعْتَبر مجَازًا عَن الْإِقَالَة. (ر: تنوير الْأَبْصَار وَشَرحه الدّرّ الْمُخْتَار، كتاب الْبيُوع، أَوَائِل بَاب التَّصَرُّف فِي الْمَبِيع وَالثمن. وَمن بَاب الْإِقَالَة فِي رد الْمُحْتَار) . وكما لَو وهب رب السّلم الْمُسلم فِيهِ من الْمُسلم إِلَيْهِ وَقبل الْهِبَة كَانَت الْهِبَة إِقَالَة. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، من بَاب السّلم) لِأَن تصرف رب السّلم فِي الْمُسلم فِيهِ قبل قَبضه لَا يَصح فَكَانَ مجَازًا عَن الْإِقَالَة.
وكما تكون الْهِبَة فِي معنى البيع وَالشِّرَاء قد يكون الشِّرَاء هبة، فقد قَالَ فِي الدّرّ الْمُخْتَار (فِي الْفُرُوع آخر متفرقات الْبيُوع، عَن الْمُلْتَقط): شرت لطفلها على أَن لَا ترجع عَلَيْهِ بِالثّمن جَازَ، وَهُوَ كَالْهِبَةِ اسْتِحْسَانًا، وَقَالَ فِي حَاشِيَته، نقلا عَن الْخَانِية: تكون الْأُم مشترية لنَفسهَا ثمَّ يصير هبة مِنْهَا لولدها الصَّغِير وصلَة، وَلَيْسَ لَهَا أَن تمنع المشري عَن وَلَدهَا الصَّغِير.
٧ - وَأما جريانها بَين الْقِسْمَة وَالْهِبَة فَكَمَا لَو أَمر أَوْلَاده أَن يقتسموا أرضه الْفُلَانِيَّة بَينهم وَأَرَادَ بِهِ التَّمْلِيك، فاقتسموها وتراضوا على هَذِه الْقِسْمَة تثبت لَهُم الْملك، وَلَا حَاجَة أَن يَقُول لَهُم جملَة: ملكتكم هَذِه الْأَرَاضِي، وَلَا أَن يَقُول لكل وَاحِد مِنْهُم، مَلكتك هَذَا النَّصِيب المفرز. (ر: رد الْمُحْتَار، عَن التَّتارْخَانِيَّة، قبيل الرُّجُوع فِي الْهِبَة، موضحًا)، وكما لَو اقتسم الْوَرَثَة التَّرِكَة ذُكُورا وإناثًا على السوية صَحَّ بطرِيق الْهِبَة لَا الْإِرْث. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّامِن وَالْعِشْرين، صفحة / ٣٩) .
٨ - وَأما الْمُضَاربَة، فَإِنَّهَا إِذا شَرط فِيهَا أَن يكون كل الرِّبْح للْمُضَارب تعْتَبر قرضا، فَإِذا تلف المَال فِي يَد الْمضَارب يكون مَضْمُونا عَلَيْهِ. وَإِذا شَرط فِيهَا أَن يكون كل الرِّبْح لرب المَال تعْتَبر بضَاعَة - وَهِي: أَن يكون المَال وَربحه لوَاحِد وَالْعَمَل من الآخر - وَيكون المَال حِينَئِذٍ فِي يَد الْقَابِض أَمَانَة. (ر: الْأَشْبَاه والنظائر، كتاب الْبيُوع) .
٩ - وَأما الصُّلْح فَإِنَّهُ يعْتَبر بأقرب الْعُقُود إِلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ إِمَّا أَن يكون الْمُدعى عَلَيْهِ مقرا للْمُدَّعِي بالمدعى بِهِ أَو مُنْكرا
1 / 62
فَفِي حَالَة إِقْرَاره إِن وَقع الصُّلْح عَن مَال بِمَال يَدْفَعهُ الْمُدعى عَلَيْهِ يعْتَبر بيعا، فَيجْرِي فِي الْمُدعى بِهِ الرَّد بِالْعَيْبِ، وَيُؤْخَذ بِالشُّفْعَة إِن كَانَ عقارا. وَإِن وَقع عَن مَال بِمَنْفَعَة يعْتَبر إِجَارَة. وَإِن كَانَ الصُّلْح عَن دَعْوَى النِّكَاح يعْتَبر خلعًا فتجري فِيهِ أَحْكَام الْخلْع.
وَفِي حَالَة إِنْكَار الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا تصالحا على بدل يَدْفَعهُ الْمُدَّعِي يكون ذَلِك فِي حَقه صلحا مَحْضا لقطع الْمُنَازعَة، فَلَا يُمكنهُ بعد عقد الصُّلْح أَن يرد الْمُدعى بِهِ، أَي الْمصَالح عَنهُ، بِالْعَيْبِ، وَلَا يُؤْخَذ بِالشُّفْعَة لَو كَانَ عقارا. أما فِي حق الْمُدعى عَلَيْهِ الْمُنكر، وَهُوَ الَّذِي قبض بدل الصُّلْح، فَإِن رَجَعَ عَن إِنْكَاره وَصدق الْمُدَّعِي أَو لم يرجع وَلَكِن برهن الْمُدَّعِي على دَعْوَاهُ كَانَ فِي حَقه أَيْضا بيعا فتترتب عَلَيْهِ أَحْكَام البيع من الرَّد بِخِيَار الرُّؤْيَة وَالْعَيْب وَالْأَخْذ بِالشُّفْعَة لَو كَانَ الْبَدَل عقارا. (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الثَّلَاثِينَ، صفحة / ٦٧) . وَهَذَا لَا يظْهر إِلَّا فِيمَا إِذا كَانَ دَافع الْبَدَل هُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ صلحا مَحْضا كَمَا هُوَ ظَاهر. (ر: التَّنْبِيه الأول وَالثَّانِي الْآيَتَيْنِ فِي الْكَلَام على هَذِه الْقَاعِدَة) .
١٠ - وَأما الْوِصَايَة وَالْوكَالَة فَكَمَا لَو أوصى الْإِنْسَان غَيره بِبيع شَيْء من مَاله فَإِن ذَلِك يكون وكَالَة، وَلَو وَكله بتنفيذ وَصيته بعد مَوته يكون ذَلِك وصاية. (ر: الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّة) .
١١ - وَكَذَلِكَ الْعَارِية وَالْقَرْض، فَإِن إِعَارَة مَا يجوز قرضه، كالنقود والمثليات، تعْتَبر قرضا. (ر: الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة) . وَكَذَا قرض مَا لَا يجوز قرضه، كالقيمي، يعْتَبر عَارِية، لَكِن من جِهَة أَنه يجب رد عينه لَا من جَمِيع الْوُجُوه، لِأَنَّهُ فِي هَذِه الصُّورَة يملك بِالْقَبْضِ وَيكون مَضْمُونا كالقرض الْمَحْض. (ر: رد الْمُحْتَار، أول الْقَرْض) . ١٢ - وَأما جريانها بَين الْعَارِية وَالْإِجَارَة فَكَمَا لَو قَالَ رجل لآخر: أعرتك دَاري هَذِه مثلا شهرا بِكَذَا كَانَ إِجَارَة. (ر: تنوير الْأَبْصَار وَشَرحه، أَوَائِل كتاب الْإِجَارَة) .
١٣ - وَأما جريانها بَين الْإِقَالَة وَالْبيع فَكَمَا لَو بَاعَ الْمَوْهُوب لَهُ الْعين
1 / 63
الْمَوْهُوبَة من آخر ثمَّ تقايل مَعَه البيع وعادت الْعين الْمَوْهُوبَة إِلَى يَده فَلَيْسَ للْوَاهِب الرُّجُوع فِي الْهِبَة، لِأَن تقايل الْمَوْهُوب لَهُ البيع مَعَ المُشْتَرِي مِنْهُ بِمَنْزِلَة بيع جَدِيد فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ من مُشْتَرِيه. (ر: تنوير الْأَبْصَار وَشَرحه، من الْإِقَالَة) . وَهُنَاكَ فروع كَثِيرَة تُؤْخَذ من الْمحل الْمَذْكُور.
١٤ - وَأما جريانها بَين الشُّفْعَة وَالْبيع فَكَمَا سَيَأْتِي فِي التَّنْبِيه آخر الْقَاعِدَة / ٧١ / القائلة: " لَا عِبْرَة بِالظَّنِّ الْبَين خَطؤُهُ " فِي الْمَسْأَلَة الْخَارِجَة عَنْهَا.
١٥ - وَأما جريانها بَين الْإِقْرَار وَالْبيع فَلَمَّا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، فِي الْفَصْل الموفي عشْرين: " الْإِقْرَار المقرون بِالْعِوَضِ تمْلِيك مُبْتَدأ، فَإِن من قَالَ لآخر: أقرّ لي بِهَذَا، لشَيْء فِي يَده، حَتَّى أُعْطِيك مائَة مثلا كَانَ بيعا، حَتَّى لَو قَالَ: إِلَى الْحَصاد لم يجز ". أَي يفْسد لتأجيل الثّمن إِلَى أجل مَجْهُول.
(تَنْبِيهَات)
التَّنْبِيه الأول: إِن ذكر لفظ الْعُقُود فِي هَذِه الْقَاعِدَة لَيْسَ لإِفَادَة أَن اعْتِبَار الْمَقَاصِد والمعاني لَا يجْرِي إِلَّا فِي الْعُقُود بل جَريا على الْغَالِب، وَإِلَّا فَإِن الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة تجْرِي فِي غير الْعُقُود، كالدعاوى.
قَالَ الإِمَام أَبُو الْحسن الْكَرْخِي فِي رِسَالَة الْأُصُول: " الأَصْل أَنه يعْتَبر فِي الدَّعَاوَى مَقْصُود الْخَصْمَيْنِ فِي الْمُنَازعَة دون الظَّاهِر ". وَقَالَ الإِمَام أَبُو حَفْص النَّسَفِيّ فِي شَرحه للرسالة: " من مسَائِل هَذَا الأَصْل: (أ) أَن الْمُودع إِذا طُولِبَ برد الْوَدِيعَة فَقَالَ: رَددتهَا عَلَيْك، فَقَالَ الْمُودع: لم تردها، فَالْقَوْل قَول قَابل الْوَدِيعَة مَعَ أَنه يَدعِي خلاف الظَّاهِر بقوله رددت، وَذَلِكَ لِأَن الْمَقْصُود هُوَ الضَّمَان وَهُوَ مُنكر لَهُ فَكَانَ القَوْل قَوْله ".
(ب) وَمثله مَا فِي الرسَالَة الْمَذْكُورَة أَيْضا، من أَن الْمُودع الْمَأْمُور بِدفع الْوَدِيعَة لفُلَان إِذا قَالَ: دفعتها لَهُ، وَقَالَ فلَان: مَا دَفعهَا إِلَيّ، فَالْقَوْل قَول الْمُودع فِي بَرَاءَة نَفسه لَا فِي إِيجَاب الضَّمَان على فلَان بِالْقَبْضِ.
1 / 64
(ج) وَمِنْهَا مَا لَو ادّعى رجلَانِ نِكَاح امْرَأَة ميتَة وَأقَام كل مِنْهُمَا الْبَيِّنَة وَلم يؤرخا، أَو أرخا تَارِيخا متحدًا، فَإِنَّهُ يقْضى بِالنِّكَاحِ بَينهمَا، وعَلى كل مِنْهُمَا نصف الْمهْر، ويرثان مِنْهَا مِيرَاث زوج وَاحِد. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار، كتاب الدَّعْوَى، دَعْوَى الرجلَيْن) لَان الْمَقْصُود من دَعْوَى النِّكَاح بعد مَوتهَا الْإِرْث فَكَانَت الدَّعْوَى دَعْوَى مَال وَلَا مَانع من اشتراكهما فِي المَال.
أما لَو كَانَت حَيَّة وَأقَام كل مِنْهُمَا الْبَيِّنَة وَلَا مُرَجّح لإحدى الْبَيِّنَتَيْنِ بسبق تَارِيخ أَو دُخُوله بِالْمَرْأَةِ أَو غَيره من المرجحات الْمَذْكُورَة هُنَاكَ فَإِنَّهُ لَا يقْضى لأحد مِنْهُمَا، لِأَن الْمَقْصُود حِينَئِذٍ نفس النِّكَاح وَالشَّرِكَة فِيهِ لَا تكون. (ر: مَا سَيَأْتِي تَحت الْمَادَّة / ١٣ / من الْمجلة) .
(د) وَمِنْهَا مَا لَو ادّعى اثْنَان عينا، كل يَدعِي أَن كلهَا رهن عِنْده من فلَان بِدِينِهِ، وَفُلَان ميت، وبرهنا، فَإِنَّهُ يقْضى لكل مِنْهُمَا بِنِصْفِهَا رهنا عِنْده سَوَاء كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا أَو يَد غَيرهمَا، لِأَن دعواهما الرَّهْن - والراهن ميت - يكون الْمَقْصُود مِنْهَا الِاسْتِيفَاء من ثمن الْعين بِالْبيعِ، والشائع يقبله، بِخِلَاف مَا إِن كَانَ الرَّاهِن حَيا فَإِن الْمَقْصُود حِينَئِذٍ حكم الرَّهْن، وَهُوَ حبس الْعين، والشائع لَا يقبله. (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، والدرر، من بَاب مَا يَصح رَهنه وَمَا لَا يَصح) .
(هـ) وَمن مسَائِل الدَّعَاوَى أَيْضا فِي هَذَا الأَصْل: مَا لَو ادّعى الْمُتَوَلِي دفع الْغلَّة للمستحقين من ذُرِّيَّة الْوَاقِف، وهم يُنكرُونَ، فَالْقَوْل للمتولي مَعَ أَنه يَدي خلاف الظَّاهِر، لِأَنَّهُ يَدعِي بَرَاءَة ذمَّته وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة.
(و) وَمِنْهَا مَا سَيَأْتِي، فِي مستثنيات الْمَادَّة / ١١ /، من انه لَو قَالَ الْوَكِيل بِالْبيعِ بعد علمه بِالْعَزْلِ، وَالْمَبِيع مستهلك، بِعْت وسلمت قبل الْعَزْل، وَقَالَ الْمُوكل: بعد الْعَزْل، فَالْقَوْل للْوَكِيل مَعَ أَنه يَدعِي خلاف الظَّاهِر بِإِضَافَة الْحَادِث إِلَى أبعد أوقاته، لِأَن الْمَقْصُود من الدَّعْوَى بعد هَلَاك الْعين تَضْمِينه، وَهُوَ يُنكر سَبَب الضَّمَان. وَكَذَلِكَ بَقِيَّة مستثنيات الْمَادَّة / ١١ / الْمَذْكُورَة، فَإِنَّهَا من فروع هَذَا الأَصْل، لاعْتِبَار الْمَقْصُود من الدَّعْوَى فِيهَا.
1 / 65
(التَّنْبِيه الثَّانِي)
: يذكرُونَ أَن الصُّلْح يعْتَبر بأقرب الْعُقُود إِلَيْهِ، كَمَا ذكرنَا فِي البند ٩ من تطبيقات هَذِه الْقَاعِدَة، بِمَعْنى أَنه إِن كَانَ فِيهِ معنى البيع بِأَن وَقع عَن مَال بِمَال يعْتَبر بيعا، وَإِن كَانَ فِيهِ معنى الْإِجَارَة بِأَن وَقع عَن مَال بِمَنْفَعَة يعْتَبر إِجَارَة، وَهَكَذَا. وَأما إِذا لم يكن تطبيقه على عقد من الْعُقُود الْمَعْرُوفَة فَإِنَّهُ يبْقى صلحا مَحْضا لقطع الْمُنَازعَة.
وَلَكِن قد يَقع الصُّلْح على صُورَة تكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى أحد المتصالحين فِي معني البيع مثلا، وبالنسبة إِلَى الآخر صلحا مَحْضا لِأَنَّهَا لَيست مُبَادلَة فِي زَعمه ودعواه، كَمَا لَو تصالحا، وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ مُنكر، على أَن يدْفع الْمُدَّعِي إِلَى الْمُدعى عَلَيْهِ مَالا معينا وَيَأْخُذ مِنْهُ الْعين الْمُدعى بهَا فَهَذَا فِي زعم الْمُدَّعِي صلح مَحْض وَلَيْسَ مُبَادلَة، لِأَنَّهُ اسْتردَّ عين مَاله الَّذِي يَدعِيهِ، وَفِي زعم الْمُدعى عَلَيْهِ الْمُنكر لدعوى الْمُدَّعِي هُوَ بيع.
فَفِي أَمْثَال هَذِه الْحَالة هَل يعْتَبر عقد الصُّلْح على حسب زعم الْمُدَّعِي، فَإِن كَانَ فِي زَعمه مُبَادلَة مَالِيَّة اعْتبر بيعا وَإِجَارَة وأجريت فِيهِ أَحْكَام البيع وَالْإِجَارَة، وَإِن كَانَ صلحا مَحْضا اعتبرناه صلحا؟ أَو هَل نعتبره على حسب زعم الْمُدعى عَلَيْهِ؟ أَو هَل نعتبر زعم كل وَاحِد على حِدة بِحَيْثُ لَو كَانَ الصُّلْح فِي زعم أحد المتصالحين مُعَاوضَة وَفِي زعم الآخر صلحا مَحْضا أَخذنَا كلا بِزَعْمِهِ واعتبرناه فِي حَقه على خلاف مَا نعتبره فِي حق رَفِيقه؟
هَذَا مَا توقفنا فِيهِ، وَلم نر للفقهاء تَصْرِيحًا شافيًا فِيهِ. وَالَّذِي ظهر لنا بعد طول الْبَحْث، استنباطًا من بعض تصريحاتهم وانطبقت عَلَيْهِ الْفُرُوع المنقولة وتوجيهاتها: أَنه فِيمَا بَين المتصالحين أَنفسهمَا يعْتَبر عقد الصُّلْح على الصّفة الَّتِي يقتضيها زعم الْمُدَّعِي دون زعم الْمُدعى عَلَيْهِ، وَأما فِيمَا بَين كل وَاحِد مِنْهُمَا وثالث خَارج، كالشفيع، فيؤاخذ كل وَاحِد من المتصالحين بِزَعْمِهِ على حِدة، سَوَاء أَكَانَ فِي عقد الصُّلْح مُدعيًا أَو مدعى عَلَيْهِ.
يُوضح ذَلِك مَا جَاءَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، فِي الْفَصْل السَّادِس عشر مِنْهُ
1 / 66
نقلا عَن فَتَاوَى رشيد الدّين، مَا نَصه: " لَو صَالح عَن الدَّار المدعاة فَاسْتحقَّ الدَّار فالمدعى عَلَيْهِ يَأْخُذ من الْمُدَّعِي مَا دفع إِلَيْهِ، أما لَو كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ مقرا فَظَاهر، لِأَنَّهُ يصير مُشْتَريا فَيرجع إِذا اسْتحق، وَأما لَو كَانَ مُنْكرا فَيرجع أَيْضا، إِذْ الصُّلْح جَوَازه على زعم الْمُدَّعِي، وزعمه بِأَنَّهُ بَاعه، فَإِذا اسْتحق يرجع، وَأما لَو دفع الْمُدَّعِي شَيْئا إِلَى ذِي الْيَد وَأخذ الدَّار مِنْهُ فَاسْتحقَّ الدَّار لَا يرجع الدَّافِع بِمَا دفع، إِذْ الْمُدَّعِي يزْعم: إِنِّي آخذ حَقي وَإِنَّمَا أدفَع المَال لقطع خُصُومَة، فَلَا يصير الْمُدَّعِي مُشْتَريا فَلَا يرجع ". فقد اعْتبر زعم الْمُدَّعِي فَقَط فِيمَا بَينه وَبَين الْمُدعى عَلَيْهِ وأهمل زعم الْمُدعى عَلَيْهِ، مَعَ أَنه فِي صُورَة مَا إِذا كَانَ دَافع الْبَدَل هُوَ الْمُدَّعِي، وَكَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ مُنْكرا، يكون الصُّلْح بيعا فِي زعم الْمُدعى عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهر وَمَعَ ذَلِك لم يثبتوا للْمُدَّعِي حق الرُّجُوع عَلَيْهِ ومؤاخذته بِزَعْمِهِ.
وَجَاء فِي شرح النقاية للقهستاني، فِي كتاب الصُّلْح مِنْهُ، فِيمَا إِذا كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ غير مقرّ وَكَانَ هُوَ دَافع بدل الصُّلْح مَا لَفظه: " فَلَا شُفْعَة للشَّرِيك وَغَيره على الْمُدعى عَلَيْهِ فِي صلح عَن دَار، لِأَنَّهُ زاعم أَنه على أصل حَقه، وَلَا يلْزم زعم الْمُدَّعِي، لِأَن الْمَرْء لَا يُؤَاخذ إِلَّا بِزَعْمِهِ ". فقد اعْتبر هُنَا زعم الْمُدعى عَلَيْهِ فِيمَا بَينه وَبَين الْأَجْنَبِيّ الْخَارِج، وَهُوَ الشَّفِيع، فَلم يثبتوا لَهُ حق الشُّفْعَة، لِأَن هَذَا الصُّلْح فِي زعم الْمُدعى عَلَيْهِ لَيْسَ مُعَاوضَة مَالِيَّة، لِأَنَّهُ لما كَانَ مُنْكرا لدعوى الْمُدَّعِي لم بكن اعْتِبَاره بِدفع الْبَدَل مُشْتَريا، بل قَاطعا للنزاع ومستبقيا لملكه، وَلَو كَانَ زعم الْمُدَّعِي مُعْتَبرا، وَالْحَالة هَذِه، دون زعم الْمُدعى عَلَيْهِ لَوَجَبَتْ الشُّفْعَة للشَّفِيع على الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الدَّار الْمصَالح عَنْهَا، لِأَن هَذَا الصُّلْح فِي زعم الْمُدَّعِي الْقَابِض للبدل بيع.
وَقد جَاءَت الْمَادَّة / ١٥٥٠ / من الْمجلة على نَحْو مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، وَشرح النقاية للقهستاني، وَشرح التَّنْوِير، منطبقة على مَا ذكرنَا ومؤيدة لَهُ.
وَإِنَّمَا لم يعْتَبر فِيمَا بَين المتصالحين أَنفسهمَا زعم كل وَاحِد مِنْهُمَا لِأَن زعميهما متنافيان إِيجَابا وسلبًا، فَمَا يَقْتَضِيهِ زعم أَحدهمَا يَنْفِيه زعم الآخر، فَوَجَبَ الِاقْتِصَار على أحد الزعيمين فِي مصير عقد الصُّلْح.
1 / 67