Explanation of Al-‘Aqidah Al-Tahawiyyah - Khalid Al-Muslih
شرح العقيدة الطحاوية - خالد المصلح
Nau'ikan
اعتقاد أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء والرد على المعتزلة والقدرية في ذلك
ثم بعد أن أثبت عموم مشيئة الرب ﷾ لكل شيء، وأنه لا خروج لمشيئة العبد عن مشيئة الله ﷿؛ قال ﵀: [يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلًا، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلًا] جل وعلا، وفي هذه العبارة الرد على المعتزلة والقدرية الذين قالوا: إن العبد يخلق فعل نفسه، فالهدى والضلال ليس من فعل الله ﷿ ولا من مشيئته ولا من إرادته، إنما هي من مشيئة العبد وإرادته وفعله المستقل عن الله جل وعلا.
فقوله: (يهدي من يشاء) يرد بذلك على المعتزلة والقدرية الذين قالوا: إن الله لا يخلق فعل العبد، بل أفعال العباد خارجة عن قدرته ومشيئته وإرادته ﷾، ثم كيف يفسرون الهداية المذكورة في الكتاب؟ يفسرون الهداية المذكورة في الكتاب بأنها هداية البيان والإرشاد والدلالة، فيحملون كل آية أضاف الله فيها الهداية إليه على أنها هداية بيان وإرشاد ودلالة، وهذا لا إشكال أنه تحريف للكلم عن مواضعه، فإن الآيات التي فيها أن الله ﷾ يهدي من يشاء، تشمل هداية الدلالة والإرشاد والبيان، وتشمل هداية التوفيق للعمل، فإنه إذا لم يوفق الله جل وعلا العبد للعمل فإنه لا إصابة في عمله، ولا توفيق له.
ومما يدل على أن الهداية المضافة إلى الله جل وعلا تشمل هداية التوفيق للعمل قول الله جل وعلا فيما ذكره في أبي طالب ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص:٥٦]، فالهداية المنفية عن النبي ﷺ هي هداية التوفيق والعمل، وأما الهداية المثبتة لله ﷿ فهي هداية الإرشاد والدلالة والبيان وهداية التوفيق إلى العلم.
فقوله: (يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلًا) أي: أن الهداية منه ﷾ فضلًا ومنة على العبد، وهذا فيه الجواب عن
السؤال
كيف يهدي فلانًا ولا يهدي فلانًا؟ نقول: الهداية فضل الله ومنته ورحمته وهو جل وعلا أعلم بمحال الفضل من غيره، فإن الله سبحانه تعالى يمن على من يشاء من عباده لعلمه بأن الممتن عليه بالهداية المتفضل عليه بالاستقامة أهل لذلك، أي: أنه يستحق ذلك، وأنه صالح لهذا، قال الله ﷾ في جواب المعترضين على الرسل في أنهم خصوا بالرسالة: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام:١٢٤]، الله ﷾ جعل الفضل في محله، وجعله لفضل الرسالة في الرسل لعلمه بأنهم أهل لها.
قال ابن القيم ﵀: والله جل وعلا أعلم بمحال الفضل في الرسل وأتباعهم، فإن الله ﷾ أعلم بالمهتدين كما قال ﷾: ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص:٥٦] أي: أعلم بمن يستحق الهداية فيوفقه إليها وأعلم بمن يستحق الاستقامة فيوفقه إليها، وهذا معنى قوله ﵀: (يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلًا) أي: الهداية إلى الصراط المستقيم توفيقًا وعملًا، ويعصم من المعاصي ويعافي من الذنوب والخطايا فضلًا منه ﷾.
قوله: (ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلًا) أي: عدلًا، فهو جل وعلا لا يظلم الناس شيئًا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، ما منعهم الله جل وعلا الفضل وهم أهل له، بل الأمر كما قال الله جل وعلا: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف:٥]، فإنهم لما استحقوا الزيغ أضلهم وخذلهم وخلى بينهم وبين أنفسهم؛ ولذلك اعلم أن كل معصية تقع فيها فإنها من خذلان الله جل وعلا؛ لأنه خلى بينك وبينها، ولو أن الله جل وعلا أكرمك لعافاك وعصمك، وهذا معنى قوله ﵀ في هذه العبارة: (يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلًا، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلًا) .
4 / 9