217

Explanation of Al-‘Aqidah Al-Tahawiyyah - Khalid Al-Muslih

شرح العقيدة الطحاوية - خالد المصلح

Nau'ikan

حب أهل السنة لصحابته ﷺ
يقول ﵀: [ونحب أصحاب رسول الله ﷺ] .
أي: أهل السنة والجماعة يحبون أصحاب النبي ﷺ.
والمحبة هنا محبة قلبية، فنحبهم محبة قلبية لأنهم الذين نقلوا إلينا الخير، ولأنهم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولأن الله اصطفاهم وخصهم بهذه الخاصية والميزة، حيث جعلهم أصحاب رسوله، وجعلهم حملة الشرع، ونحبهم لما جرى منهم من الخير للأمة؛ فإنهم جاهدوا بأموالهم وأنفسهم لنشر هذا الدين، فما من خير وصلنا إلا من طريقهم ﵃.
وقول المؤلف ﵀: [أصحاب رسول الله] أصحاب: جمع صاحب.
والصحبة تثبت لكل من لقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مؤمنًا به ومات على ذلك ولو ساعة من نهار، لكن اعلم أن المحبة المذكورة في قوله: [ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم] محبة لوصف وهو الصحبة، فكل من تحقق فيه هذا الوصف يزداد نصيبًا من المحبة بقدر ازدياد هذا الوصف فيه؛ لأن كل الأعمال والأحكام، والأدلة المعلقة على أوصاف تزداد وتستقر وتثبت بزيادة هذا الوصف، فمحبتنا لـ أبي بكر ﵁ ليست كمحبتنا لـ بلال، فمحبتنا لـ أبي بكر ﵁ أعظم لتحقق الصحبة فيه أكثر من غيره، فمن صحب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شهرًا محبتنا له أعظم ممن صحبه يومًا، ومن صحبه يومًا محبتنا له أعظم ممن صحبه ساعة، فتزداد المحبة بازدياد الوصف وهو الصحبة، ثم الصحبة تعم كل من صحب النبي ﷺ قليلًا أو كثيرًا، فليست خاصة بطول المدة، بل هي عامة لكل من صاحب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فنحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وسلم؛ لأن الله جل وعلا أثنى عليهم في كتابه ثناءً بالغًا في مواضع عديدة، قال الله جل وعلا: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح:١٨]، وقال الله جل وعلا في ثنائه عليهم: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح:٢٩]، ثم ذكر من وصفهم ما يوجب محبتهم، كذلك قال الله جل وعلا: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [التوبة:١٠٠]، فأثبت الله جل وعلا للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الرضا مطلقًا، وأما تابعوهم فإن الرضا مقيد بالإحسان، وتأمل الآية، قال الله جل وعلا: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ﴾ [التوبة:١٠٠]، فما قيد الرضا عنهم بإحسان، فكفاهم فضلًا سابقتهم، ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [التوبة:١٠٠]، فجعل الرضا عن التابع مقيدًا بالإحسان، وأما المهاجرون والأنصار فإنه قد أثبت لهم الرضا، ويكفي في فضلهم أن الله جل وعلا اطلع على أهل بدر فقال: (اعملوا ماشئتم فقد غفرت لكم)، وقول النبي ﷺ في أهل بيعة الرضوان: (لا يدخل النار رجل بايع تحت الشجرة)، ففضلهم ﵃ ظاهر، ولذلك استحقوا ما استحقوه من المحبة، وقول المؤلف ﵀: [ونحب أصحاب رسول الله ﷺ] يرد على جميع المنحرفين في صحابة النبي ﷺ، المنحرفين بزيادة أو نقص، بغلو أو جفاء، فإن أصحاب النبي ﷺ وقع الناس فيهم في إفراط وتفريط، وغلو وجفاء، ولذلك في ضبط وتحرير عقيدة أهل السنة والجماعة قال: [ولا نفرط في حب أحد منهم] ردًا على الرافضة الذين غلوا في محبة علي حتى ألهوه، أو ألهه بعضهم، وقوله: [ولا نتبرأ من أحد منهم] أيضًا رد على الرافضة الذين تبرأوا من أبي بكر وعمر ﵄، ومن عقائدهم أنه لا ولاء إلا ببراء، فلا ولاء لـ علي وآل البيت إلا بالبراءة من أبي بكر وعمر، وأهل السنة والجماعة يحبون أصحاب رسول الله بلا استثناء، مع التفاوت في المحبة على ما فصلنا وذكرنا في السابق، لكن المحبة ثابتة للجميع، بخلاف الرافضة الذين سبوا أبا بكر وعمر وسائر الصحابة، وبخلاف النواصب الذين ناصبوا عليًا العداء، فإن النواصب من الخوارج وممن ناصر بني أمبة سبوا عليًا رضي الله وقدحوا فيه.

20 / 7