Explanation of al-Tahawi's Creed by Saleh Al-Sheikh
شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل
Nau'ikan
فإذًا نقول: إنّ ربنا ﷿ مَنَّ على عباده المؤمنين فوفّقهم، أَعَانَهُم، سَدَّدَهُم، هَيَّأَ لَهُمْ الأسباب التي توصلهم إلى الخير، حبَّبَ لهم العلم، حبّب لهم الجهاد، حبّب لهم الحكمة، حبّب لهم الأمر والنهي، حبّب لهم أهل الخير إلى آخره، حبّب لهم كتاب مثل ما جاء.
وهذا التوفيق درجات أيضًا ففي البداية يكون فتح باب:
- وبعض الناس إذا انْفَتَحَ له باب التوفيق نَفْسُهُ فيها قُبح فتنازعه للشر فيكون بين هذا وهذا.
- وآخر نَفْسُهُ فيها خير، فَمِنَ الخير الذي معه أنَّهُ ينتقل من توفيقٍ إلى توفيقٍ أعظم منه حتى يصل بسبب عمله أنَّ الله ﷿ يُنْعِمْ عليه بتوفيقٍ زائد ثم بتوفيقٍ زائد ثم بتوفيقٍ زائد، مثل ما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره «وما تقرّب إلي عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه -يعني وُفِّقَ في سمعه- الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها» (١) هذا كله توفيق، مزيد إعانة في هذه الجوارح، الجوارح هذه هي التي عليها الحساب والتي يُحَاسب العبد على ما صنعت جوارحه.
إذًا فحقيقة إضلال الله ﷿ من شاء ليست جبرًا، وهداية الله ﷿ من شاء ﷾ ليست جبرًا.
وإنما العبد عنده آلات، خوطب بالتكليف وعنده الآلات، ولو كانت جبرًا لصارت التكاليف -بعث الرسل، إنزال الكتب، الأمر والنهي، الجهاد- لكان كل ذلك عبثًا.
والله ﷿ منزّه عن العبث؛ لأنَّ العبث سلب الحكمة وشر والله ﷿ الشر ليس إليه، لا في ذاته ولا في أفعاله ولا في صفاته ﷿ ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء:١٧-١٨] .
فالله ﷾ مُنَزَّهٌ عن العبث.
يُضلِ ْجبرًا ويسلب العبد الاختيار بالمرة ثم يُحَاسبه ويُنْزِل عليه الكتب ويرسل الرسل ويأمره بالتكاليف كيف يكون ذلك؟
يكون كالغريق الذي يقال له: (٢) إياك أن تبتل بالماء.
: [[الشريط التاسع عشر]]:
وهذا العياذ بالله هو حقيقة قول الجبرية الذين قال قائلهم:
ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال له ****** إيّاكَ إيّاك أن تبتلّ بالماء
وهذا يُنَزَهُ عنه الحكيم الخبير ﷻ.
فمن عَرَفَ صفات الله ﷿ وعَلِمَ حكمته، فإنَّ القول بالجبر في حقيقة الأمر إبطال للتكاليف أو رجوع إلى أفعال الله ﷿ بأنها لعب ولا حكمة فيها ولا تُوافق غاياتٍ محمودة، والله ﷿ منزه عن ذلك.
(١) البخاري (٦٥٠٢)
(٢) انتهى الشريط الثامن عشر.
1 / 250