Explanation of Al-Muharrar in Hadith - Abdul Mohsin Al-Abbad
شرح المحرر في الحديث - عبد المحسن العباد
Nau'ikan
الدرس الأول: [بيان السنة وتدوينها وكذلك تدوين أحاديث الأحكام]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين أما بعد:
فنبدأ مستعينين الله بتدريس كتاب المحرر في احاديث الأحكام للشيخ محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي ﵀ وقبل أن نبدأ بالكلام على هذه الأحاديث في هذا الكتاب نقدم لذلك بكلمة تتعلق ببيان السنة وتدوينها وكذلك تدوين أحاديث الأحكام، أقول: إن أعظم نعمة أنعم الله بها على أهل الأرض في آخر الزمان أن بعث فيهم رسوله الكريم محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فدل أمته على كل خير وحذرها من كل شر، ما ترك أمرًا يقرب إلى الله إلا ودل الأمة عليه وما ترك أمرًا يباعد من الله إلا حذر الأمة منه، فصلوات الله وبركاته وسلامه عليه، وقد جاء بشريعة متصفة بصفات ثلاث صفة البقاء والخلود، وصفة العموم والشمول، وصفة الكمال فهي باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها كما جاء في الحديث عن رسول الله ﷺ في صحيح مسلم وغيره أنه قال: «ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس» فإن هذا فيه أن الشريعة باقية إلى قيام الساعة وأيضا نبينا محمد ﷺ ختم الله به الأنبياء وختم به رسالة الرسالات فهي رسالة مستمرة باقية فمن صفاتها الخلود والبقاء ومن صفاتها العموم والشمول فإنها عامة للثقلين الجن والإنس فكل إنسي وجني من حين بعثته إلى قيام الساعة فإنه من أمة محمد ﷺ أمة الدعوة الذين يلزمهم ومطلوب منهم أن يدخلوا في هذا الدين الحنيف الذي جاء به الرسول الكريم ﵊، والأمة أمتان أمة دعوة وأمة إجابة، أمة دعوة وهم كل إنسي وجني من حين بعثته إلى قيام الساعة وأمة إجابة وهم الذين وفقهم الله في الدخول في دينه الحنيف،
1 / 1
وقد جمع الله بين الأمتين في قوله ﷿: (والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) فإن قوله: (والله يدعوا إلى دار السلام) يعني كل أحد حذف المفعول وذلك أن كلٌّ مدعوٌّ إلى دار السلام ما أحد يدعى وأحد لا يدعى وإنما الكل مدعوّ وقد قال الله لنبيه ﷺ: (وإنك لتهدي إلى صراط المستقيم) فالدعوة العامة والهداية خاصة ثم قال: (ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) وهم الذين وفقهم في الدخول لهذا الدين الحنيف فإذًا هذا فيه أن هذه الرسالة شاملة للثقلين الجن والإنس وقد قال ﵊ في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار» فذكَر اليهود والنصارى وأنهم من أمة محمد ﷺ أمة الدعوى وأنه بعد بعثة الرسول ﷺ لا ينفعهم أن يقولوا أنهم من أتباع موسى أو أتباع عيسى وإنما بعد بعثته ﷺ فإن الشرائع نسخت ولم يبقى إلا شريعة نبينا محمد ﵊، واليهود والنصارى الذين هم أهل كتاب وأصحاب رسالة وأنهم أرسل عليهم لا ينفعهم أن نقول بعد بعثة محمد ﷺ أنهم أتباع موسى أو أنهم أتباع عيسى وإنما الواجب على كل إنسي وجني أن يستسلم وينقاد ويدخل في هذا الدين الحنيف الذي جاء به الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأما صفة الكمال فإنها كاملة لا نقص فيها لا تحتاج إلى إضافات ولا تحتاج إلى محدثات ولا تحتاج إلى بدع وإنما الله تعالى أكملها وتوفي الرسول ﷺ وقد ترك الناس على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك والله تعالى قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، فمن زعم كما جاء عن مالك بن أنس ﵀: من زعم أن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة، لأن الرسول ﵊ بلغ البلاغ المبين ولم يجعل الناس في حاجة إلى أمور محدثة يأتي بها الناس ويضيفونها إلى شرع الله وقد قال ﷺ في الحديث المتفق على صحته «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي رواية لمسلم «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» فإن كل عمل لا يكون نافعا عند الله إلا إذا توفر فيه شرطان: الإخلاص والمتابعة، الإخلاص لله وحده والمتابعة للرسول ﷺ وهذا هو معنى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، لأن معنى أشهد أن لا إله إلا الله الإخلاص، ومعنى وأشهد أن محمدا رسول الله المتابعة له وأنه لا يعول على شيء إلا ما جاء به ﵊ وما بعثه الله به ﵊، إذا هذه صفات ثلاث اتصفت به هذه الشريعة شريعة نبينا محمد ﷺ وهي البقاء والخلود، والعموم والشمول، والكمال والتمام.
1 / 2
ثم إن سنة الرسول ﵊ هي وحي من الله كما أن القرآن وحي من الله إلا أن القرآن وحي متعبد بتلاوته والعمل به، وأما السنة فإنه متعبد بالعمل بها وهي وحي من الله لأن القرآن وحي وقد قال الله ﷿: (وما ينطق عن الهوى (٣) إن هو إلا وحي يوحى) وقال ﷺ في أحاديث عديدة أُمرت بكذا ونُهيت عن كذا، فإذا قال الرسول أمرت بكذا ونهيت عن كذا فالآمر الناهي هو الله وهذا يبن لنا أن السنة من الله وأنها ليست من عند الرسول ﷺ وإنما هي من عند الله وإنما الرسول أوحيت له السنة كما أوحي إليه القرآن وكذلك جاء في الحديث الطويل الذي رواه البخاري في صحيحه والذي فيه كتاب أبي بكر إلى أنس بن مالك ﵄ في بيان فرائض الصدقة وفي أوله «هذه فريضة الصدقة التي فرضها الله على عباده والتي أمر الله بها رسوله» وهذا الحديث الطويل الذي فيه زكاة الأنصبة من الإبل والبقر والغنم وكذلك مقدار الزكاة في كل نوع من أنواع الأموال الزكوية كله يبين لنا أن السنة وحي من الله وأنها ليست من عند الرسول ﷺ وأن الأخذ بها لازم كالقرآن ومعلوم أن من قال أنه يأخذ بالكتاب ولا يأخذ بالسنة فإنه يقال له كيف يصلي الإنسان لأنه ما جاء في القرآن أن الظهر أربع ركعات والعصر أربع ركعات والمغرب ثلاث ركعات والعشاء أربع ركعات والفجر ركعتين هذا لا يوجد في القرآن وإنما جاء في السنة، فالذي يزعم أنه يأخذ بالقرآن دون السنة فهو منكر للكتاب والسنة وجاحد للكتاب والسنة لأنه لابد من الأخذ بالكتاب ولابد من الأخذ بالسنة ولهذا جاء عن عبدالله بن مسعود ﵁ لما قال: لعن الله النامصة والمتنمصة وكذا، قال: مالي لا ألعن من لعنه الله وهو موجود في كتاب الله، فقالت امرأة: إني قرأت المصحف من أوله إلى آخره فما وجدت هذا الذي تقول - يعني ما وجدت أن النامصة والمتنمصة ملعونة- قال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه قال الله ﷿: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) فالسنة كلها داخلة في قوله: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) ولهذا يأتي في القران آيات كثيرة تدل على لزوم اتباع ما جاء به الرسول ﵊ وأنه يؤخذ بما جاء عن الله والرسول وهو ما جاء في الكتاب والسنة كما قال الله ﷿: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم) ويقول: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) ويقول: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) فإذًا السنة هي وحي من الله ومن زعم أنه يأخذ بالقرآن دون السنة فإنه غير آخذ بالكتاب ولا بالسنة.
1 / 3
ثم إن السنة تطلق أربعة إطلاقات:
تطلق إطلاق عاما على كل ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة فإنه داخل في سنة الرسول ﷺ أي طريقته ومنهجه ومن أدلة ذلك قوله ﷺ: «من رغب عن سنتي فليس مني» من رغب عن سنته أي الكتاب والسنة فمن رغب عن الكتاب والسنة فليس من الرسول ﷺ في شيء.
والإطلاق الثاني السنة بمعنى الحديث وهذا فيما إذا عطفت على القرآن وإذا عطفت على الكتاب كما في قول الرسول ﷺ: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي» فإنه لما عطفت السنة على الكتاب عرف أن المراد بالسنة الحديث وكذلك إذا قال شراح الحديث وكتاب الفقه هذه المسألة دل عليها الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله عز وكل كذا، وأما السنة فقول الرسول ﷺ كذا، وأما الإجماع فقد حكى الإجماع فلان على كذا وكذا فإذا عطفت السنة على الكتاب يراد بها حديث الرسول ﷺ.
والإطلاق الثالث السنة في مقابل البدعة ومن أمثلة ذلك قوله ﷺ: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة» فإن في هذا حث على السنة بقوله «فعليكم بسنتي» ثم بعد ذلك تحذير من البدع في قوله ﷺ: «وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة»، فإذًا السنة تطلق في مقابل البدعة وأن ما جاء به الرسول ﷺ في الكتاب والسنة هذا هو السنة وما جاء بخلاف ذلك وما جاء مبتدعا ومضافا إلى الشريعة وهي لم تأتي به فإن هذا من البدع المحدثة.
والإطلاق الرابع وهو في اصطلاح الفقهاء وهو بمعنى المندوب والمستحب الذي ليس بفرض وليس بواجب وليس بمتعين فإن الأوامر منها ما هو على سبيل الإلزام وهي الفرائض ومنها ما هو على سبيل الاستحباب وهي النوافل فالفرائض مثل الصلوات الخمس هذه فرائض محتمة في اليوم والليلة، وأما الرواتب فهي كالسنن القبلية والسنن البعدية وكذلك صلاة الضحى وقيام الليل، فهذه كلها من النوافل والإنسان يحرص على أن يأتي بالفرائض ويأتي بالنوافل لكن النفل يطلق عليه سنة يعني إذا قال الفقهاء يسن كذا معناه ليس بواجب وإذا قالوا يندب كذا معناه أنه ليس بواجب وإذا قالوا يستحب كذا معناه أنه ليس بواجب، إذًا هذه أربعة معاني لإطلاق لفظ السنة.
1 / 4
ثم إن سنة الرسول ﵊ قد حصل تدوينها في أواخر عهد الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم واتسع التدوين في القرن الثالث الهجري، فإن الكتب الستة التي هي صحيح البخاري وصحيح مسلم والسنن الأربعة لأبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجه كلها في القرن الثالث الهجري وهذه الكتب هي الكتب المشهورة التي اشتهرت والتي حصل عليها التعويل والتي حصل خدمتها في متونها وأسانيدها ورجالها، حصل عناية خاصة بهذه الكتب، وهذه الكتب مشتملة على الأحكام وعلى غير الأحكام، مشتملة على العقائد مثل: البخاري ومسلم في كتاب الإيمان، وقد بدئ كتاب البخاري بكتاب الإيمان وكتاب مسلم بكتاب الإيمان وقبل كتاب الإيمان باب في بدء الوحي على رسول الله ﵊، فهذه الكتب اشتملت على أحاديث الأحكام وعلى غير أحاديث الأحكام، وأما كتب السنن الأربعة فإنها مشتملة على الأحكام ولهذا يعني أبو داود والترمذي والنسائي كل منهم بدأ سننه بكتاب الطهارة التي هي أول ما يتعلق بالأحكام وذلك أن الأحكام عبادات ومعاملات فالعبادات صلاة وزكاة وصيام وحج والصلاة لا تصح إلا بطهارة وهي شرط من شروط الصلاة والشرط يتقدم على المشروط ويكون موجودا قبله فلهذا بدؤوا كتبهم بكتاب الطهارة ثم أتوا بعد ذلك بكتاب الصلاة ثم بعد أن ينتهون من العبادات يأتون بالمعاملات التي هي البيوع والإجارة والنكاح والطلاق والعتق والرق والأطعمة والأشربة وغير ذلك من سائر الكتب التي متعلقة بالأحكام، وعلى هذا فإن الأحاديث النبوية بدأ تدوينها وهي مشتملة على الأحكام ولكنها بالأسانيد وهذا في العصر الأول يعني القرون الثلاثة كانت مبنية على الأسانيد وكذلك بعده بسنوات مبنية على الأسانيد
1 / 5
وبعد ذلك صار التأليف بإثبات المتون دون الأسانيد مثل ما حصل في أزمان متأخرة فإن أحاديث الأحكام ألف فيها مؤلفون فقد ألف فيها عبدالغني المقدسي المتوفى سنة (٦٠٠ هـ) ألف فيها كتابه عمدة الأحكام وهو مقتصر على الأحاديث المتفق على صحتها عند البخاري ومسلم، ثم جاء بعده ابن تيمية المجد جد شيخ الإسلام ابن تيمية وهو عبدالسلام وألف كتابه منتقى الأخبار وكانت وفاته سنة (٦٥٢ هـ)، ثم جاء بعد ذلك ابن دقيق العيد المتوفى سنة (٧٠٢ هـ) وألف كتابه الإلمام في أحاديث الأحكام، ثم جاء بعده محمد ابن عبدالهادي صاحب المحرر الذي ندرسه ألف كتابه المحرر في أحاديث الأحكام، ثم جاء بعد ذلك الحافظ ابن حجر وألف كتابه بلوغ المرام من أدلة الأحكام وهذه كلها يذكر الصحابي ويذكر الحديث ويذكرون من خرج هذه الأحاديث فيقول رواه البخاري ومسلم أو رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه أو رواه ابن خزيمة وفلان وفلان هذه طريقتهم كانت كتب مختصرة يذكرون فيها المتون دون الأسانيد حتى يسهل حفظها ويسهل تناولها ولهذا فإن التأليف في أحاديث الأحكام جاء على الأسانيد والمتون كما حصل ذلك في الكتب الستة وغيرها وجاء بعد ذلك في أزمان متأخرة من سنة ستمائة وما بعدها ألَّف هؤلاء الذين ألفوا في أحاديث الأحكام ولكنهم اقتصروا على المتون دون الأسانيد، وابن عبدالهادي ﵀ الذي هو مؤلف المحرر هو محمد بن أحمد بن عبدالهادي الحنبلي وكانت ولادته سنة خمس وسبعمائة وكانت وفاته سنة أربع وأربعين وسبعمائة ومدة عمره تسع وثلاثون سنة ومع ذلك ألف هذا المؤلف وألف المؤلفات الأخرى له مؤلفات عديدة مؤلفات كثيرة ومع ذلك عمره تسع وثلاثين يعني مدة حياته تسع وثلاثين وهذا يدلنا على أن من العلماء من كان غير معمر ولكنه ألف المؤلفات، ومن الذين أعمارهم قصيرة وجهودهم عظيمة ومؤلفاتهم واضحة ومشهورة أبو بكر الحازمي فإن عمره خمس وثلاثون سنة ولهذا ذكره الذهبي في كتابه من يعتمد قوله في الجرح والتعديل فقال: مات شابا طريا عمره خمس وثلاثون سنة، ومثل ذلك النووي فإن مؤلفاته كثيرة وعمره تسع وأربعون سنة وقد ألف فيه المؤلفات الكثيرة الواسعة، وكذلك عمر بن عبدالعزيز ﵀ الخليفة الراشد وهو من الخلفاء الراشدين يعني عمره أربعون سنة مات وعمره أربعون سنة، يعني ابن قدامة هذا الذي معنا في هذا الكتاب أو المؤلف لهذا الكتاب عمره تسع وثلاثون سنة ومع ذلك ألف هذه المؤلفات، ومن المعاصرين الذين لهم المؤلفات الكثيرة نظما ونثرا الشيخ حافظ الحكمي ﵀ فإن عمره خمس وثلاثون سنة وقد ألف المؤلفات الكثيرة الواسعة نظما ونثرا عمره خمس وثلاثون سنة وهذا يدل على أن هؤلاء بجدهم واجتهادهم مع قصر أعمارهم ألفوا هذه المؤلفات العظيمة الواسعة، وإن شاء الله في الدرس القادم نبدأ بدراسة الأحاديث التي في كتاب المحرر، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
1 / 6
الدرس الثاني: [الأسس التي بنى عليها كتاب المحرر]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين أما بعد:
فسبق أن مر في الدرس الماضي بيان عدد من الكتب التي ألفت في الأحكام وبالأسانيد وأن في طليعتها صحيح البخاري وصحيح مسلم وكتب السنن الأربعة وغيرها وأن التأليف قبل ذلك كان بالأسانيد يعني سواء في الأحكام أو في غير الأحكام وأنه بعد ذلك بعد ما مضى مدد طويلة فإن العلماء لا يروون الأحاديث بالأسانيد كما هو شأن المتقدمين وإنما يذكرون الصحابي والحديث الذي يرويه عن رسول الله ﷺ كما جاء يعني فعله عبدالهادي وغيره ممن مر ذكرهم بالأمس وأن منهم من ألف على سبيل الأسانيد ومنهم من يذكر المتن مع ذكر الصحابي فقط كما فعل ذلك العلماء المتأخرون مثل عبدالغني المقدسي ومثل ابن تيمية صاحب المنتقى ومثل ابن دقيق العيد في الإلمام ومثل المحرر عند ابن عبد الهادي ومثل بلوغ المرام عند الحافظ ابن حجر تقدم هذا في الدرس الماضي وهنا ذكر هذه المقدمة التي ذكرها ابن عبدالهادي ﵀ ﷿ بين يدي كتابه يعني هذي مشتملة على الأسس التي بنى عليها كتابه وأنه رجع إلى كتب المتقدمين وأنه استفاد منها وأنه أخذ منها وهي الكتب المسندة وذكر قال: إن هذا مختصر، لأنه اختصره من كتب الأئمة المتقدمين في أحاديث الأحكام وهذا أحد مؤلفاته لأن ابن عبد الهادي ﵀ له مؤلفات كثيرة وهذا إحداها وقد ترجم له ابن رجب الحنبلي في كتابه ذيل طبقات الحنابلة وسمى له ما يقرب من سبعين كتابا من مؤلفاته سردها فهي مؤلفات كثيرة
1 / 7
وهذا واحد منها وما جاء في أول هذا الكلام من قوله الثناء عليه قال فلان الذي هو كذا وكذا هذا قول تلميذه يعني هذي العبارة التي جاءت فيها الثناء عليه وبيان منزلته وأنه إمام وأنه حافظ وأنه فقيه وأنه كذا يعني هذا كلام تلميذه الذي روى عنه الكتاب، أما كلام ابن عبدالهادي فهو يبدأ من المقدمة الذي قال فيها الحمد لله … الخ يعني ذكر أنه انتخبه من مؤلفات كثيرة تروى بالأسانيد وذكر أحد عشر كتابا، فذكر مسند الإمام أحمد وقدمه على الصحيحين لأنه من أجل الزمان متقدم في الزمان وإلا فإن الصحيحين مقدمين على غيرها في الصحة ولكنه يأتون به قبلهما لأنه يسبقهما في الزمان ومن أجل ذلك ذكره، فذكر مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري وصحيح الإمام مسلم وسنن أبي داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة فهذه سبعة كتب مسند الإمام أحمد والكتب الستة، ثم بعد ذلك الكتب الثلاثة التي ألفت في الحديث الصحيح وإن كانت فيها شيء من الضعيف وهي صحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم هذه عشرة ثم بعد ذلك ذكر السنن الكبرى للبيهقي فهذه أحد عشر كتابا ثم قال وغيرها، فنص على هذه الكتب الأحد عشر وأشار أنه لم يقتصر عليها بل على غيرها، قال رتبتها على ترتيب بعض فقهاء زماننا ليسهل الكشف منه يعني أنه مشى في ترتيب الأبواب على ترتيب بعض أهل زماننا ومعلوم أن الأبواب في الغالب في الطهارة وفي الزكاة وكذا أن ترتيبها متقارب وإن حصل بينها شيء من التفاوت لكن الشيء الذي رأيته أقرب موافقة في الترتيب والتبويب كتاب الإلمام لابن دقيق العيد فإنه موافق له في الغالب من ناحية التنصيص على الأبواب وترتيبها وابن دقيق العيد توفي قبل ولادة ابن عبدالهادي بثلاث سنوات لأن ابن دقيق العيد توفي سنة اثنتين وسبع مائة وابن عبدالهادي ولد سنة خمس وسبع مائة وما كان متفق عليه يعني إذا قيل متفق عليه يقصد البخاري ومسلم لأن هذه عبارة اصطلح عليها الذين جاؤوا بعد الشيخين والذين يكتبون في الأحاديث دون أن يذكروا أسانيدها يقولون متفق عليه يقصدون اتفاق البخاري ومسلم هذا المشهور أنه عندما يوجد في كتب الحديث التي لا تذكر الأسانيد وإنما تذكر المتن ثم تعزو الى أصحاب المؤلفات المسندة يقولون متفق عليه يقصدون البخاري ومسلم، إلا ابن تيمية في المنتقى فإنه إذا قال متفق عليه يقصد البخاري ومسلم والإمام أحمد يعني الإمام أحمد فإنه في اصطلاح ابن تيمية الذي هو جد شيخ الإسلام في منتقى الاخبار أنه عندما يقول متفق عليه يقصد البخاري ومسلم ويقصد أيضا مع ذلك الإمام أحمد، قال وربما يعني وهذا التقليل أشار إلى كلمة ربما تفيد التقليل يذكر بعض الآثار عن الصحابة يعني الموقوفة عليهم ومعلوم أن لفظ الحديث يطلق خاصا بما جاء عن رسول الله ﷺ لفظ الحديث يطلق على ما جاء عن رسول الله ﷺ فقط أما الآثار فإنه يطلق إطلاقا عاما يشمل الحديث ويشمل ما جاء عن الصحابة وعن غيرهم ويطلق إطلاقا خاصا على ما جاء عن الصحابة ﵃ ومن دونهم، لأنه إذا قال الحديث والأثر، الحديث ما يضاف إلى الرسول ﷺ والأثر ما يضاف الى الصحابة ﵃ ومن دونهم ولكنه إذا جاء الأثر هكذا ليس معه الحديث فيدخل تحته الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة والآثار المقطوعة التي تنسب إلى ما دون الصحابة لأن ما يضاف إلى الرسول ﷺ يقال له مرفوع وما يضاف إلى الصحابة ﵃ يقال له موقوف وما يضاف إلى غيرهم ممن جاء بعدهم يقال له مقطوع.
1 / 8
كتاب الطهارة
ثم بدأ بعد ذلك بالكتاب بعدما ذكر هذه المقدمة المختصرة التي بيّن فيها أنّه استقاه من كتب مسندة، هي الإحدى عشر وغيرها ممّا أبهمه وقال وغير ذلك، بدأ بكتاب الطهارة، ومعلوم أنّ كتب الأحكام تشتمل على العبادات والمعاملات، والعبادات هي: الصلاة والزكاة والصيام والحج، ولمّا كانت الصلاة لا تصح إلا بالطهارة بالماء عند وجوده، وعند عدمه بالتيمم، فلا بد من الطهارة، فإنّها قُدمت وجُعلت بين يدي الصلاة؛ لأنّها شرط من شروط الصلاة، والشرط يتقدم المشروط، لابد أن يكون الإنسان عندما يريد أن يصلي أن يتوضأ (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) يعني إذا أردتم القيام فاغسلوا وجوهكم، فالإنسان عندما يريد الصلاة يتوضأ، وجاء في الحديث «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حدثًا حتى يتوضأ» فبدأ بالطهارة؛ لأنّها مفتاح الصلاة؛ ولأنّها لا تكون الصلاة إلا بطهارة، سواء كان بالماء، أو بالتيمم عند فقد الماء، وكثير من الأئمة سواء الذين ألّفوا في الأحكام مسندة أو غير مسندة، فإنّهم يبدؤون بالطهارة، أمّا البخاري ومسلم فقد بدؤوا بكتاب الايمان، فذكروا شيء يتعلق بالعقيدة، ثمّ بعد ذلك بدؤوا بالطهارة وغيرها من الأبواب التي تتعلق في العبادات والمعاملات، وأمّا أصحاب السنن فإنّ ثلاثة منهم بدؤوا بكتاب الطهارة، الذين هم: أبو داود، والترمذي، والنسائي، هؤلاء الثلاثة قالوا كتاب الطهارة، أمّا ابن ماجه فبدأ بأحاديث تتعلق بالعقيدة، وهي أحاديث كثيرة تبلغ مائتان وست وستين حديثا، فيها اتباع السنة وأحاديث أبواب كثيرة تتعلق بالعقيدة، ثم أتى بكتاب الطهارة، وكذلك الذين جاؤوا فيما بعد وألفوا في الأحكام فإنهم يبدؤون بكتاب الطهارة، مثل ما فعل عبدالغني المقدسي في كتابه عمدة الأحكام فإنه بدأ بالطهارة، وكذلك بعده صاحب منتقى الأخبار وهو: عبدالسلام جد شيخ الإسلام ابن تيمية فإنه بدأ كتابه بكتاب الطهارة، وكذلك ابن دقيق العيد بدأ بكتاب الطهارة، وابن عبدالهادي بدأ بكتاب الطهارة، وابن حجر بدأ بلوغ المرام بكتاب الطهارة وهكذا فبدؤوا بالطهارة، وأول حديث ذكره ابن عبدالهادي هنا هو حديث ماء البحر.
1 / 9
١ - عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ: " سَأَلَ رجل رَسُول الله ﷺ َ فَقَالَ: إِنَّا نركب الْبَحْر ونحمل مَعنا الْقَلِيل من المَاء فَإِن توضأنا بِهِ عطشنا، أفنتوضأ من مَاء الْبَحْر؟ فَقَالَ النَّبِي ﷺ َ: هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالنَّسَائِيّ، وَالتِّرْمِذِيّ، (وَصَححهُ البُخَارِيّ، وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان، وَابْن عبد الْبر وَغَيرهم) وَقَالَ الْحَاكِم: (هُوَ أصل صدّر بِهِ مَالك كتاب الْمُوَطَّأ وتداوله فُقَهَاء الْإِسْلَام ﵃ من عصره إِلَى وقتنا هَذَا).
أول حديث ذكره ابن عبد الهادي في كتاب الطهارة هو حديث ماء البحر، وقد سبقه إلى ذلك عدد من العلماء فإنّهم بدؤوا بحديث البحر: السنن الكبرى للبيهقي بدأ بكتاب الطهارة وبدأ بحديث البحر هذا، وكذلك المجد بن تيمية بدأ بحديث ماء البحر في كتابه المنتقى، وكذلك ابن دقيق العيد في كتابه الإلمام بدأ بحديث ماء البحر، وابن عبدالهادي معهم على هذا، وبعده الحافظ ابن حجر بدأ كتابه بلوغ المرام بحديث ماء البحر، فهؤلاء صدّروا كتاب الطهارة بحديث البحر، وذلك لأنّه أكثر المياه (الذي هو البحر)؛ لأنّ المياه إمّا مياه أمطار، أو مياه آبار، وإمّا بحار، وإمّا أنهار، وأكثرها ماء البحر؛ فصدّر به؛ لأنّ الناس يحتاجون إليه، وأنّهم يركبون البحار، وأنّهم ينقلون الماء القليل؛ ليشربوا منه، وكأنّهم يظنون أنّ ماء البحر لمّا كان يختلف عن المياه الأًخرى في رائحته ونُتنِه وشدة مرارته أنّه يختلف عن سائر المياه، فسألوا رسول الله ﷺ وأنّهم كانوا يركبون البحر ويحملون معهم القليل من الماء؛ لشربهم، فإن توضأنا منه عطشنا، فقالوا أنتوضأ من ماء البحر، فقال ﷺ: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» وهذا يدلنا على حرص الصحابة ﵃ على تلقي السنن، وعلى سؤال الرسول ﷺ أمور دينهم، وأنهم يسألون عن كل ما يحتاجون إليه، وكل ما تدعوا إليه الحاجة، وكل ما يعرض لهم، فإنّهم يسألون رسول الله ﷺ، وهذا يدلنا على حرصهم على تلقي السنة عن النبي ﷺ، سواء كانت تحصل منه ابتداء كما يحصل في خُطبِه وغيرها، أو كونه يُحدِّث الناس ابتداء، أو كونه يسألونه ويجيبهم على الشيء الذي يحتاجون إليه، وهنا ذكر سبب هذا الحديث؛ أنّ رجلًا سأل النبي ﷺ وقال إنّا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا منه عطشنا، يحملونه للشرب فإن استعملوه للطهارة فإنّهم يعطشون، فهل نتوضأ من ماء البحر؟ قال: نعم، قال: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» ما قال ﷺ نعم لأنّهم قالوا أنتوضأ، ما أتى بكلمة نعم، لأنّه لو أجاب بنعم فقط لظن أنّه في حال الضرورة؛ لأنّهم سألوا في حال ضرورة، فلو أجاب بنعم يعني يجوز لكم في حال الضرورة كذا وكذا، لكنّه بيّن ﷺ أنّ هذا مطلقًا ضرورة وغير ضرورة، سواء كان في ضرورة أو غير ضرورة وأنّهم يتوضؤون بماء البحر كما يتوضؤون بماء الأنهار وماء الآبار وماء الأمطار والغدران وما إلى ذلك كل ذلك لهم، وأنّه لا فرق بين البحر وغيره، فإذًا أجابهم بجواب ليس مطابقا لسؤالهم بأن يقول نعم؛ لأنّه أراد أن تطيب نفوسهم وأن يطمئنوا إلى أنّهم يتوضؤون منه في جميع أحوالهم، سواء كان معهم ماء حلو أو ليس معهم ماء، المهم أنّه ماء طهو، وأنّه يُتوضأ منه، والطهور يأتي بضم الطاء وبفتحها، فما كان بالفتح فإنه يراد به الماء المستعمل، الماء المستعمل يقال له طَهور، ونفس الاستعمال أن يكون الإنسان يغسل وجهه ويغسل يديه ويمسح رأسه ويغسل رجليه هذا يقال له طُهور، فإذًا ما كان بالفتح يراد به الشيء المستعمل الماء المستعمل، وما يراد به الضم يراد به نفس الاستعمال، وهناك كلمات مماثلة لهذه الكلمة التي هي الطهور؛ لأنّها في حال فتحها تكون للشيء المستعمل وللمادة المستعملة، وفي حال ضمها نفس الاستعمال، فإن الطَهور بفتح الطاء المقصود به الماء المستعمل، والطُهور المقصود به الاستعمال،
وكذلك الوَضوء والوُضوء؛ لأنّه بفتح الواو المقصود به الماء المستعمل، وبضمها نفس الاستعمال، وكذلك السَحور والسُحور، السَحور اسم للطعام الذي يؤكل في السحر للصيام، والسُحور هو نفس الأكل عملية الأكل التي هي كون الانسان يأكل في السَحر، وكذلك السَعوط الذي يستسعط في الأنف فهذا يقال له سعوط إذا كان بفتح السين، وسُعوط الذي هو نفس الجذب في الأنف هذا يقال له سُعوط، وكذلك الوَجور الذي هو يوضع في الحلق، فالذي يوضع في الحلق يقال وَجور، ونفس وضعه بالحلق فهذا يقال له وُجور، فهذه كلها كلمات في حال الفتح يراد بها الشيء
المستعمل أو المادة المستعملة، وما كان بالضم يراد به نفس الاستعمال أو عملية الاستعمال، الرسول ﷺ لمّا سألوه أنتوضأ من ماء البحر، قال هو «الطهور ماؤه» يعني معناه أنّ ماؤه طهور يُتطهر به وقوله يعني (هو) ليس المقصود به الماء، لأنّ المقصود به الأرضية التي عليها الماء التي يستقر عليها الماء، لأنّه لا يقال أنّ الماء هو الطهور ماؤه، وإنّما البحر هو الطهور ماؤه، المكان الذي فيه الماء، مثل ما يقال ماء البئر المكان الذي هو فيه، أو الغدران التي يكون فيها الماء، والأنهار التي يكون فيها الماء، فإن الضمير في قوله (هو) لا يرجع إلى الماء ولا يقال أنّه المقصود ماء لأنّه يصير ماء غير مستقيم يعني ماؤه هو الطهور ماؤه، وإنّما المقصود المكان الذي فيه الماء، كما يُقال ماء البئر ماء النهر ماء الغدران التي تكون في الفلاة من مياه السيول المتجمعة، ثمّ إنّ الرسول ﷺ لمّا رآهم توقفوا وترددوا في طهورية ماء البحر؛ لشدة مرارته ولنتن رائحته، قد يُشكل عليهم وقد يخفى عليهم أيضًا أنّ ميتته مثل ميتة غيره بأنها حرام، فبيّن ﷺ أنّها حلال؛ لأنّ ميتة البحر حلال، قال: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته»، قالوا وهذا يدل على أنّ الإنسان إذا رأى أنّ بالسائل حاجة إلى أن يضيف إليه شيء قد يشكل عليه فإنّه يزيد، وهذا يسمونه أسلوب الحكيم، بمعنى أنّه يضيف شيئا يحتاج إليه السائل، ومثله ما لو سأل سؤالًا عامًا ثمّ أُجيب بسؤال خاص باختصار، مثل ما جاء عن الرسول ﷺ أنّهم سألوه ما الذي يلبسه المحرم من الثياب، فقال لا يلبس المحرم، سألوه عن ما يُلبس فأجاب بما لا يلبس؛ لأنّ ما لا يلبس قليل، وما عداه هو الذي يلبس، فبدل من كونه أن يجيب يلبس كذا وكذا وكذا من أنواع الملابس، قال لا يلبس كذا ويلبس ما سوى ذلك، فهذا كونه سألوه بما يلبس فأجابهم بما لا يلبس؛ لأنّه تنبيه لهم إلى
أنّ السؤال ينبغي أنّ يكون عن الشيء الذي لا يلبسه؛ لأنّه محصور، بخلاف الذي يلبس؛ فإنّه غير محصور، فهذا يسمى أسلوب الحكيم، فإذًا هذا الحديث الذي معنا هو من هذا القبيل، الرسول ﷺ لمّا رأى أشكل عليهم الطهارة من ماء البحر، فأرشدهم إلى أنّهم أيضًا حتى ميتته، والمقصود بميتة البحر يعني الحيوان الذي لا يعيش إلا بالبحر فإن خرج من البحر مات، فإنّ هذا هو المقصود، أمّا لو مات فيه شيء من ما يعيش في البر بأن غرقت فيه ناقة، أو فرس، أو شاة، أو عنز، أو طير من الطيور التي يحل أكلها وماتت به، فإنها حرام؛ لأنّها ليست مما يعيش إلاّ به الذي هو السمك وغيره مما يعيش إلاّ به، فإنّ ممّا يعيش بالبر إذا مات
في البحر فإنّه يعتبر ميته ولا يجوز أكله، فإذًا قوله «الحل ميتته» المقصود بذلك الميتة التي لا تعيش إلاّ في ماء البحر، قال ﷺ «هو الطهور ماؤه الحل ميتته»، وهذا الحديث أصل عظيم، ولهذا صدّر به كثير من العلماء كتبهم كما ذكرت، وهو حديث صحيح صححه كثير من أهل العلم، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة المغيرة ابن أبي بردة ﵁ في تهذيب التهذيب في ترجمته، بأنّه ذكر عشرة صححوا الحديث وقال وآخرون، فقد صحح هذا الحديث كثيرون من أهل العلم، فهو حديث صحيح، وهو أصل من الأصول، ولهذا صدّر به جماعة من العلماء كتب الطهارة كالذين ذكرتهم، رواية يحيى بن يحيى الليثي المشهورة التي هي مشهورة عند الناس، لم يصدّر بها هذا الحديث، وإنّما يمكن أنّ المقصود بهذا في بعض الموطآت؛ لأن الموطأ رواه عنه جماعه يحيى ابن يحيى الليثي وغيره، لكنّ المشهورة رواية يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي، ولم يصدّر الموطأ فيها، بل جاء هذا الحديث الذي هو حديث البحر في الموطأ بعد أحاديث كثيرة في رواية يحيى بن يحيى، لكنّه المقصود من ذلك بعض الموطآت.
1 / 10
٢ - وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ ﵁ قَالَ: " قيل يَا رَسُول الله أَنَتَوَضَّأُ من بِئْر بضَاعَة، وَهِي بِئْر يُلقى فِيهَا الْحيض وَالنَّتن وَلُحُوم الْكلاب؟ قَالَ: إِن المَاء طهُور لَا يُنجسهُ شَيْء ". رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ (وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه). وَفِي لفظ لِأَحْمَد وَأبي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ: " يطْرَح فِيهَا محايض النِّسَاء وَلحم الْكلاب وَعذر النَّاس " (وَفِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث اخْتِلَاف، لَكِن صَححهُ أَحْمد) وَرُوِيَ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَسَهل بن سعد، وَجَابِر.
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري ﵁ عن النبي ﷺ أنه سئل عن بئر بضاعة وهي بئرٌ يعني فيها ماءٌ كثير وقال أنها تطرح فيها الحيضُ والأشياء القذرة ومعلوم يعني أنه ليس المقصود أنه سيأتون يطرحون فيها النجاسات ويطرحون فيها الأشياء القذرة لا يفعلون هذا كما ذكر ذلك بعض العلماء قالوا بأنه لا يليق أن يظن بالصحابة أنهم يفعلون هذا الفعل وأنهم يطرحون هذه الأشياء يعني القذرة في هذه البئر وهي الماء التي يتوضأ الناس منها قال إن المقصود أنها كانت في منخفض من الارض وكانت الأشاء القذرة التي تكون في الأسواق والتي يعني تأتي مياه السيول وتسوقها اليها وكذلك أيضًا الرياح تحمل هذه الأشياء لكن لا يُظن أن الصحابة ﵃ وأرضاهم يأتون ويلقون هذه النجاسات ويلقون هذه الأشياء القذرة في هذه البئر يعني لا يليق أن يُظن بالصحابة هذا كما قال ذلك يعني بعض أهل العلم والرسول ﷺ لما سئل أنها يقع فيها هذا الشيء قال: إن الماء طهور لا ينجسه شيء يعني معناه إذا كان الماء كثيرًا فإنه لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه يعني
جاء في سنن ابن ماجه حديث عن أبي أمامة ﵁ أن الماء الطهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه فهذا يعني الحديث فيه هذه الزيادة هذا الاستثناء وهذا الاستثناء الذي جاء عند ابن ماجه في إسناده يعني فيه رشدين بن سعد وهو ضعيف يعني لا يعول عليه وإنما يعول على الإجماع لأن معناه مجمعٌ عليه لأن الماء الكثير إذا تغير بنجاسةٍ سواءً بلونه أو طعمه أو ريحه بأن يعني تشم منه رائحة النجاسة وهو كثير أو يعني يرى فيه النجاسة بأن يكون فيه دم يعني أحمر أو غلب عليه الحمرة وكذلك الريح يعني المنتنة يعني طعمه عندما يذاق فإن هذا يعني الحديث ضعيف ولكنه معناه مجمعٌ عليه معناه قد أجمع عليه العلماء وهو أن الماء إذا تغير بنجاسة غيرت لونه أو طعمه أو ريحه فإنه نجس سواءً كان كثيرًا أو قليلًا أما إذا كان كثيرًا ووقع فيه نجاسة ولم تُغير لونًا ولا طعمًا ولا ريحًا فإنه طهور ويستعمل ولكن الماء القليل هو الذي إذا وقع فيه نجاسة تؤثر فيه وإن لم تغيره يعني مثل الكأس يعني الكوب إذا وضع فيه ماء ثم حصل فيه قطرات من البول فإنه يسمى نجس وإن لم تغير له لونًا ولا طعمًا ولا ريحًا وإنما يعني الشيء الذي ينجس مطلقا إذا ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة وإن كان قليلًا أو كثيرًا وإذا كان كثيرا فإنه لا يتغير ولا ينجس بهذه الأشياء وأما إذا كان قليلًا فإنه تحصل به نجاسة ولو لم تغير له لونًا ولا طعمًا ولا ريحًا فالرسول ﷺ سئل عن بئر بضاعة وما يحصل فيها والرسول ﷺ قال الماء طهور لا ينجسه شيء ومعنى ذلك أن هذه البئر أنها واسعة وأنها يعني كثيرة الماء وأنها غيرت الماء وأن الناس يأخذون منها وتنبع وينبع الماء منها وهو كثير فلا يؤثر فيه أنه يقع فيه نجاسة لم تغير له لونًا ولا طعمًا ولا ريحًا أما لو حصل أن الماء الذي وقعت فيه النجاسة تغير لونًا وطعمًا وريح فهذا يحصل فيه نجاسة
بالإجماع لا بالحديث الذي ورد ضعيف كما ذكرت وإنما هو الإجماع هو الحجة الذي يعتمد عليه ومعلومٌ أن الأدلة المتفق عليها ثلاثة الكتاب والسنة والإجماع فهذا مما حصل فيه يعني تغير الماء الكثير إنما هو دليله الاجماع وليس دليله الحديث الضعيف الذي عند ابن ماجه من رواية رشدين بن سعد الذي هو ضعيف نعم والحديث صحيح إلا الذي استثنى الذي جاء في حديث أبي أمامه عند ذلك فإنه يعني لا يُعوّل على الحديث لأنه ضعيف ولكنه يُعوّل على الاجماع.
1 / 11
٣ - وَعَن عبد الله بن عمر ﵄ قَالَ: " سُئِلَ رَسُول الله ﷺ َ عَن المَاء وَمَا ينوبه من الدَّوَابّ وَالسِّبَاع؟ فَقَالَ: إِذا كَانَ المَاء قُلّتين لم يحمل الْخبث " وَفِي لفظ " لم يُنجسهُ شَيْء ". رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ (وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغير وَاحِد من الْأَئِمَّة. وَتكلم فِيهِ ابْن عبد الْبر وَغَيره. وَقيل: الصَّوَاب وَقفه، وَقَالَ الْحَاكِم: (هُوَ صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ فقد احتجا جَمِيعًا بِجَمِيعِ رُوَاته وَلم يخرجَاهُ، وأظنهما - وَالله أعلم - لم يخرّجاه لخلاف فِيهِ عَلَى أبي أُسَامَة عَن الْوَلِيد بن كثير».
ثم ذكر هذ الحديث عن عبدالله بن عمر ﵄ أن النبي ﷺ سئل عن الماء يعني إذا كان في الفلات اذا كان في فلات يعني غدران يعني من السيول بعد السيول وينوبه يعني يأتي إليه السباع دواب يعني تبول فيه وتشرب منه فسئل ﷺ عن الغدران التي تبول في البر أو في الفلات وما ينوبها يعني ما يأتي إليها من السباع يعني تنزل فيها أو تبول فيها أو تشرب منها فالرسول ﷺ قال إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث أو لم ينجسه شيء والمقصود بالقلتين قيل أنهما جرتان كبيرتان من الفخار يعني تسع لماءٍ كثير وقد قيل أنها يعني تساوي أو مقدار القلتين تساوي بالكيل بالصاع يعني ستة وسبعين صاع يعني هذا قلتين فما كان فوق القلتين فإنه كثير وما كان دونها فإنه قليل وقد عرفنا أن ما كان كثيرًا أو قليلًا وغيرته النجاسة لونًا وطعمًا وريحًا فإن هذا لا يستعمل سواءً كان كثيرًا أو قليلًا لكنه إذا كان قليلًا فإن النجاسة تؤثر فيه وهما دون القلتين وما كان قلتين فما فوق فهو كثير لا تؤثر فيه النجاسة إلا إذا غيرت له لونًا أو طعمًا أو ريحا فالرسول ﷺ لما سئل عن مياه الغدران قال قد يكون قليل جدا تؤثر فيه النجاسة يعني لا يستعمل وإذا كان كثيرًا يعني فوق القلتين بهذا المقدار الذي ستة وسبعين صاعًا أو أكثر فإن هذا لا تؤثر فيه النجاسة إلا إذا غيرت له لونا أو طعما أو ريحا كما هو الشأن في الماء الكثير يعني ما يؤثر فيه الماء إذا كان الماء كثيرًا لكن يؤثر إذا غلب على لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة أما إذا لم تغير له طعما ولا لونا ولا ريحًا وهو فوق القلتين فإن هذا يعتبر طهور وإنما تؤثر النجاسة يعني في الماء القليل وإن لم تغير له لونًا ولا طعمًا ولا ريحًا والحديث صحيح صححه جماعة من أهل العلم.
1 / 12
٤ - وَعَن أبي هُرَيْرَة ﵁ عَن النَّبِي ﷺ َ قَالَ: " لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم الَّذِي لَا يجْرِي ثمَّ يغْتَسل فِيهِ ". وَقَالَ مُسلم: " ثمَّ يغْتَسل مِنْهُ " مُتَّفق عَلَيْهِ.
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه يعني لا يبولن ثم يغتسل يعني أنه لا يحصل منه البول ولا يحصل منه الاغتسال يعني أنه لا يجمع بينهما وكذلك سيأتي أنه لا يبول ولا يغتسل يعني البول على حدا والاغتسال على حدا فالإنسان ليس له أن يبول وليس له أن يغتسل ليس له أن يبول على حدا ولا يغتسل على حدا وهنا يعني ليس له أن يجمع بينهما
بأن يبول ويغتسل فإذًا كل ذلك يعني لا يسوغ في الماء الجاري أي الماء الدائم المستقر الراكد الذي لا ينتقل من مكان إلى مكان فإنه تؤثر فيه النجاسة، وإن لم تؤثر فيه فإنها تقذره لأن الإنسان إذا اغتسل فيه من جنابة وفيه آثار الجماع واختلط به فإنه يقذره على من يستعمله فلهذا الرسول ﷺ جاء عنه في هذا الحديث عن أبي هريرة ﵁ متفق عليه وهو أنه لا يبولن في الماء الراكد ولا يغتسل فيه ثم يغتسل فيه من الجنابة يعني يجمع بينهما وسيأتي في بعض الأحاديث ما يدل على أنه لا يجوز البول على حدا ولا الاغتسال على حدا فإذًا لا يجمع بينها ولا يفرق بينها، البول والاغتسال من الجنابة لا يجمع بينهما ولا يفرقان بأن يبول فقط أو يغتسل فقط.
1 / 13
٥ - وَرَوَى مُحَمَّد بن عجلَان قَالَ: سَمِعت أبي يحدث عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ، قَالَ رَسُول الله ﷺ َ: " لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم، وَلَا يغْتَسل فِيهِ من الْجَنَابَة " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد عَن الْقطَّان عَنهُ. (وَابْن عجلَان وَأَبوهُ رَوَى لَهما مُسلم)
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه التفريق وأن الانسان ليس له أن يبول وليس له أن يغتسل لأن هناك الجمع الحديث الذي راح فيه الجمع بينهما يبول ويغتسل وهذا ممنوعٌ منه ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه البول على حدا والاغتسال على حدا وانه لا يجوز للإنسان، والإنسان منهيٌ أن يبول وأن يغتسل منهيٌ أن يبول يعني فقط ولا يضيف إليه اغتسال ومنهيٌ أن يغتسل ولا يبول فهذا الحديث السابق يدل على الجمع بينهما وأنه لا يجوز وهنا يدل التفريق أنه لا يجوز والحديث صحيح.
1 / 14
٦ - وَرَوَى مُسلم من حَدِيث بكير بن الْأَشَج أَن أَبَا السَّائِب مولَى هِشَام بن زهرَة حَدثهُ أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة ﵁ يَقُول: قَالَ رَسُول الله ﷺ َ: " لَا يغْتَسل أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم وَهُوَ جنب "، فَقَالَ: كَيفَ يفعل يَا أَبَا هُرَيْرَة؟ قَالَ: يتَنَاوَلهُ تناولًا. (وَأَبُو السَّائِب لَا يعرف اسْمه).
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال لا يغتسل أحدكم بالماء الدائم وهو جنب قالوا يا أبا هريرة كيف يفعل قال يتناول تناولًا يعني ما يغتسل فيه بمعنى أنه ينغمس فيه ويعني يقذره وإنما يتناول يأخذ منه يعني شيئًا ويغتسل برا يعني برا الماء خارج الماء لكن كونه ينغمس فيه أو يكون فيه أو يدخل فيه فهذا هو الذي حصل فيه المنع ولكن عندما يتوضأ وليس معه إناء ليس معه إناء يأخذ فيه ويذهب ويتوضأ فإنه يتناول منه تناولًا يعني يكون على حافة الماء فيتناول منه تناولًا ويغتسل يعني خارج … هذا الماء.
1 / 15
٧ - وَعَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: علمي وَالَّذِي يخْطر عَلَى بالي أَن أَبَا الشعْثَاء أَخْبرنِي أَن ابْن عَبَّاس ﵄ أخبرهُ: " أَن رَسُول الله ﷺ َ كَانَ يغْتَسل بِفضل مَيْمُونَة " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث الذي فيه عن ابن عباس ﵄ أن النبي ﷺ كان يغتسل بفضل ميمونة وميمونة هي خالة ابن عباس أم المؤمنين ميمونة خالة ابن عباس ﵃ فيقول النبي ﷺ كان يغتسل بفضل ميمونة يعني أنها إذا توضأت من إناء واغترفت منه وهي على حدا فإن الذي يبقى يُتوضأ منه ويغتسل منه وقد قال إن الرسول ﷺ كان يغتسل بفضل ميمونة ﵂ يعني الماء الذي بقيَ منها بعد اغتسالها وكانت تغترف اغترافًا منه تغترف منه وبقي في الاناء بقية ماء يغتسل بها فكان ﷺ يفعل ذلك وهذا يدل على أن ذلك سائغ وأنه جائز وأن المرأة إذا اغتسلت يعني من إناءٍ بقيَ فيه بقية فإن للرجل أن يغتسل وللمرأة الأخرى أن تغتسل وكذلك العكس يعني يغتسل الرجل بفضل المرأة وفضل المرأة بفضل الرجل كل ذلك سائغٌ ولا بأس به فذكر هذا الحديث الذي في مسلم وقد جاء عن غير مسلم فهو حديث صحيح أن الرسول ﷺ كان يغتسل بفضل ميمونة ﵂ والمقصود من ذلك الفضل كما عرفنا البقية في الإناء الذي كانت تتناول منها للاغتسال فإنه يغتسل في ذلك أما الماء المستعمل لو أن إنسان توضأ في طشت يغسل وجهه في طشت ثم يغسل يديه في الطشت ثم يغسل رجليه في الطشت فتجمع ماءٌ مستعمل هذا يعني أزيل به حدث فلا يزال به حدثٌ آخر ما يأتي أحد يغتسل منه ويتوضأ منه لأن هذا رفع فيه حدث فلا يرفع فيه حدث آخر أما كونه أخذ من الماء بيده وبقيَ منه بقية فإن هذه الفضلة هي التي تستعمل وهذا هو الذي كان يفعله الرسول ﷺ في هذا الماء الذي قد أخذت منه ميمونة بيدها وهي جنب وتغترف منه تغتسل فكان ﷺ يغتسل بفضلها.
1 / 16
٨ - وَرُوِيَ عَن سماك بن حَرْب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس ﵄ قَالَ: " اغْتسل بعض أَزوَاج النَّبِي ﷺ َ فِي جَفْنَة، فجَاء النَّبِي ﷺ َ ليتوضأ مِنْهَا - أَو يغْتَسل - فَقَالَت لَهُ: يَا رَسُول الله إِنِّي كنت جنبا، فَقَالَ رَسُول الله ﷺ َ: إِن المَاء لَا يجنب " رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفظه، وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، (وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم، وَقَالَ أَحْمد: " أتقيه لحَال " سماك "، لَيْسَ أحد يرويهِ غَيره). وَقد احْتج مُسلم بسماك، وَالْبُخَارِيّ بِعِكْرِمَةَ) وَالله أعلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن ابن عباس ﵄ قال اغتسل بعض أزواج النبي ﷺ في جفنة فجاء النبي ﷺ ليغتسل منها فقالوا إنها اغتسلت بها فقال إن الماء لا يجنب يعني ما يؤثر فيه الجنب إذا لمسه بيده ما يغير فيه شيئا قال الماء لا تؤثر فيه الجنابة إذا وضع الإنسان يده وهو جنب لا يؤثر فيه وهذا مثل الحديث السابق بمعناه تمامًا لأن جفنة يعني وعاء ثم جاء ليستعمل فقال أنه اغتسل وهو جنب وقد جاء في بعض الروايات عند الدارقطني وعند مسند الإمام أحمد أن المقصود بها ميمونة وعلى هذا فيكون الحديثان يعني هذا الحديث والذي قبله معناهما واحد ويكون أحدهما
متابع للآخر لأن الصحابي واحد وإن كان زوجة أخرى من زوجات الرسول ﷺ أو غيرها فإنه يكون شاهدا وعلى هذا فإن هذين الحديثين كل منهما يدل على جواز اغتسال الرجل بفضل وضوء المرأة أو فضل اغتسالها.
1 / 17
٩ - وَعَن حميد الْحِمْيَرِي قَالَ: لقِيت رجلا صحب النَّبِي ﷺ َ أَربع سِنِين كَمَا صَحبه أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: " نهَى رَسُول الله ﷺ َ أَن تَغْتَسِل الْمَرْأَة بِفضل الرجل أَو يغْتَسل الرجل بِفضل الْمَرْأَة، وليغترفا جَمِيعًا " رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفظه، وَالنَّسَائِيّ، (وَصَححهُ الْحميدِي، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ (رُوَاته ثِقَات). وَالرجل الْمُبْهم: قيل هُوَ الحكم بن عَمْرو، وَقيل: عبد الله بن سرجس، وَقيل: ابْن مُغفل).
ثم ذكر هذا الحديث عن رجل من أصحاب الرسول الله ﷺ أنه نهى أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل قال وليغترفا جميعا يعني معناه أنه يكون بينهما إناء هو يأخذ وهي تأخذ أما إذا كان توضأت على حدا ثم جاء بعدها أو العكس فإن هذا هو الذي جاء فيه النهي لكن الأحاديث التي مضت يعني صحيحة وهي دالة على الوضوء من فضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل وأن ذلك سائغ فيكون ما جاء من النهي محمول على كراهة التنزيه وليس على التحريم يعني النهي محمول على التنزيه فلا يكون مؤثرا في الاحاديث التي راحت، الأحاديث التي راحت صحيحة وأنه يجوز أن يغترفا جميعا ويجوز أن يكون كل واحد على حدا ويأتي الثاني بعده.
1 / 18
الدرس الثالث:
١٠ - وَعَن هِشَام بن حسان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ، قَالَ رَسُول الله ﷺ َ: " طهُور إِنَاء أحدكُم إِذا ولغَ فِيهِ الْكَلْب أَن يغسلهُ سبع مَرَّات أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ " رَوَاهُ مُسلم. وَرَوَاهُ من حَدِيث همام بن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَيْسَ فِيهِ " أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ "، وَذكر أَبُو دَاوُد أَن جمَاعَة رَوَوْهُ عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ فَلم يذكرُوا " التُّرَاب ". وَفِي لفظ: " إِذا شرب الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم فليغسله سبع مَرَّات " مُتَّفق عَلَيْهِ.
هذا الحديث عن أبي هريرة ﵁ في تطهير الإناء الذي ولغ فيه الكلب يعني بعد ولوغه فيه وقد قال الرسول ﷺ: «طهور إناء أحدكم» والطهور هنا بضم الطاء والمقصود به التطهير نفسه وذلك أن لفظ الطهور يأتي بفتح الطاء ويأتي بضمها فما كان بفتحها فالمقصود الماء الذي يحصل به التطهير وأما إذا كان مضموما فالمراد به نفس التطهير فهذا هو المقصود بقوله: «طهور» يعني يطهره إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات أولاهن بالتراب وقد جاء في بعض الروايات أنه ليس فيه ذكر التراب ولكن هذه الرواية التي فيها أن التراب لابد منه وأنه يكون في الأولى قد جاء في هذه الرواية التي جاءت في الصحيح عن رسول الله ﷺ فإذا كانت الطاء مفتوحة فالمقصود الماء الذي يتطهر به وإذا كانت مضمومة فالمقصود به نفس التطهير والذي جاء في الحديث هو نفس التطهير والذي يدل على أن نجاسة الكلب مغلظة وأنه إذا ولغ في الإناء
فإنه يجب غسله سبع مرات وأن تكون أولاهن بالتراب ولا يحصل تطهيره إلا بذلك وقد جاء في بعض الروايات كما مر أنه ليس فيه ذكر التراب وليس فيه ذكر أولاهن بالتراب وإنما هذه الرواية الأولى التي صدر بها المصنف ﵀ الأحاديث التي أوردها هي الرواية الصحيحة الثابتة التي هي مقدمة على غيرها والتي يكون التطهير بسبع مرات ويكون أولاهن بالتراب.
1 / 19
١١ - وَرَوَى مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان من رِوَايَة عَلّي بن مسْهر عَن الْأَعْمَش عَن أبي رزين وَأبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ، قَالَ رَسُول الله ﷺ َ: " إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم فليرقه ثمَّ ليغسله سبع مَرَّات " وَرَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا عَن الْأَعْمَش وَقَالَ: (وَلم يقل فليرقه)، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: (إِسْنَاد حسن وَرُوَاته كلهم ثِقَات).
ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة ﵁ وأنه إذا ولغ الكلب أنه يريق الماء الذي ولغ فيه وأنه يغسل الإناء سبع مرات أولاهن بالتراب وهنا ذكر الإراقة وهو إفراغه وذلك أن التطهير لا يكون إلا بعد إزالة الماء عن الإناء فإنه يطهر بعد ذلك لا يطهر والماء فيه وإنما يطهر بعد إذهاب الماء عنه وإزالته عنه فإنه يريقه ويغسله سبع مرات أولاهن بالتراب كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله ﷺ.
1 / 20