Encyclopedia of the Virtues of Islam and Refutation of the Slanders
موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام
Mai Buga Littafi
دار إيلاف الدولية للنشر والتوزيع (دار وقفية دعوية)
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٣٦ هـ - ٢٠١٥ م
Nau'ikan
مَوْسُوعَةُ مَحَاسِنِ الإِسْلَامِ وَرَدُّ شُبُهَاتِ اللِئَامِ
تَألِيفُ
أحْمَد بْن سُليْمَان أَيُّوب
وَنُخْبَة مِنَ البَاحِثِين
فِكْرَةُ وإشْرَافُ
د. سُليْمَان الدّرَيع
المُجَلّدُ الأَوَّلُ
المُقَدِّمَةُ وَبُطْلَانُ أُلُوهِيَّةِ المَسِيح
دَارُ إيلاف الدُّوَلِيَّة
لِلنَّشْرِ وَالتَّوزيع
1 / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 2
مَوْسُوعَةُ مَحَاسِنِ الإِسْلَامِ وَرَدُّ شُبُهَاتِ اللِئَامِ (١)
1 / 3
حُقُوق الطَّبْع مَحفوظة
الطَّبْعَةُ الأُولى
١٤٣٦ هـ - ٢٠١٥ م
دَارُ إيلاف الدُّوَليَّة
لِلنَّشْرِ وَالتَّوزيع
(دار وقفية دعوية)
المدير العام: د/ فرحان بن عبيد الشمري
falaslmi@gmail.com
الإدارة: مجمع المخيال- هاتف: ٢٤٥٧٠٠٨٢ - ٩٦٩٩٩١٨٢ - الكويت.
الفرع الأول: الجهراء- مجمع الخير- الدور الأول مكتب ١٠ هاتف ٢٤٥٥٧٥٥٩
الفرع الثاني: حولي- شارع المثنى، هاتف وناسوخ: ٢٢٦٤١٧٩٧
رقم الإيداع بدار الكتب المصرية: ١١٠٤٥/ ٢٠١٥ م
التوزيع داخل جمهورية مصر العربية:
دَارُ العِلمِ
للبحث العلمي وتحقيق التراث
لصاحبها: أحمد بن سليمان
ah.solaiman ١٩٧٠@gmail.com
ت: ٠١١٥٨٩٨٠٥٨٠
1 / 4
فريق العمل
أحمد بن سليمان أيوب
ونخبة من الباحثين
أبو محمد صالح حسون
سيد سيد عبد العال
عبد الرحمن إسماعيل
أبو حسام الطرفاوي
أحمد ناجي
مصطفى أبو الغيط
محمد عبد العزيز
أحمد بنداري
محمود عبد الحكيم
إيهاب عبد الواحد
محمد عوض صالح
سليمان دويدار
عبد الله الغندور
محمد غنيم
مدحت عبد العظيم
وليد دويدار
1 / 5
تقديم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد
فقد عرف أعداء الإسلام أن مصدر عزة هذا الدين وعزة أهله، وسر تجدده في نفوس المسلمين هو تمسكهم بهذا القرآن العظيم وسنة نبيهم الأمين، هذا القرآن الذي لا يخلق من كثرة الترداد، ولا تنقضي عجائبه، ولا يمله القارئ والسامع ولا يزداد به المؤمن إلا يقينا بدينه وتعلقا به، وهو المعجزة الخالدة، والآية الباقية ما بقي الليل والنهار، وهو المحفوظ بوعد الله كما قال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)﴾ [الحجر: ٩].
وقد اجتهد أعداء الدين في الطعن في هذا القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة؛ حتى يسلخوا المسلمين عن دينهم، فيصبحوا صيدًا سهلًا وغنيمة باردة.
وحرب أعداء الدين هذه شاملة لكل أساسيات هذا الدين وقواعده؛ فلم يتركوا بابًا يشوهون فيه صورة الإسلام إلا اتبعوه ولا سبيلًا إلا سلكوه، فهم يعلمون أن المسلمين لو تعرفوا على دينهم الصحيح بنقائه لدعاهم ذلك إلى العزة بهذا الدين ونبذ كل منهج وطريق يخالف شريعة سيد المرسلين.
أسباب جمع هذه الموسوعة المباركة
زادت الحاجة لإخراج عمل موسوعي يتناول كل ما يثار حول الإسلام من تشكيك وتلبيس وكذب وافتراء على الملة الغراء، ولقلة الحياء وذهاب المروءة عن أهل الضلال استباحوا أن يكذبوا على المسلمين ويدسوا على المساكين ما يروج من المشكلات والضغن المبين، فكان لزامًا على أهل العلم والغيورين أن يثوروا على هؤلاء الآثمين بدحض شبهاتهم وكشف زيغهم وبهتانهم وفضح مخططاهم ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال: ٤٢]
وأجمل الأسباب الداعية لهذا العمل أيضا في التالي:
١ - كثرة المطاعن في هذا الزمن على الإسلام، واتهامه بالتناقض، سواء من
1 / 6
المستشرقين، أو من أعداء الدين، أو ممن ينتسبون للإسلام.
٢ - تأثر بعض المسلمين بهذه الشبه التي تثار، فكان لزاما على طلبة العلم وأهله كشف هذه الشبه، وبيان فسادها للناس أجمعين.
٣ - إثبات إعجاز القرآن، وأنه من عند الله، وأن الله تكفل بحفظه حقا. وإثبات أن السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام محفوظة أيضا من الزيف والافتراء وهذا يدل على حفظ الله ورعايته للوحيين الكريمين
٤ - كشف شبه الطاعنين وأكاذيبهم، وبيان أنها ترديد لما أورده الطاعنون السابقون.
٥ - كشف المنافقين المندسين بين المسلمين للطعن في هذا الدين.
٦ - جهاد أعداء الله بالكلمة وهو أحد أنواع الجهاد، وقد كان النبي ﷺ يأمر أصحابه بالدفاع عنه وهجاء المشركين ففي صحيح مسلم (٢٤٩٠) عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ، قَال: "اهْجُوا قُرَيْشًا، فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ" فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَقَال: "اهْجُهُمْ" فَهَجَاهُمْ فَلَمْ يُرْضِ، فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَال حَسَّانُ: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ، ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحرِّكُهُ، فَقَال: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْيَ الْأَدِيمِ، فَقَال رَسُولُ اللهِ ﷺ: "لَا تَعْجَلْ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا، وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا، حَتَّى يُلَخِّصَ لَكَ نَسَبِي" فَأَتَاهُ حَسَّانُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَال: يَا رَسُولَ الله قَدْ لَخَّصَ لِي نَسَبَكَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ. قَالت عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ الله ﷺ، يَقُولُ لِحَسَّانَ: "إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَال يُؤَيِّدُكَ، مَا نَافَحْتَ عَنِ الله وَرَسُولِهِ"، وَقَالت: سَمِعْتُ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ: "هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى".
قَال حَسَّانُ:
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ الله فِي ذَاكَ الجزَاءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا ... رَسُولَ اللهِ شَيمَتُهُ الْوَفَاءُ
1 / 7
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
ثَكِلْتُ بُنيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنَفَيْ كَدَاءِ
يُبَارِينَ الْأَعِنّةَ مُصْعِدَاتٍ ... عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَلُ الظِّمَاءُ
تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ ... تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ
فَإِنْ أَعْرَضْتُمُو عَنَّا اعْتَمَرْنَا ... وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ
وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ يَوْمٍ ... يُعِزُّ اللهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَقَال اللهُ: قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا ... يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ
وَقَال اللهُ: قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا ... هُمُ الْأَنْصارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ
لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ ... سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ
فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ الله مِنْكُمْ ... وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ الله فِيَنَا ... وَرُوحُ الْقُدُسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ
قال ابن القيم: الجهَادُ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ: جِهَادُ النَّفْسِ، وَجِهَادُ الشَّيْطَانِ، وَجِهَادُ الْكُفَّارِ، وَجِهَادُ المُنَافِقِينَ.
فَجِهَادُ النَّفْسِ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ أَيْضًا:
إِحْدَاهَا: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى تَعَلُّمِ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ الَّذِي لَا فَلَاحَ لَهَا وَلَا سَعَادَةَ فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا إِلَّا بِهِ، وَمَتَى فَاتهَا عِلْمُهُ شَقِيَتْ فِي الدَّارَيْنِ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يُجاهِدَهَا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِلَا عَمَلٍ إِنْ لَمْ يَضُرَّهَا لَمْ يَنْفَعْهَا.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وَتَعْلِيمِهِ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ، وَإِلَّا كَانَ مِنَ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيِّنَاتِ، وَلَا يَنْفَعُهُ عِلْمُهُ، وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
الرَّابِعَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مَشَاقِّ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ وَأَذَى الْخَلْقِ، وَيتَحَمَّلُ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلَّهِ.
وَأَمَّا جِهَادُ الْكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ فَأَرْبَعُ مَرَاتِبَ: بِالْقَلْبِ، وَاللِّسَانِ، وَالمُالِ، وَالنَّفْسِ، وَجِهَادُ
1 / 8
الْكُفَّارِ أَخَصُّ بِالْيَدِ، وَجِهَادُ المُنَافِقِينَ أَخَصُّ بِاللِّسَانِ. (١)
٧ - أن هذا الباب لم يُخدم بما يستحقه مع اشتداد الحاجة إليه فلم يخرج عمل موسوعي شامل يدحض شبهات القوم ويبين للمسلمين نقاء الدين ونفي التبديل عنه والتحريف.
٨ - خطورة الطعن في القرآن والسنة؛ حيث إنه من نواقض العهد مع أهل الذمة، بل من نواقض الإسلام.
ولما كان الأمر على ما ذكرت فقد دفعني ذلك إلى المساهمة بجهد في إخراج موسوعة علمية فيها رد على أهم ما يثار حول الإسلام من شبهات والرد عليها بطريقة علمية بعيدة عن المهاترات والأغاليط وبذاءة الألفاظ لتكون مثالًا على سمو الإسلام وحسن أخلاق أتباعه في المناظرة والرد على المخالف مهما تطاولوا علينا، فكان أن تم التعاقد مع الأخ الشيخ/ أحمد بن سليمان على التعاون في إخراج هذا العمل في مقر عمله بمكتبه في مصر ورأيت أننا اشتركنا في نفس الأهداف والغايات لخروج مثل هذا العمل العظيم للمسلمين ليعم النفع به.
وبدأت مسيرة العمل في مصر وكانوا يرسلون لي العمل تباعا وكانت لي ملاحظات استشرت فيها بعض أهل العلم وأرسلتها لهم ودارت بيننا مناقشات حول بعض القضايا حتى انتهى العمل بعد قرابة خمس سنوات من العمل الدؤب وكان الإخوة في مصر يبدون كل الاستعداد لتعديل أي ملاحظة أو تغيير أي كلمة ليخرج العمل سالما من الخلل والخطأ بقدر الإمكان، والكمال عزيز ولكن التسديد والإتقان لا بد منه، وكانت المحصلة كتابة ثمانية عشر مجلدا تضمنت شبهات عن الكتاب والسنة النبوية وما يتعلق بهما من فقه وعقيدة وحديث والكلام حول الصحابة وما أثير حولهم وغير ذلك مما هو مدون بتفاصيله في الموسوعة.
وقد ألمح لي بعض أهل العلم أن الكتاب لو اختصر قليلا وضم بعضه إلى بعض بحذف ما يتكرر واختصار ما يمكن اختصاره ليقل حجم الكتاب، فطلبت ذلك من الشيخ أحمد حفظه الله وما كان منه إلا أن وافق على هذه الرغبة حرصًا على عموم نفع
_________
(١) زاد المعاد في هدي خير العباد (٣/ ٩).
1 / 9
الكتاب وتيسير اقتنائه، فتمت مراجعة الكتاب بكامله والنظر في المواضع التي يمكن اختصارها أو تلخيص ما يمكن تلخيصه من غير إخلال أو سقوط ما لا بد منه فخرج الكتاب في صورته الأخيرة في اثني عشر مجلدًا بفهارسه الموضوعية وهو بهذا يسد ثغرة في التراث الإسلامي ويساعد على التعرف على الإسلام تعرفًا صحيحًا خاليًا من الزيف والتحريف ومدافعًا عن ما أثير حول هذا الدين بأسلوب عصري سهل متين.
والحمد لله على توفيقه وتسديده لنا وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
كتبه
د/ سليمان بن دريع العازمي
1 / 10
مقدمة العمل
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢]
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)﴾ [النساء: ١]
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١]
أما بعد، فإن الإسلام أضخم حقيقة وأصلب عودًا وأعمق جذورًا من أن يجتثه الأعداء من على وجه الأرض.
ولقد تمت إرادة الله فظهر هذا الدين على الدين كله.
﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٨)﴾ [الصف: ٨].
ظهر في ذاته كدين، فما يثبت له دين آخر في حقيقته وفي طبيعته، فأما الديانات الوثنية فليست في شيء من هذا.
وأما الديانات الكتابية فهذا الدين خاتمها والناسخ لها والمهمين عليها.
﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩)﴾ [الصف: ٩]
ولقد أدرك الغربيون هذه الحقيقة فبعد أن فشلت حملاتهم الصليبية ركَّزوا جهودهم على الغزو الفكري.
يقول المستشرق جاردنر: إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوروبا.
ويقول أحد المبشرين: إن القوة الكامنة في الإسلام هي التي وقفت سدًّا منيعًا في وجه انتشار المسيحية.
1 / 11
وإن أعظم ما يواجه المسلمون اليوم هو الغزو الفكري الرهيب الذي استولى على عقول بعض النفوس فأفسدها حتى التبس عليهم الحق بالباطل، والخطأ بالصواب وراجت عليهم الأباطيل والمنكرات. وقد رأينا هجمة علمية وغارة فكرية من بعض القساوسة ورهبان الكنائس على الإسلام وذلك في مواعظهم وكتاباتهم وقنواتهم الإعلامية، وتطاولوا فيها على الإسلام وثوابته ورموزه ونبيه ﷺ، وهذا أمر مستعجب إذ أنهم يعلمون أن ما في أيديهم من الدين محرف والتناقض فيه مخوف وأسفاره فيها عبارات وضعها كل مزيف، وليتهم يسكتون حتى لا نفضحهم ولكنهم يعلنون الحرب على الدين الإسلامي وأهله، مع أن البون بيننا وبينهم شاسع والحق واضح وتميزنا عليهم أمر ظاهر باهر عند من له مسكة من عقل زاجر.
"كَيْفَ لَا يُمَيِّزُ مَنْ لَهُ أَدْنَى عَقْلٍ يَرْجِعُ إِلَيْهِ بَيْنَ دِينٍ قَامَ أَسَاسُهُ وَارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ عَلَى عِبَادَةِ الرَّحْمَنِ، وَالْعَمَلِ بِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ مَعَ الْإِخْلَاصِ فِي السِّرِّ وَالْإِعْلَانِ، وَمُعَامَلَةِ خَلْقِهِ بِمَا أَمَرَ بِهِ مِنَ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، مَعَ إِيثَارِ طَاعَتِهِ عَلَى طَاعَةِ الشَّيْطَانِ، وَبَيْنَ دِينٍ أُسِّسَ بُنْيَانُهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِصَاحِبِهِ فِي النَّارِ، أُسِّسَ عَلَى عِبَادَةِ النِّيرَانِ، وَعَقْدِ الشَّرِكَةِ بَيْنَ الرَّحْمَنِ وَالشَّيْطَانِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوْثَانِ، أَوْ دِينٍ أُسِّسَ بُنْيَانُهُ عَلَى عِبَادَةِ الصُّلْبَانِ وَالصُّوَرِ المُدْهُونَةِ فِي السُّقُوفِ وَالحيطَانِ، وَأَنَّ رَبَّ الْعَالمِينَ نَزَلَ عَنْ كُرْسِيِّ عَظَمَتِهِ فَالْتَحَمَ بِبَطْنِ أُنْثَى، وَأَقَامَ هُنَاكَ مُدَّةً مِنَ الزَّمَانِ، بَيْنَ دَمِ الطَّمْثِ فِي ظُلُمَاتِ الْأَحْشَاءِ تَحْتَ مُلْتَقَى الْأَعْكَانِ، ثُمَّ خَرَجَ صَبِيًّا رَضِيعًا شَبَّ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَيَبْكِي وَيَأْكُلُ ويَشْرَبُ وَيَبُولُ وَيَنَامُ وَيَتَقَلَّبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، ثُمَّ أُودِعَ فِي المُكْتَبِ بَيْنَ صِبْيَانِ الْيَهُودِ يَتَعَلَّمُ مَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ، هَذَا وَقَدْ قُطِعَتْ مِنْهُ الْقُلْفَةُ حِينَ الْخِتَانِ. ثُمَّ جَعَلَ الْيَهُودُ يَطْرُدُونَهُ وَيُشَرِّدُونَهُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، ثُمَّ قَبَضُوا عَلَيْهِ وَأَحَلُّوهُ أَصْنَافَ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ، فَعَقَدُوا عَلَى رَأْسِهِ مِنَ الشَّوْكِ تَاجًا مِنْ أَقْبَحِ التِّيجَانِ، وَأَرْكَبُوهُ قَصَبَةً لَيْسَ لَهَا لِجَامٌ وَلَا عِنَانٌ، ثُمَّ سَاقُوهُ إِلَى خَشَبَةِ الصَّلْبِ مَصْفُوعًا مَبْصُوقًا عَلَى وَجْهِهِ، وَهُمْ خَلْفَهُ وَأَمَامَهُ وَعَنْ شَمَائِلِهِ وَعَنِ الْأَيْمَانِ. ثُمَّ أَرْكَبُوهُ ذَلِكَ المَرْكَبَ الَّذِي تَقْشَعِرُّ
1 / 12
مِنْهُ الْقُلُوبُ مَعَ الْأَبْدَانِ، ثُمَّ شُدَّتْ بِالْحِبَالِ يَدَاهُ وَالرِّجْلَانِ، ثُمَّ خَالطَهَا تِلْكَ المسَامِيرُ الَّتِي تَكْسِرُ الْعِظَامَ وَتُمَزِّقُ اللُّحْمَانَ، وَهُوَ يَسْتَغِيثُ: يَا قَوْمِ ارْحَمُونِي! فَلَا يَرْحَمُهُ مِنْهُمْ إِنْسَانٌ.
هَذَا وَهُوَ مُدَبِّرُ الْعَالمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفليِّ الَّذِي يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ. ثُمَّ مَاتَ وَدُفِنَ فِي التُّرَابِ تَحْتَ صُمِّ الجنَادِلِ وَالصَّوَّانِ، ثُمَّ قَامَ مِنَ الْقَبْرِ وَصَعِدَ إِلَى عَرْشِهِ وَمُلْكِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَا كَانَ.
فَمَا ظَنُّكَ بِفُرُوعٍ هَذَا أَصْلُهَا الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْبُنْيَانُ، أَوْ دِينٍ أُسِّسَ بُنْيَانُهُ عَلَى عِبَادَةِ الْإِلَهِ المنْحُوتِ بِالْأَيْدِي بَعْدَ نَحْتِ الْأَفْكَارِ مِنْ سَائِرِ الْأَجْنَاسِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ وَالْأَصْنَافِ وَالْألوَانِ، وَالْخُضُوعِ لَهُ وَالتَّذَلُّلِ وَالْخُرُورِ سُجُودًا عَلَى الْأَذْقَانِ، لَا يُؤْمِنُ مَنْ يَدِينُ بِهِ بِالله وَلَا مَلَائِكَتِهِ وَلَا كُتُبِهِ وَلَا رُسُلِهِ وَلَا لِقَائِهِ يَوْمَ يَجْزِي المُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ وَالمُحْسِنَ بِالْإِحْسَانِ. أَوْ دِينِ الْأُمَّةِ الْغَضَبِيَّةِ الَّذِينَ انْسَلَخُوا مِنْ رِضْوَانِ اللهِ كَانْسِلَاخِ الْحَيَّةِ مِنْ قِشْرِهَا، وَبَاءُوا بِالْغَضَبِ وَالْخِزْيِ وَالْهَوَانِ، وَفَارَقُوا أَحْكَامَ التَّوْرَاةِ وَنَبَذُوهَا وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَاشْتَرَوْا بِهَا الْقَلِيلَ مِنَ الْإِيمَانِ، فَتَرَحَّلَ عَنْهُمُ التَّوْفِيقُ وَقَارَنَهُمُ الْخِذْلَانُ، وَاسْتَبْدَلُوا بِوِلَايَةِ الله وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَأَوْليَائِهِ وِلَايَةَ الشَّيْطَانِ (١).
أما وقد تمادوا في غيِّهم وضلالهم فليندموا على ما قدموا وليحزنوا على ما اقترفوا وشككوا؛ لأن الله تعالى قد حفظ هذا الدين وسد على الزائغين طرق التشكيك والتلبيس على المسلمين، ونصب في كل فترة من ينبري لصد عدوان الصائلين، وقد أمرنا نبينا أن نرد على الحاقدين والمارقين.
لما قال أبو سفيان يوم أحد: أفيكم محمد؟ أفيكم أبو بكر، أفيكم ابن الخطاب؟ قال لأصحابه: "لا تجيبوه". تهاونًا به وتحقيرًا لشأنه، فلما قال: أُعل هبل، قال لهم رسول الله ﷺ: "قولوا: الله أعلى وأجل". ولما قال: لنا العزى ولا عزى لكم، قال لهم: "قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم".
_________
(١) هداية الحيارى لابن القيم ١/ ٢١٨ - ٢٢٠.
1 / 13
وليت من تكلم الهذيان تنكب عن ميدان الفرسان، ليسلم من أسنة ألسنتهم عرضه، وينطوي من بساط المشاجرة طوله وعرضه، ولم يسمع ما يضيق به صدره، ولم ينتهك بين أفاضل الأمة ستره، وإذا أبى إلا المهارشة والمناقشة، والمواحشة والمفاحشة، فليصبر على حزّ الحلاقم، ونكز الأراقم، ونهش الضراغم، والبلاء المتراكم المتلاطم، ومتون الصوارم.
فوالذي نفسي بيده؛ ما بارز أهل الحق قط قرن إلا كسروا قرنه، فقرع من ندم سنه، ولا ناحرهم خصم إلا بشّروه بسوء منقلبه، وسدّوا عليه طريق مذهبه لمهربه، ولا فاصحهم أحد -ولو كان مثل خطباء إياد- إلا فصحوه وفضحوه، ولا كافحهم مقاتل -ولو كان من بقية قوم عاد- إلا كبُّوه على وجهه وبطحوه، هذا فعلهم مع الكماة الذين وردوا المنايا تبرعًا، وشربوا كؤوسها تطوعًا، وسعوا إلى الموت الزؤام سعيًا، وحسبوا طعم الحمام أريًا، والكفاة الذين استحقروا الأقران فلم يهلهم أمر نحوف، وجالوا في ميادين المناضلة واخترقوا الصفوف، وتجالدوا لدى المجادلة بقواطع السيوف (١).
فكان لزامًا على كل منابر الدعوة إلى الله أن تتصدى لهذه الحملات التي تسعى بكل طاقاتها إلى إطفاء نور الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٨)﴾ [الصف: ٨].
وها نحن ومن هذا المنطلق قد انبرينا وشمَّرنا وجاهدنا للصد عن حياض هذا الدين العظيم. ليحيا من حيَّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، فوحَّدنا الجهود والطاقات، وضننَّا بالأنفاس واللحظات؛ لجمع موسوعة هي بحق منتهى الغايات، جمعت بين دفتيها أقوى ما يدعيه المخالفون من المتشابهات والمتناقضات والأغلوطات فيما أعلم، والرد عليها من كل الوجوه التي وقفنا عليها بشتى المسكتات: ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (٤٥)﴾ [الأنعام: ٤٥].
والله تعالى من حكمته يقيض في كل حقبة من الزمان حراسا لشريعته يذبون عنها كل باطل ودخيل، فلم يخل زمن من المجرمين ويسلط الله عليهم المؤمنين، فلما قام المبتدعة
_________
(١) انظر: ما كتبه العلامة محمود شكري الآلوسي في مقدمة كتابه غاية الأماني في الرد على النبهاني.
1 / 14
وكذبوا على الناس في حديث رسول الله ﷺ قام علماء الحديث فبينوا كذبهم وافتراءهم.
عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَال: لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الْإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ، قَالوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالكُمْ، فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ، ويُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَا يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ (١).
وقِيلَ لِابْنِ المُبَارَكِ: هَذ الْأَحَادِيثُ المصْنُوعَةُ؟ قَال: "يَعِيشُ لَهَا الجْهَابِذَةُ" (٢).
منشأ الشبهات:
لقد حاول أعداء الإسلام إلصاق التهم به، وإشاعة التناقض فيه، وإظهار محاسن في صورة تشمئز منها النفوس، ولو تتبعنا ما يقولونه فإنه لا يخرج عن عدة نقاط.
(١) أنهم اعتمدوا على أقوال الحاقدين على الإسلام من المستشرقين والمنافقين والكُتَّاب العرب المعاندين للدين.
(٢) الرويات الضعيفة والمكذوبة؛ فقد أتوا بها ليعارضوا بها الصحيح ولم يبينوا أن الضعيف لا حجة فيه.
(٣) وبعضهم نقل أقوالًا مبتورة ليتغير المعنى على حسب ما يريد ثم ذاع الكلام المبتور على أنه تمام لا بتر فيه.
(٤) وبعضهم أتى بأقوال شاذة أو مرجوحة ذكرها العلماء في مصنفاتهم وردوا عليها، فأتى هؤلاء وعرضوا على الناس هذه الأقوال على أنها معتمدة عند قائلها ليروجوا تلبيساتهم على عوام المسلمين.
(٥) سوء الفهم لنصوص الكتاب والسنة، فهو لا يرجع إلى شروح العلماء الراسخين؛ وإنما يفسر النص على قدر فهمه وغالبهم جهلة بلسان العرب فأنَّى لمثل هؤلاء أن يفهموا أفصح الكلام الذي هو كلام الله ﷿.
(٦) الاستعانة بشبهات وأقوال الفرق الضالة والتي خالفت منهج أهل السنة والجماعة كشبهات الرافضة، والخوارج، والجهمية، وغلاة الصوفية وغيرهم.
_________
(١) أخرجه مسلم في المقدمة.
(٢) الكفاية للخطيب (١/ ٣٦).
1 / 15
منهج الرد على الشبهات
لا شك أن الأعمال الموسوعية تحتاج إلى نفس طويل، وصبر من حديد، وقد استغرق العمل في هذه الموسوعة حوالي خمس سنوات.
ولقد سار العمل في هذه الفترة على مراحل:
المرحلة الأولى: الجمع: لقد تتبعنا الشبهات المثارة حول الإسلام من مصادرها؛ من خلال المؤلفات والمجلات العلمية، والمراجع المعنية بهذا الأمر، ثم تتبعنا ذلك على مواقع الإنترنت.
ثم قمنا بعد ذلك بصياغتها بأسلوب فصيح مؤدب، إذ من عادة القوم السب والشتم بما لا يليق ذكره. وحاولنا جاهدين الاستقصاء في جمع كل ما تفوهوا به؛ غير أنا وجدنا بعض هذه الشبه لا تستحق الذكر فما هي إلا نوع من السباب والشتم ونحن ننزه موسوعتنا عن ذكرها، كذلك بعضهم لا يجيد قراءة العربية فقرأ النص خطأ ثم بني الشبهة عليه فلا فائدة من الرد عليه فأمره ظاهر مكشوف.
ثم قمنا بتقسيمها تقسيمًا موضوعيًّا على الأبواب ليسهل عرضها وتناولها.
المرحلة الثانية: الرد: في كل شبهة مثارة كنا نجمع فريق العمل لنتشاور في محاور الرد وبيان الوجوه المعتمدة في بيان زيف الشبهة، وكنا نجد عونًا من الله، وفتحا مبينًا للرد عليهم بمنطقهم فغايتنا بيان الحق ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
فكان العمل على هذا النحو:
أولًا: تم الرد على الشبهات على صورة وجوه -في الغالب- الوجه الواحد هو رد دامغ في نفسه لكننا لم نكتف بالوجه الواحد فأردنا الاستقصاء في الرد من كل الوجوه النقلية والعقلية والعلمية.
ثانيًا: تضمن الرد -في أكثر الشبهات- وجهًا هامًّا وهو الرد على المخالفين من مصنفاتهم التي يعتمدون عليها. غالبها من كتابهم المقدس بعهديه القديم والجديد.
ثالثًا: توجد بعض الشبهات ربما ألقى بها رجل يُحسب على الإسلام إلا أنه من دعاة
1 / 16
الضلالة وهذا لا يحتج به علينا. أو يلزمنا بحديث ضعيفٍ أو مكذوبٍ ولا حجة في هذا، أو بقول شاذ خلاف قول الجماهير. فأردنا أن لعلن ما نعتقده وندين به ونلتزم ونُلزِم به المخالفين وما سواه فلا حجة علينا به.
رابعًا: قد تحتوي الشبهة الواحدة الأساسية على عدة شبهات فرعية فنقوم بالرد على كل هذه الشبهات. لذا ننصح القارئ بالصبر والمثابرة عند قراءته للرد خاصة في الشبهات التي تم الاستطراد في الرد عليها.
خامسًا: حاولنا في ردنا أن نُعَلِّم القارئ المعنى الصحيح من الآية أو الحديث لتتم الفائدة، ونحن نعتقد أن هذا من أولى الأولويات، فالجاهل إن طالع كتابنا سيتعلم ولا بد، أما المعاند والجاحد -فنسأل الله له الهداية- فلن يصح في ذهنه شيء منها إلا أن يشاء الله، فنهار الشريعة بادٍ لكل ذي عين ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الأنفال: ٢٢].
سادسًا: استفدنا من جهود السابقين لنا في هذا المضمار؛ فحاولنا أن نؤلف بين وجوه الرد ونختار منها ما وافق الحق، وندع ما تكلف فيه صاحبه في وجوه الرد.
سابعًا: عزونا الآيات والأحاديث والأقوال إلى مصادرها إبراءً للذمة، وتحقيقًا للقول، ومنفعة لمن أراد المزيد.
ثامنًا: إن كان أصل الشبهة يدور على آية من القرآن استقصينا في بيان تفسيرها ووجوه الرد من أقوال المفسرين.
وإن كان مدارها على حديث فإن كان ضعيفًا اجتهدنا قدر الطاقة في بيان ضعفه، وإن كان في الصحيحين اكتفينا بالعزو لهما في بيان اللفظ الصحيح، وإن كان في غيره توسعنا في تخريجه بقدر الحاجة والمصلحة.
تاسعًا: استفدنا من بعض مواقع (الإنترنت) في معرفة بعض الشبهات والرد عليها وقد عزونا لهذه المواقع.
عاشرًا: تضمنت بعض الردود ردودًا عامة، وردودًا خاصة؛ فنبدأ ببيان الرد العام
1 / 17
والذي يبين منهج الإسلام أو اعتقاد المسلمين في المسألة، ثم تفصيل الرد بعد ذلك حسب الشبهة الملقاة.
الحادي عشر: جعلنا آخر الردود الرد على النصارى من مصنفاتهم التي يعتمدون عليها لبيان ما عندهم من التناقض والتحريف والتبديل بما لا يخفى على أدنى منصف من العقلاء، فهم معنا كمن قال: رمتني بدائها وانسلت.
فهم يرموننا بما هو فيهم، ولو كان هناك حياء ما اجترؤوا على ما قدموا ولكن عزاؤنا في ذلك قول النبي ﷺ:
"إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ، إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ" (١).
وربما سأل سائل لم الحمل على أهل الكتاب خاصة؟ والجواب: أنهم الطائفة التي يعود أصلها إلى كتاب سماوي حق، ولكن وقع عليه قلم التحريف، أما الطوائف الأخرى كالعلمانية والملاحدة ومن سار على دربهم فهم ليسوا بشيء ولا على شيء، ثم إن الجميع يتناقلون نفس الاعتراضات والترهات فما يقوله النصراني من شبهة يلوكها العلماني والملحد والليبرالي وغيرهم.
الثاني عشر: قسمنا الموسوعة إلى عدة أقسام:
١ - قسم شبهات العقيدة.
٢ - القرآن وعلومه القرآن، ورتبناه على ترتيب المصحف.
٣ - السنة وعلومها.
٤ - الأنبياء والنبي.
٥ - زوجات النبي ﷺ.
٦ - الصحابة.
٧ - الفقه.
_________
(١) صحيح البخاري (٣٤٨٤).
1 / 18
٨ - المرأة.
٩ - اللغة.
١٠ - وأخيرًا: شبهات الإعجاز العلمي.
الثالث عشر: وقبل أن نشرع في هذه الردود فقد قدمنا بمقدمة لا بد منها تناولنا فيها: الصراع بين الحق والباطل، والمناظرة وآدابها، وعن حال العالم قبل الإسلام، ثم التعريف بالإسلام، وخصائصه، وسماحته، وعن وسطيته، وعن الحقوق الإسلامية، وماذا قال الغرب عن الإسلام، وأيضًا التعريف بنبي الإسلام ﷺ، فضائله، وأخلاقه، وشمائله، وعن صحابته، وماذا قالوا عنه ﷺ؟ .
المرحلة الثالثة: المراجعة: وفي هذه المرحلة كان التركيز على الضبط العام للكتاب من قواعد الإملاء، واللغة، ثم نظرة أخيرة عامة على وجوه الرد؛ فربما زدنا وجها غاب عنا، أو حذفنا آخرًا ليس في بابه.
جهود العلماء في الرد على الشبهات: لم يُقصر علماء المسلمين في القيام بواجبهم في الرد على هذه الشبهات والتي أثارها النصارى على الخصوص وتلوكها الألسنة من كل المشارب على العموم، فقاموا ﵏ كلٌّ بطريقته الخاصة تولى الرد عليهم بما يدحض شبهتهم ويخيب رجاءهم، من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح". وتلميذه ابن القيم في كتابه "هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى". والقرطبي في "الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن الإسلام". والقرافي في "الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة في الرد على الملة الكافرة" والآلوسي -ابن المفسر- في "الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح" وابن حزم في "الفصل في الملل والأهواء والنحل" ومن المعاصرين الشيخ رحمت الله بن خليل الرحمن الهندي "إظهار الحق" والزرقاني في "مناهل العرفان في علوم القرآن" والدكتور محمد أبو شهبة في "الدفاع عن السنة" والشيخ أحمد ديدات في كتبه ومناظراته الشهيرة. والدكتور
1 / 19
عمر بن إبراهيم رضوان في "آراء المستشرقين حول القرآن الكريم". والدكتور إبراهيم عوض في كتبه. واللواء أحمد عبد الوهاب في كتبه. . . وغيرهم كثير لكنها ردود فردية فكان عملنا هذا تجميع ردود هؤلاء السابقين تحت منهج واحد بخطة شاملة والله المستعان.
فريق العمل: إن هذا الجهد المبارك كان نتاج جهود متضافرة من طلاب نابهين غيورين على دينهم فدفعهم حماسهم، وحميتهم إلى جمع الهمم على هذا العمل المبارك، وكان اشتراطنا في العمل أن لا يقتحم فيه إلا من شعر بأهمية هذا العمل العظيم ليستشعر أنه على ثغر لا بد من المجاهدة عليه، وكان يجمعنا مجمع التوحيد الإسلامي بمحلة بلبيس شرقية من جمهورية مصر العربي فنلتقي في مجالس راتبة، نجمع الشبهات، ونتداول الردود، ونجمع المصنفات، ونناقش الوجوه، ولكل دوره المناط به،
ولا بد في مثل هذه الأعمال إعطاء كل ذي حق حقه، فحقهم علينا أن نذكر كل من شارك معنا في هذه الموسوعة المباركة.
وها هو بيان بأسماء المشاركين في العمل:
١ - أبو محمد صالح حسون: وقد قام بجهد كبير في العمل، وكان مسئولًا عن توزيع الأعمال على الباحثين، ومتابعتهم، وقد شارك أيضًا بجهده في مقدمة الكتاب مع شبهات القرآن، والفقه، وغير ذلك. ثم كان هو القائم على الضبط الفني للكتاب والمراجعة الأخيرة له فجزاه الله خيرًا.
٢ - أبو عبد الرحمن محمود عبد الحكيم: وشارك معناها المقدمة، وفي إثبات تحريف التوراة والإنجيل، وبعض شبهات القرآن، وغيرها.
٣ - أبو عمر سيد سيد عبد العال: وشارك في ملفات العقيدة، والصحابة، والمرأة، وغيرها.
٤ - إيهاب عبد الواحد: شارك معنا في ملفات علوم القرآن، والإعجاز العلمي.
٥ - عبد الرحمن إسماعيل: شارك في علوم القرآن، وملفات القرآن، والسنة.
٦ - محمد عوض: شارك في المقدمة، وملفات علوم القرآن، والقرآن، والأنبياء.
1 / 20