Era of the Rightly Guided Caliphs: An Attempt to Critique Historical Narratives According to the Methodology of Hadith Scholars
عصر الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين
Mai Buga Littafi
مكتبة العبيكان
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
Inda aka buga
الرياض
Nau'ikan
عصر الخلافة الراشدة
محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين
تأليف الدكتور أكرم ضياء العمري
مكتبة العبيكان
Shafi da ba'a sani ba
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الولي المنعم والصلاة والسلام على نبيه وآله وصحبه وسلم.
أما بعد .. فإن عصر الخلافة الراشدة امتداد لعصر السيرة النبوية حيث تؤثر القيم الإسلامية على الناس في نشاطهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتنعكس على الحكم في علاقته بالأمة من ناحية وبالقوى الخارجية من ناحية أخرى، وتؤثر في اختيار الحاكم وقيم التعامل معه من حيث الطاعة المشروطة بإنفاذ أحكام الشريعة، والحفاظ على وحدة الأمة، والشورى، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والاجتهاد الفردي والجماعي لاستنباط الأحكام من الكتاب والسنة فيما يتعلق بالوقائع الجديدة المتنوعة وخاصة بعد الانسياح في الهلال الخصيب وبلاد إيران ومصر حيث التماس مع حضارات قديمة ونظم اجتماعية واقتصادية عريقة. فلولا الاجتهاد لما أمكن إنزال الأحكام الشرعية على الوقائع القائمة. ولولا الانفتاح العقلي والروح الملهمة لما تمكن الفاتحون من التعامل مع المجتمعات الجديدة، وإكسابها الطابع الإسلامي، مع الاحتفاظ بتقدمها في المدنية والعمران.
إن المألوف في التاريخ هو ذوبان الأمم البدوية في الحضارات القوية حتى لو اكتسحها البدو عسكريًا، إذ سرعان ما تنحل عصبتهم وتذوب روح المقاومة فيهم، ويتطبعون بطابع الحياة الجديدة، ولكن ما حدث في التقاء الفاتحين المسلمين مع الأمم الأخرى هو تلاقح وتبادل عميقان، وكان للإسلام بقيمه الروحية والثقافية المنفتحة الأثر الكبير في أحداثهما، وقد مكنت العقيدة الإسلامية والقيم الثقافية المنبثقة عنها المسلمين من الحفاظ على شخصيتهم وقيمهم ولغتهم وأدبهم وطابع حياتهم، وتحويل المجمعات الجديدة التي حكموها وإكسابها الصبغة الإسلامية واللسان العربي الذي صار اللغة الأدبية العامة فضلًا عن كونها لغة الدولة والسياسة
1 / 7
والإدارة، بحيث طغت بعد برهة وجيزة على اللغات واللهجات المحلية.
وينظر المسلمون إلى عصر الخلافة الراشدة باعتباره أميز العصور في تاريخهم بعد عصر النبوة حيث تولى الحكم كبار الصحابة المقربين من النبي ﷺ ممن شهد لهم بالسابقة والفضل والبشارة بدخول الجنة، تعاونهم أعداد من الصحابة الذين نزل القرآن بتعديلهم، وهم الذين مثلوا النخبة القيادة في الفكر والسياسة والإدارة والاقتصاد والفتوح، كما أنهم نقلوا القرآن والسنة إلى الأجيال التالية لذلك كان لابد من تمحيص الأخبار المتعلقة بهم خاصة.
ولا شك أن أساليب الحكم والإدارة والتوجيه التي اتبعوها وضحت جوانب النظام الإسلامي وصارت مثالًا يتطلع له المؤمنون في كل الأجيال المتعاقبة، وهم يقيسون أحوال زمانهم به، ويصفونه لبيان الانحراف والظلم وانهيار القيم الخلقية والاجتماعية والسياسية، ويدعون إلى العودة إلى "المثال" الذي تحقق في الخلافة الراشدة.
وكان الحكم في العهد النبوي تخالطه النبوة، لكنه لم يعد كذلك في الخلافة الراشدة، فلم يكن توليهم السلطة بأمر من الله أو بوصية من نبيه، بل تم اختيارهم وبيعتهم من قبل المسلمين، بما في ذلك خلافة عمر ﵁ الذي رشحه أبو بكر الصديق رضى الله عنه بعد مشورة الكبار من الصحابة، فلم تكن الخلافة لتنعقد له لولا بيعة الناس له في المدينة، ثم أخذ البيعة له من قبل الولاة على أرجاء الدولة الإسلامية ..
وقد طبَّق الخلفاء الأربعة التعاليم الإسلامية في الحكم، فاهتموا بالشورى الفردية والجماعية، لكنهم لم يؤسسوا مجلسًا دائمًا لها، بل كانت في الغالب تنحصر في المقدمين من الصحابة من ذوي السابقة والخبرة، وكان الجمهور يعترف لهم بهذه المكانة. لكن البيعة للخليفة لم تقتصر عليهم بل تمتد إلى الجمهور الذي يبايع البيعة العامة في المسجد بعد البيعة الخاصة التي يعقدها كبار الصحابة للخليفة.
إن أهم المظاهر التي برزت في عصر الخلافة الراشدة تتمثل في تنظيم الإدارة
1 / 8
والجيش والعطاء وتنظيم المناطق المفتوحة وخاصة في خلافة عمر ﵁. أما أهم الأحداث التي شهدها ذلك العصر فتتمثل في القضاء على حركات الانشقاق وإعادة توحيد الدولة الإسلامية في خلافة أبي بكر الصديق ﵁، مما مهَّد للحدث البارز الثاني المتمثل في حركة الفتوح الإسلامية التي شغلت العصر، وامتازت بالانسياح السريع في الهلال الخصيب وإيران ومصر، حيث تغلب الفاتحون على الإمبراطوريتين البيزنطية والساسانية وهما أعظم القوى في الأرض في ذلك الزمان، وكانت الغلبة الحضارية المتمثلة في سيادة الإسلام واللغة العربية تزيد على أهمية الانتصار العسكري السريع، لأنها مكنت للإسلام ولغته العربية في الأرض المفتوحة حتى الوقت الحاضر، خلافًا للفتوحات الأخرى التي قادها هانيبال والإسكندر وهولاكو قديمًا والتي قامت بها بريطانيا وأسبانيا والبرتغال وهولندا في العصر الحديث، فرغم الانتصار العسكري لهذه القوى إلا أنها لم تتمكن من صهر المناطق المفتوحة في بوتقتها الحضارية وإن تركت فيها آثارًا متباينة العمق. ويعود الأثر العميق الذي أحدثته الفتوح الإسلامية إلى تحول السكان إلى الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقًا، تمتد تعاليمه إلى جوانب الحياة المختلفة، وتؤثر في البنية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية .. وكان لقيم التسامح والعدل والمساواة أثر كبير في اجتذاب سكان المناطق المفتوحة وتوحدهم مع الفاتحين.
وقد كان الحدث الداخلي المهم يتمثل في أحداث الفتنة التي أودت بحياة الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان ﵁ وطغت نتائجها على أحداث خلافة علي بن أبي طالب ﵁ الذي واجه المعارضة المتنوعة في الجمل والنهروان وصفين، واستشهد قبل أن تستقر الدولة الإسلامية على حال.
ولا شك أن التجربة السياسية التي لم يمض عليها سوى أربعة عقود تمكنت من الصمود أمام العواصف العاتية وخرجت منها مثقلة بتجاربها وخبراتها متطلعة إلى الاستقرار والامتداد والتفاعل مع التطورات الجديدة في العصر الأموي.
وقد التزمتُ بتطبيق مناهج المحدثين في نقد الروايات التاريخية إذا تعلقت
1 / 9
بالعقيدة والشريعة، أما الأخبار التي تتناول الفتوحات، وتعيين الولاة والقضاة والموظفين فإنها لا تقتضي إعمال المنهج النقدي الحديثي فيها بل يكفي اتفاق الاخباريين واختلافهم عليها وسلامتها من التناقض والشذوذ، وسلامة القصد عند الرواة لئلا يميلوا بالأخبار نحو خدمة اتجاهاتهم العقدية والسياسة، وهكذا تعامل علماء السلف مع هذه الأخبار، ولو اشترطوا فيها ما اشترطوه في الأحاديث النبوية لما صفا لهم منها إلا القليل، وبذلك يبقى التأريخ علمًا مستقلًا له أدواته الخاصة ومناهجه النقدية المتميزة
واللهُ من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
المؤلف
الدكتور أكرم ضياء العمري
المدينة المنورة
١٧ ذو الحجة ١٤١٤ هـ
1 / 10
تحليل المصادر
1 / 11
١ - كتب التأريخ:
محمد بن اسحق:
وكتابه (المبتدأ والمبحث والمغازي) أجود ما كتب في السيرة النبوية، وعقد آخره فصولًا تتعلق بالسقيفة وخلافة أبي بكر والردة وجملة من أخبار عصر الخلافة الراشدة. وقد سرد ابن اسحق في كتابه الآخر (تاريخ الخلفاء) روايات مفصلة عن ذلك العصر، لكن كتابه مفقود، ونجد مقتطفات منه في (تاريخ الطبري) وغيره.
خليفة بن خياط:
يعتبر تاريخ خليفة بن خياط (ت٢٤٠ هـ) أقدم تاريخ حولي وصل إلينا، حيث فقدت كتب الحوليات التي ألفت قبله، وتظهر أهميته في دقة معلوماته، وحسن انتقاء رواياته، وانتماء مؤلفه إلى مدرسة المحدثين حيث يهتم بذكر الأسانيد، وقد أعطى اهتمامًا خاصًا لجداول الولاة والقضاة، كما اهتم بأحداث الفتنة في خلافة عثمان حيث أثرت رواياته على رؤية أهل السنة والجماعة لتلك الأحداث لما يتمتع به خليفة من توثيق، ولكثرة إيراده لمرويات أهل الحديث، مما جعله مصدرًا تطمئن إليه نفوس الباحثين في تاريخ صدر الإسلام حيث تؤثر الأهواء المتنوعة في توجيه الروايات وانتقائها.
1 / 13
محمد بن سعد (ت ٢٣٠هـ) (١):
إن كتاب الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد يترجم لرواة الحديث من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى طبقة شيوخ المؤلف، ويطيل ذكر أخبارهم ومكانتهم وصفاتهم الخلقية والخُلُقية وملابسهم وعاداتهم، ومنهم خلفاء وأمراء وقادة فيقدم معلومات غنية عن التأريخ السياسي والحضاري والثقافي، وطول التراجم في الصحابة والتابعين أكثر من المتأخرين.
وتزداد أهمية الكتاب لكون ابن سعد حظي بتوثيق المحدثين، لكنهم عابوا عليه أخذه عن الضعفاء كهشام بن الكلبي ومحمد بن عمر الواقدي. وقد صنف الواقدي كتابا في الطبقات نقل عنه ابن سعد ما لا يقل عن ربع كتابه (٢). ولكن من الإجحاف لابن سعد أن نقتنع بقول ابن النديم عنه أنه صنف كتبه من تصنيفات الواقدي (٣)، لأن ابن سعد استقى من مصادر أخرى كثيرة حتى بلغ عدد شيوخه في الطبقات الكبرى أكثر من ستين شيخا معظمهم من المحدثين، ويزيد ما نقله عن أبي نعيم الفضل بن دكين وعفان بن مسلم وعبيد الله بن موسى العبسي ومعن بن عيسى الأشجعي مجتمعين على ما نقله عن الواقدي، فكيف وقد نقل عن غيرهم أيضا!!. وبذلك يتضح ما في اتهام ابن النديم له من مجازفة وبعد عن الحق (٤).
لقد أورد ابن سعد ١٦٨ رواية عن خلافة الصديق ﵁، منها ٣٦ رواية فقط من طريق الواقدي، أي أقل من ربعها، ويقدم معلومات مفصلة ينفرد
_________
(١) راجع أكرم العمري: مقدمه التأريخ خليفة بن خياط ٣.
(٢) أكرم العمري: بحوث في تاريخ السنة المشرفة ٨٠.
(٣) ابن النديم: الفهرست ١٥١.
(٤) أكرم العمري: بحوث في تاريخ السنة المشرفة ٨٠.
1 / 14
بكثير منها (١). وغالب رجال أسانيده معروفون لهم تراجم في الكتب ماعدا شيوخ شيخه الواقدي (٢). ويلاحظ أنه في أحداث الفتنة زمن عثمان ﵁ لم يرو عن سيف بن عمر إطلاقًا (٣).
البلاذري:
أحمد بن يحيى بن جابر (ت ٢٧٩ هـ- ٨٩٢ م)، نشأ في بغداد من عائلة مارس بعض رجالها صنعة الكتابة، وورث "البلاذري عنهم هذه الصناعة، ورحل في الأمصار الإسلامية لطلب العلم، وصار أحد النقلة عن اللسان الفارسي، وقد ترجم كتاب (عهد أردشير، ونظمه شعرًا) (٤).
ويعد البلاذري أبرز المؤرخين المسلمين بعد الطبري من حيث سعة المعلومات التي دونها والفترات التاريخية التي غطاها، لكن كتابه (أنساب الأشراف) أحسن انتقاء للروايات وأنقى أسانيد وأكثر اتفاقًا مع روايات أهل الثقة والصدق من تأريخ الطبري.
وأنساب الأشراف يتناول التاريخ الإسلامي في إطار الأنساب "ابتداء بالأسر
_________
(١) عبد العزيز بن سليمان المقبل: خلافة أبي بكر الصديق ص ١٧ (رسالة ماجستير مقدمة للجامعة الإسلامية مكتوبة بالآلة).
(٢) محمد عبد الله الغبان: فتنة مقتل عثمان بن عفان ١: ١٦ (رسالة ماجستير مقدمة للجامعة الإسلامية مكتوبة بالآلة الطابعة).
(٣) المصدر نفسه ١: ١٦.
(٤) شاكر مصطفى: التأريخ العربي والمؤرخون ١: ٢٤٣، ومحمد صامل السلمي: منهج كتابة التأريخ الإسلامي ٣٨٨ - ٣٨٩.
1 / 15
والعشائر والقبائل القرشية، وانتهاء بغيرها من القبائل العربية" (١).
وباستقراء مشايخ البلاذري نجد أغلبهم توفي قبل وفاة البلاذري بأكثر من عشرين عامًا تقريبًا، مما يدل على أنه صنف كتابه قديمًا قبل مرضه، وبمقارنة رواياته بروايات غيره كابن سعد وخليفة نجدها متفقة مع الروايات الحسنة والصحيحة التي أوردتها كتب السنة والتاريخ، لذلك فإذا حدث في رواياته ضعف أو شذوذ فهو من قبل الرواة الذين نقل عنهم لا منه هو (٢).
وقد استقى رواياته في أحداث الفتن من ثقات المحدثين من شيوخ البخاري ومسلم في الصحيحين مثل عفان بن مسلم، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وعلي بن المديني وعمرو بن محمد الناقد، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي خيثمة (٣). كما أفاد من مؤلفات شيوخه البغداديين مثل القاسم بن سلام، وعلي بن محمد المدائني، ومحمد بن سعد، وابن الأعرابي، وعلي بن عبد الله المديني، ومصعب الزبيري، ومحمد بن حبيب البغدادي، وعمر بن شبَّة (٤).
وقدَّم البلاذري كتابًا آخر للمكتبة التأريخية وصل إلينا، وهو (فتوح البلدان) تناول فيه قصة فتح كل مصر على حدة، وذكر معلومات مهمة تخص الحياة الاقتصادية والإدارية والثقافية مما يغني دراسة معاملة الفاتحين لسكان المناطق المفتوحة. وتجلى أهميته لاعتماده على مصادر محلية في كل مصر (٥).
_________
(١) إحسان صدقي العمد: مقدمته للقسم الخاص بأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب من أنساب الأشراف للبلاذري ص ١٠، ط. الكويت.
(٢) عبد الحميد علي ناصر محمد: خلافة علي بن أبي طالب ص ١٣.
(٣) عبد الحميد علي ناصر محمد: خلافة علي بن أبي طالب ص ١٤.
(٤) إحسان صدقي العمد: مقدمته ص ١٠.
(٥) شاكر مصطفى: التأريخ العربي والمؤرخون ١: ٢٤٣.
1 / 16
ابن عبد الحكم:
أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم المصري (١٨٧ - ٢٥٧ هـ) وهو ينتمي إلى أسرة علمية، فأبوه فقيه مالكي كبير له مؤلفات فقهية وكتاب سيرة عمر بن عبد العزيز، وإخوته الثلاثة فقهاء محدثون.
ألَّف ابن عبد الحكم كتبًا أشهرها فتوح مصر وأفريقية وقد تناول أخبار الفتح الإسلامي لمصر في خلافة عمر ﵁، وتحدث عن خطط الفسطاط، والخراج ومقداره وكيفية جبايته، وحفر خليج أمير المؤمنين، وإدارة مصر في ولاية عمرو بن العاص ثم ولاية عبد الله بن أبي السرح، وجهود الواليين في الفتح.
ويعتمد عادة على رواية أساسية ثم يبين ما في الروايات الأخرى من زيادات أو مخالفات. وأحيانا يجمع الأسانيد، وغالب أسانيده مستقيمة ورجالها معروفون، ولم يكثر من الرواية عن الأخباريين المعروفين (١).
الأزدي:
أبو إسماعيل محمد بن عبد الله الأزدي البصري (عاش في القرن الثاني الهجري) ألف كتاب (فتوح الشام)، وهو أقدم ما وصل إلينا في موضوعه حيث فقد كتابا محمد بن اسحق (ت ١٥١ هـ) وأبي مخنف لوط بن يحيى (٢).
ويقدم الكتاب تفاصيل عن فتوح الشام تبدأ بوصف مشاورة الصديق ﵁ لكبار الصحابة في عزمه على فتح الشام، ويسجل آراء عدد منهم، ثم يعرض
_________
(١) محمد بن صامل السلمي: منهج كتابة التأريخ الإسلامي ٣٨٣ - ٣٨٧.
(٢) ابن النديم: الفهرست ٩٣، وابن حجر: الإصابة ٤: ٤.
1 / 17
لاستنفار الناس وقدومهم إلى المدينة وخاصة أهل اليمن، ويصف الحملات المتعاقبة ووصايا الصديق لقادتها وردودهم عليه، ثم يعرض للمعارك دون ترتيبها على السنين مكتفيًا بتسجيل التواريخ في ثنايا الروايات. وقد حفظ عددًا كبيرًا من الرسائل المتبادلة بين الصديق وقادته والفاروق وقادته مما لم يرد في المصادر التأريخية الأخرى، وأحيانًا يرد ولكن من طريق أخرى أو مقتضبًا (١).
وقد أورد الأزدي ٩٣ إسنادًا، وهي تكشف عن بعض مصادره، ومعظمها رواة من قبيلة الأزد التي ينتمي إليها، وقد أشاد بمواقفها في الفتح (٢).
ابن شبَّة:
عمر بن شبة النميري (ت ٢٦٧ هـ)، "كان ثقة عالمًا بالسير وأيام الناس، وله تصانيف كثيرة" (٣).
وقد وصل إلينا كتابه (تأريخ المدينة) ويقدم معلومات غزيرة عن عصر الخلافة الراشدة، وخطط المدينة المنورة- عاصمة الخلافة- وهو ينتقي الروايات فترتفع نسبة الروايات الصحيحة والحسنة عما في المصادر الأخرى، وينفرد بعدد كبير من الروايات، ولم تفد الدراسات الحديثة منه لتأخر نشره.
وإذا كان ابن شبة في تأريخ المدينة قد فصل أخبار الخلفاء الراشدين في المدينة، فإنه قد تابع أخبارهم في كتابه الآخر (تأريخ البصرة) وهو مفقود لكن الحافظ ابن حجر في (فتح الباري شرح صحيح البخاري) أورد قطعة منه تتناول
_________
(١) أكرم العمري: دراسات تأريخية ٦٩ - ٧٩.
(٢) المصدر السابق ٦٩ - ٧٩.
(٣) الخطيب: تأريخ بغداد ١١: ٢٠٨.
1 / 18
وقعة الجمل (١) ولكن ابن حجر انتقى الروايات الصحيحة والحسنة وأهمل الروايات الأخرى.
اليعقوبي:
أحمد بن أبي يعقوب اسحق (ت ٢٨٤ هـ) مؤرخ شيعي إمامي، عمل في كتابة الدواوين في الدولة العباسية، وهو رحالة جغرافي أفاد من الدواوين الرسمية والملاحظة المباشرة في رحلاته في تأليف كتاب (التاريخ) وكتاب (البلدان)، وبدأ. تأريخه ببدء الخليقة ثم أخبار الأنبياء وتواريخ الأمم قبل الإسلام، وذلك في القسم الأول من كتابه. أما القسم الثاني فتناول السيرة وعصر الخلافة الراشدة والدولة الأموية والعباسية حتى سنة ٢٥٩ هـ، وقد سمى مصادره في هذا القسم وهم أحد عشر أخباريًا ومنجمان أخذ عنهما الطوالع والنجوم (٢). ويقسم بالاقتضاب من ناحية (٣)، وبالانحياز العقدي من ناحية أخرى. ويحتاج إلى دراسة نقدية تعيد الروايات إلى مصادرها الأولية، وتنظر في أسانيدها ومتونها ومدى سلامتها من العلل وما وافق روايات الثقات والصدوقين من أهل الأخبار أو خالفها.
ابن قتيبة الدينوري:
عبد الله بن مسلم (٢١٣ - ٢٧٠ هـ) وهو عالم كبير في القرآن والحديث
_________
(١) ابن حجر: فتح الباري ١٣: ٥٤ - ٥٦.
(٢) شاكر مصطفى: التأريخ العربي والمؤرخون ١: ٢٤٩ - ٢٥٣، ومحمد بن صامل السلمي: منهج كتابة التأريخ الإسلامي ٤٢٦ - ٤٣٢.
(٣) يتناول تأريخه المطبوع عصر الراشدين في ٩٢ صفحة من ص ١٢٣ إلى ص ٢١٥.
1 / 19
واللغة وثقة النقاد (١)، وله عناية بالأخبار حيث صنف كتاب (المعارف) و(وعيون الأخبار) فأما كتاب المعارف "فلعل ابن قتيبة وضعه لسد حاجة الكتاب والناس إلى تأريخ موجز يحوي المعلومات الأساسية، أو لعله وضعه مشروعًا لكتابة تأريخ عالمي يبدأ بالخليقة وينتهي في عهد المعتصم، شاملًا تأريخ الأنبياء وأنساب العرب والسيرة والصحابة والتابعين، والخلفاء، وأصحاب الرأي والنسب والأخبار والحديث والشعر، والولاة، وصناعات الأشراف، وأخبار الملوك العرب والعجم .. ومصادره تعتمد على الكتب والروايات الشفهية فهو ينقل عن ابن اسحق والواقدي والكلبي" (٢) أما عيون الأخبار "فهو يتناول التأريخ الحضاري لا ظل للسياسة والأحداث والزمن المتسلسل فيه" (٣). وينسب له خطأ كتاب (الإمامة والسياسة).
الطبري:
محمد بن جرير (٢٢٤ - ٣١٠ هـ)، إمام في التفسير والفقه والتأريخ،
اشتهر بكتابيه في التفسير والتأريخ وكلاهما موسوعة كبيرة في فنه، ويهمنا معرفة
أهمية تأريخه في دراسة عصر الخلافة الراشدة، فهو أوسع المصادر في ذكر أخبار
ذلك العصر، فقد اعتمد على كتب الإخباريين الذين صنفوا كتبًا في الأحداث
المتنوعة التي شهدها عصر الخلافة الراشدة. فقد اعتمد في الردة على كتاب (الردة)
لسيف بن عمر التميمي (ت ١٧٠ هـ) الذي عرف بميوله القبلية (تميم) والعراقية
_________
(١) منهم الخطيب البغدادي وابن تيمية والذهبي (تاريخ بغداد ١٠: ١٧٠ - ١٧١، وتذكرة الحفاظ ٢: ٦٣٣، وسير أعلام النبلاء ١٣: ٢٩٦ - ٣٠٢).
(٢) شاكر مصطفى: التأريخ العربي والمؤرخون ١: ٢٤٠، والدوري: نشأة علم التأريخ عند العرب ١٣٦.
(٣) شاكر مصطفى: التأريخ العربي والمؤرخون ١: ٢٤٠.
1 / 20
ولم يحظ بتوثيق أحد من المحدثين، فهو متروك الرواية عندهم، ولكنه احتفظ بتقدير المؤرخين لقدرته على رسم صور الأحداث ببراعة واتساق، ولتقديمه تفصيلات واسعة ينفرد بها أحيانًا كثيرة. واعتمد في الفتوح على كتاب (الفتوح) لسيف بن عمر التميمي أيضًا إلى جانب كتابين في فتوح الشام والعراق لأبي مخنف لوط بن يحيى (ت ١٥٧ هـ) - وهو كوفي ميوله الشيعية قوية- بالإضافة إلى كتب علي بن محمد المدائني وسيف بن عمر وعمر بن شبة، وأما في فتنة مقتل عثمان ﵁ فاعتمد على كتب الواقدي وأكملها برواية سيف بن عمر، وعمر بن شبة، وابن اسحق (١). وأما موقعة الجمل وصفين فاعتمد فيهما على كتب علي بن محمد المدائني (ت ٢٢٥ هـ) الذي عرف بشيخ الأخباريين، وألف كتبًا كثيرة في موضوعات عصر الراشدين وغيرها. ورواياته معتدلة وأقرب إلى الاستقامة- على الأغلب-، وكذلك اعتمد على كتاب صفين لأبي مخنف لوط بن يحيى، وبدرجة يسيرة على كتاب (صفين) لنصر بن مزاحم (ت ٢١٢ هـ) وهو كوفي شيعي الميول انتقده علماء الحديث بشدة إما بسبب معتقده أو بسبب ضعف ضبطه أو للسببين معًا (٢). واعتمد في قوائم أمراء الحج وولاة الأقاليم وأخبار المرابطين والغزاة على أبي معشر السندي والواقدي (٣). وأفاد من كتاب (تأريخ الخلفاء) لمحمد بن اسحق (ت ١٥١ هـ) وتأريخ ابن أبي خيثمة (ت ٢٧٩ هـ) والتأريخ على السنين للهيثم بن عدي (ت ٢٠٦ هـ) وكتب محمد بن عمر الواقدي (ت ٢٠٧ هـ) وابن سعد (ت ٢٣٠ هـ) صاحب الطبقات الكبرى في أخبار عصر الخلافة الراشدة.
ولم يصرح الطبري بأسماء الكتب التي ينقل عنها مكتفيًا بذكر أسماء
_________
(١) السلمي: منهج كتابة التأريخ الإسلامي ٤٤٤.
(٢) الذهبي: ميزان الاعتدال ٤: ٢٥٣ - ٢٥٤.
(٣) السلمي: منهج كتابة التأريخ الإسلامي ٤٤٥.
1 / 21
المؤلفين لها ولكن يعرف ذلك من خلال تراجمهم وطبيعة محتويات رواياتهم. ويذكر الطبري روايات تأريخه بالأسانيد، ورغم أنه ينتقيها من كتب الأخباريين لكنه لم يحاول استخلاص الروايات الموثقة، بل ترك للقارئ حرية النقد والترجيح مكتفيًا بالعزو إلى مصادره التي نفد معظمها، وبذلك حفظ لنا مادة تأريخية واسعة تحتاج دراستها إلى موازين نقدية واضحة قبل اعتمادها في التحليل والتعليل، لأنها تمثل مدارس فكرية وسياسية متنوعة، فلا غرابة إذا تضاربت آراؤها ورواياتها في الأحداث. وقد أطال في تراجم الخلفاء الراشدين وبسط أحداث الردة والفتوح والفتن مما جعله أوسع المصادر لعصر الخلافة الراشدة وخاصة في جوانب الحياة السياسية والنشاط العسكري.
المسعودي:
علي بن الحسين بن علي (ت ٣٤٦ هـ)، ولد ونشأ ببغداد، ثم رحل منذ صباه لجمع المعلومات التأريخية والجغرافية، فتنقل في أرجاء العالم الإسلامي وخارجه، وألف كتبه العديدة التي تكشف عن تنوع ثقافته وسعة اطلاعه، وقد تناول عصر الخلافة الراشدة في كتابة (مروح الذهب ومعادن الجوهر) في ١٥٦ صفحة (من ص ٣٢٥ - ص ٤٨١) ويرى الحافظ الذهبي أنه كان معتزليًا (١)، ويرى الحافظ ابن حجر بأن "كتبه طافحة بأنه كان شيعيا معتزليًا" (٢). وخلص أحد دارسيه إلى أنه "ذو ميول شيعية قوية" وساق أدلة قوية تؤكد رأيه (٣).
ولم يذكر المسعودي أسانيد الروايات ولا أسماء المصنفات التي ينقل عنها
_________
(١) الذهبي: سير أعلام النبلاء ١٥: ٥٦٩.
(٢) ابن حجر: لسان الميزان ٤: ٢٢٥.
(٣) سليمان بن عبد الله السويكت: منهج المسعودي في كتابة التأريخ ٧٤.
1 / 22
كل خبر، مكتفيًا بقائمة الكتب التأريخية التي ساقها في مقدمة كتابه، ويبرز بينها مما يعرض لتأريخ عصر الراشدين كتب أبي مخنف لوط بن يحيى (ت ١٥٧ هـ) والهيثم بن عدي الطائي (ت ٢٠٧ هـ) ومحمد بن عمر الواقدي (ت ٢٠٧ هـ) وأبى الحسن علي بن محمد المدائني (ت ٢٢٥ هـ) وأحمد بن يحيى البلاذري (ت ٢٧٩ هـ). ويلاحظ أحد دارسيه أنه تفضل عليًا على سائر الصحابة، وأنه يوحي بأن له الأفضلية في تولي الخلافة، ويصف مخالفته من الصحابة بالعثمانية ويتهمهم بالطمع، ويظهر انجازًا واضحًا في أحداث صفين. وبتعبير دارس آخر للمسعودي "كان يحاول تقديم رأى شيعي في التأريخ الإسلامي المبكر" (١).
ابن أعثم الكوفي:
أبو محمد أحمد بن أعثم الأزدي (توفي بعد سنة ٣٢٠ هـ)، وهو مؤرخ شيعي، وكتابه من أوسع ما كتب في الفتوح، كما فصل أخبار حركة الردة، وقد اعتمد مصادر مفقودة، وترقى أسانيده- التي حفظتها نسخة خدا بخش- إلى عروة بن الزبير (ت ٩٣ هـ)، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري (ت ١٢٤ هـ)، ويزيد بن رومان الأسدي (ت ١٣٠ هـ)، ومحمد بن اسحق (ت ١٥١ هـ)، ومحمد بن عمر الواقدي (ت ٢٠٧ هـ)، ويبدو أنه يجعل رواية الواقدي هي الأساس في أخبار الردة ثم يضيف إليها من مصادر أخرى وخاصة في المواعظ والأشعار (٢). كما أفاد من روايات أبى مخنف لوط بن يحيى، وهشام بن الكلبي، وعلي بن محمد المدائني (ت ٢٢٥ هـ).
_________
(١) السويكت: منهج المسعودي ٣٥٨ - ٣٦٢.
(٢) عبد العزيز البيتي: ابن أعثم الكوفي، منهجه وموارده عن خلافة أبي بكر الصديق ﵁ ص ١٣٩.
1 / 23
وتبدو عناية ابن أعثم بالشعر من كثرة إيراده في كتابه، وقد ساعد على هذا المنحى أن ابن أعثم كان شاعرًا، وكذلك عني بسرد الخطب والرسائل المتبادلة، حيث ينفرد بمادة أدبية واسعة.
وقد ساعد منهجه في حذف الأسانيد، وسوق الأراجيز والخطب على لسان الأبطال مباشرة على رسم الصور الملحمية الكاملة، واعتماد الأسلوب القصصي المتسلسل.
ابن حبيش:
أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الأنصاري (٥٠٤ - ٥٨٤ هـ)، ولد بالمرية، وقرأ القرآن، وتعلم الفقه والأدب والعربية، وفي سنة ٥٣٠ هـ انتقل إلى قرطبة حيث أفاد من علمائها، وعاد سنة ٥٣٤ هـ إلى المرية ومكث فيها حتى أسره الروم في استيلائهم عليها ثم أطلقوه فخرج منها عام ٥٤٢ هـ إلى مرسية، ثم منها إلى جزيرة شقر متوليًا قضاءها حتى سنة ٥٥٤ هـ، ثم وكل إليه الخطبة بجامع مرسية، ثم تولى سنة ٥٧٥ هـ قضاء مرسية لأبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن (٥٥٨ - ٥٨٠ هـ)، وفي هذه السنة شرع بتأليف كتابه الغزوات الضامنة الكافلة والفتوح الجامعة الحافلة الكائنة في أيام الخلفاء الأئمة الأول الثلاثة أبي بكر الصديق وأبي حفص الفاروق وأبى عمرو ذي النورين وهو في السبعين من عمره، وقد توفي وهو على قضاء مرسية عام ٥٨٤ هـ.
وقد وصف ابن حبيش بالنزاهة والأنصاف، وضيق الخلق وصرامة الأحكام، ولم يكن التأريخ بين العلوم التي درسها وهي القراءات والحديث واللغة والغريب، ولم يؤلف (الغزوات) إلا بناء على أمر يوسف بن عبد المؤمن أمير الموحدين الذي عينه قاضيًا رغم مالكيته التي حاربها الموحدون! ولعل كبر سنه وضعف عزمه وتعيينه قاضيًا عوامل تكمن خلف ثنائه على الموحدين حيث وصف ابن تومرت بالإمام
1 / 24
المعصوم والمهدي المعلوم! ولكن تأخره في تصنيف كتابه المغازي لا يعني عدم اهتمامه بفن التأريخ، فقد نسخ عددًا من تواريخ الأندلسيين، ابن حيان والخشني وعياض، ورواها وعلق عليها (١). وقد انفرد ابن قاضي شهبة بالتصريح ببراعة ابن حبيش بالتأريخ، فلعله يقصد علم رجال الحديث حتى يتفق كلامه مع آراء أهل العلم الآخرين (٢). وتظهر أهمية كتاب (الغزوات الضامنة) في اقتباسه من مصادر مفقودة في الردة والفتوح أهمها كتاب الردة للواقدي (ت ٢٠٧ هـ)، وكتاب يعقوب بن محمد الزهري (ت ٢١٣ هـ) وفتوح الشام لسعيد بن الفضل (توفي أواخر القرن الثاني الهجري) والردة والفتوح لسيف بن عمر التميمي (ت ١٧٠ هـ)، وكذلك تبدو إضافاته في نطاق الوثائق والمكاتبات والرسائل وفي نطاق الشعر الذي انفرد ببعضه، فهو مصدر بديل عن المصادر الأصلية المفقودة في الردة والفتوح، لكنه ينزل إلى مستوى المصادر الثانوية في بقية الموضوعات.
الكلاعي:
أبو الربيع سليمان بن موسى (٥٦٥ - ٦٣٤ هـ)، محدث حافظ ثقة، أندلسي، عاش في عصر الموحدين (٥١٥ - ٦٦٨ هـ) في مدينة بلنسية حيث أثر ازدهار العلم فيها على توجهه نحو الطلب ثم التأليف، ودفعه الصراع بين المسلمين والنصارى في الأندلس إلى المشاركة في أحداث الجهاد. وقد استشهد في معركة قريب بلنسية وهو في السبعين من العمر حاملًا لراية المسلمين.
وقد تولى الكلاعي القضاء في بلنسية، وهو فقيه مالكي، وعرف سجله
_________
(١) طلال بن سعود الدعجاني: مقدمته للغزوات الضامنة ص ٣١٠٣.
(٢) المصدر السابق ٣١٠٥.
1 / 25
القضائي بالعدل والفضل والسيرة الحميدة، كما تولى الإمامة والخطابة في جامع بلنسية. وتدل عناوين مؤلفاته وهي تسعة كتب في الحديث، وستة في علم الرجال والتراجم وعشرة في الأدب (الرسائل والخطب والشعر). وكتاب (المغازي) على طبيعة ثقافته فهو يجمع بين الحديث والتأريخ والأدب، ورغم توليه القضاء فإنه لم يؤلف في الفقه والفتاوى وأدب القضاء.
إن الكتاب الوحيد الذي وصل إلينا هو (المغازي) الذي تناول فيه السيرة وعصر الخلافة الراشدة إلى نهاية خلافة عثمان ﵁. وقد أفاد في كتابه من تهذيب ابن هشام لمغازي محمد بن اسحق المطلبي (ت ١٥١ هـ) (١)، وأهمل كتاب المغازي للواقدي مع اطلاعه عليه (٢) "ولكني رأيته كثيرًا ما يجري مع ابن اسحق، فاستغنيت عنه به لفضل فصاحة ابن اسحق". وقد عمد إلى تلخيص رواية ابن اسحق وتخليصها من اللغات وكثير من الأنساب والأشعار (٣). وأفاد في الفتوح من كتاب الردة والفتوح لسيف بن عمر التميمي (ت ١٨٠ هـ) ومن كتاب لأبي عثمان سعيد بن الفضل (توفي أواخر القرن الثاني) وكتاب فتوح الشام لأبي إسماعيل محمد بن عبد الله الأزدي البصري (توفي في القرن الثاني الهجري) وكتاب محمد بن عمر الواقدي (ت ٢٠٧ هـ) وعلي بن محمد المدائني (ت ٢٢٥ هـ) والتأريخ الكبير لابن أبي خيثمة (ت ٢٧٩ هـ) وكتاب أخبار المدينة للزبير بن بكار (ت ٢٥٦ هـ) وتأريخ الطبري (ت ٣١٠ هـ) (٤). وصرَّح بأنه ينتحل من كتاب
_________
(١) الكلاعي: مقدمة الاكتفا لوحة ١.
(٢) المصدر السابق لوحة ٢.
(٣) الكلاعي: الاكتفا لوحة ٤.
(٤) جمال محمد صادق القاضي: فتوح الشام من كتاب الاكتفا ١٤٢، ١٥٠، ١٥٣.
1 / 26