Encyclopedia of Halal Manufacturing
موسوعة صناعة الحلال
Mai Buga Littafi
وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٤١ هـ - ٢٠٢٠ م
Inda aka buga
الكويت
Nau'ikan
وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية
دار الإفتاء
موسوعة صناعة الحلال
إعداد وجمع وترتيب
وحدة البحث العلمي
بإدارة الإفتاء
الجزء الأول
الطبعة الأولى
١٤٤١ هـ - ٢٠٢٠ م
1 / 1
أهدافنا
* بيان الحكم الشرعي لكل ما يعرض للمسلم من مسائل ونوازل وقضايا مستجدة.
* نشر الثقافة الفقهية المؤصلة بين أفراد المجتمع.
* نشر المنهج الوسطي بين أفراد المجتمع، وذلك بتناول مختلف القضايا الإسلامية بما يتفق مع روح الإسلام وسماحته.
* إحياء تراثنا الفقهي الغني القائم على أساس تنوع الاجتهاد وتعدد الآراء في المسائل المختلفة.
* تثقيف الأئمة والخطباء ثقافة فقهية متخصصة تؤهلهم للإجابة
على أسئلة الجمهور واستفساراتهم.
* مشاركة المجتمع مشاركة فقهية في المناسبات والمواسم، وذلك من خلال إصدار المطويات وغيرها التي تتناول هذه المناسبات من الوجهة الشرعية.
* إصدار المطويات في القضايا التي تطرأ على الساحة وتهم المجتمع وتشغله وتدعو الحاجة إلى معرفتها وبيان الحكم الشرعي فيها.
* الاعتناء بالمهتدين الجدد من حيث إشهار إسلامهم وإهداؤهم الكتب النافعة بلغاتهم.
إدارة الإفتاء
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
١٤٤١ هـ / ٢٠٢٠ م
إدارة الإفتاء
موقع الإدارة
www.islam.gov.kw/eftaa
رقم الإيداع في مكتبة الكويت الوطنية
٢٤٠٩ - ٢٠١٩
الرقم الدولي المعياري
٣ - ٥٤ - ٧٠٦ - ٩٩٢١ - ٩٧٨: ISBN
للمراسلة: دولة الكويت - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - ص. ب: ١٣ الصفاة ١٣٠١١
فاكس: ٢٢٢٦٢٨٨٨ - البريد الإلكتروني: ifta@awqaf.gov.kw- المراسلات باسم/ مدير إدارة الإفتاء
1 / 2
ومِنَ المُشاهَدَةِ أنَّ بعضَ النواحي يَكْثُرُ فيها الصالحون والمُتَّقون، وبعضَها يَقِلَّون فيه، ولقد اسْتَقْرَيْنا سببَ ذلك فلم نَجِدْهُ غيرَ أَكْلِ الحَلالِ، أو قِلَّةِ تعاطي الشُّبُهاتِ، فكُلُّ ناحيةٍ كَثُرَ الحِلُّ في قُوتِ أَهْلِها كَثْرَ الصَّالحِون فيها، وعَكْسُه بعَكْسِه
ابن حجر الهيثمي
في تقديم الأَكْل من الطيِّبات على العمل الصالح تنبيهٌ على أنَّه هو الذي يُثْمِرُها؛ لأنَّ الغِذاءَ الطيِّبَ يَصْلُحُ عليه القَلْبُ والبَدَن؛ فتَصْلُح الأعمالُ، كما أنَّ الغِذاءَ الخبيثَ يَفْسُدُ به القَلْبُ والبَدَنُ؛ فتَفْسُدُ الأعمالُ
عبد الحميد ابن باديس
1 / 5
كلمة الإدارة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّه الكريم، مُحمَّد بن عبد الله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه الطَّيِّبين الطَّاهرين، وبعد.
فإنَّ بيان الحقِّ وتبليغَه إلى الناس من أعظم المُهمَّات، وأَجَلِّ الأعمال التي جاءت بها الشريعة الإسلاميَّة، وأَمَرَت بها؛ قال الله تعالى لنبيِّه: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة: ٦٧]، وقال أيضًا: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: ١٨٧].
ولقد أَخَذَتْ إدارةُ الإفتاء على عاتقها منذ نشأتها القيامَ بتلك المهمَّة، وأداءَ ذلك الواجب؛ انطلاقًا من شعورها بالمسؤوليَّة الشرعيَّة، ودورها المجتمعيِّ؛ فعَمَدَت إلى بيان الأحكام الشرعيَّة، وتوضيحها للنَّاس، لا سيَّما ما التبس منها، وخفي وجه الحقِّ فيه على كثير منهم؛ فقامت بإصدار الفتاوى والبيانات، ونَشْر الكُتُب والمَطْويَّات، وعَقْدِ الوِرَش والدَّوْرات.
ولقد كان من أَجَلِّ الأحكام التي ينبغي بيانها وتوضيحها؛ ما يتعلَّق بمَطْعوم الإنسان من غذاءٍ أو دواءٍ، وغير ذلك، وبيان ما يَحِلُّ منه وما يَحْرُم؛ ذلك الجانب العظيم الذي أَوْلَتْه الشريعة عنايةً بالِغَةً، واهتمَّت به اهتمامًا كبيرًا؛ قال الله ﷿: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة: ١٧٢]. وقال أيضًا: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾
1 / 7
[الأعراف: ١٥٧].
ذلك لأنَّ طِيب المَطْعم والمشْرب له أثرٌ عظيمٌ في تَزْكيَة النَّفْس وإشْراقها، وصَفَاء القَلْب واسْتِنارَته وقُوَّة بَصِيرته، فضلًا عن قبول العبادة والدُّعاء.
وفي عصرنا الحالي، تطوَّرت الصناعات الغذائيَّة والدوائيَّة تطوُّرًا هائلًا؛ حيث دخلت إليها التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، وأحدثت فيها تغيُّرات كبيرة، واستحدثت فيها كثيرًا من الموادِّ والمشتقَّات التي قد لا يُعْلَم أصْلُها من حيث الحِلِّ أو الحُرْمَة، أو يُعْلَم أَصْلُها؛ لكنَّها تحوَّلت بفضل المعالَجات الكيميائيَّة التي جَرَت عليها إلى مكوِّنات أخرى، الأمرُ الذي حَدَثَ معه اشتباهٌ والْتِباسٌ كبيرين على كثير من الناس في حِلِّها وطِيبِها.
وعليه؛ فقد استشعرت إدارة الإفتاء عِظَم مسؤوليَّتها الشرعيَّة تجاه رَفْع هذا اللَّبْس وتجليته، وكشف خفائه للناس؛ حتَّى يكونوا على بيِّنةٍ وبَصيرَةٍ في دِينِهِم فيما يتناولونه أو يستعملونه من غذاءٍ أو دواءٍ، أو غير ذلك؛ فقامت بالعديد من الأنشطة العلميَّة لخدمة هذا الموضوع، ومن ذلك عَقْد ثلاثة مؤتمرات؛ عُرفت بـ (مؤتمرات صناعة الحلال وخِدْماته)، وكانت إدارة الإفتاء قد تقدَّمت خلال المؤتمر الثالث باقتراح توصيةٍ لعمل موسوعةٍ لصناعة الحلال، تجمعُ ما يتعلَّق بصناعة الحلال؛ لتكون عَوْنًا لكُلِّ من يعمل في هذا المجال، ولمنع الشذوذ في الأحكام أو الأفهام، وحتَّى تستضيء أبحاثُنا بما قاله أسلافُنا، فوافق المؤتمِرون على إدراج هذه التوصية.
وبعد ثلاثة أعوام تبنَّت إدارة الإفتاء مُقْتَرَحَها، وعَمِلَت جاهدةً على تقديمه كموسوعةٍ عِلْميَّة جامِعَةٍ لكُلِّ ما يتعلَّق بصناعة الحلال؛ تجمع شتاته، وتحوي متناثراته؛ وذلك لسدِّ ثغرةٍ كبيرةٍ في المكتبة الإسلاميَّة فيما يتعلَّق بهذا الجانب؛
1 / 8
فكانت هذه الموسوعة المباركة التي بين أيديكم، والتي تعدُّ الأُولَى من نوعها في هذا الباب.
وقد قام بهذا العمل: فريق من الباحثين الشرعيِّين في وحدة البحث العلميِّ بإدارة الإفتاء، وهم:
١ - الشيخ/ تركي عيسى المطيري (رئيسًا)
٢ - الشيخ/ عبد العزيز محمد العنزي (عضوًا من خارج وحدة البحث)
٣ - د/أيمن محمَّد العمر (عضوًا)
٤ - الشيخ/ أحمد عبد الوهاب سالم (عضوًا)
٥ - د/ رضا فتحي محمَّد العبادي (عضوًا)
٦ - د/ رضا الشحات منتصر (عضوًا)
فنسأل الله تعالى قبولها، وأن يجزيَ كُلَّ من شارك فيها خير الجزاء، وأن ينفع بها أُمَّتنا الإسلاميَّة، وأن يَمُدَّنا بفَضْلِه ومَدَدِه لتقديم كُلِّ ما هو نافع وجَيِّد.
إدارة الإفتاء
1 / 9
مقدمة الكتاب
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يَهْدِه اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومن يُضلِلْ فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إِله إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شرِيكَ لهُ، وأنَّ مُحمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، أمَّا بعدُ:
فإنَّ من أجلِّ نِعَم الله تعالى على عِبادِهِ أن سَخَّرَ لهم ما في الأرض؛ فَرَزَقَهم من خَيْراتِها، وأباحَ لهم طيِّباتِها، يأكلون منها، وينتفعون بها، وحَرَّم عليهم الخبائثَ وكُلَّ ما من شَأْنِه إلحاقُ الضَّرَر بهم؛ قال تعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: ١٥٧].
ولقد حثَّت الشريعة الإسلاميَّة الغرَّاء على لزوم تناول الطَّيِّب من المَطْعَمِ؛ لأنَّ طيبَ المَطْعَمَ له أثرٌ حِسِّيٌّ ومَعْنَويٌّ على الإنسانِ وسُلوكِهِ، وحياةِ قَلْبِه، وقبولِ دُعائِه، وعلى العَكْسِ من ذلكَ الأثرُ السَّيِّئ للمَطْعَم الخبيثِ؛ فعن أبي هريرة ﵁ قالَ: قالَ رسولُ الله ﷺ: (أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ؛ فَقَالَ: ﴿يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: ٥١]، وَقَالَ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٧٢]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَّ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) (^١).
_________
(^١) رواه مسلم (ح ١٠١٥).
1 / 11
يقول العلَّامة ابن باديس ﵀: «في تقديم الأَكْل من الطيِّبات على العمل الصالح تنبيهٌ على أنَّه هو الذي يُثْمِرُها؛ لأنَّ الغِذاءَ الطيِّبَ يَصْلُحُ عليه القَلْبُ والبَدَن؛ فتَصْلُح الأعمالُ، كما أنَّ الغِذاءَ الخبيثَ يَفْسُدُ به القَلْبُ والبَدَنُ؛ فتَفْسُدُ الأعمالُ» (^١).
وحيثُ كان الحلالُ كثيرًا كان ذلك علامةً على وجود الصالحين، وحيث قَلَّ الحلالُ وكَثُرَ تعاطي الحرامِ أو المُشْتَبِهاتِ كان ذلك علامةً على قِلَّةِ الصالحين؛ قال الإمامُ ابنُ حَجَرٍ الهَيْتَمِيُّ ﵀: «ومِنَ المُشاهَدَةِ أنَّ بعضَ النواحي يَكْثُرُ فيها الصالحون والمُتَّقون، وبعضَها يَقِلِّون فيه، ولقد اسْتَقْرَيْنا سببَ ذلك فلم نَجِدْهُ غيرَ أَكْلِ الحَلالِ، أو قِلَّةِ تعاطي الشُّبُهاتِ، فكُلُّ ناحيةٍ كَثُرَ الحِلُّ في قُوتِ أَهْلِها كَثُرَ الصَّالِحون فيها، وعَكْسُه بعَكْسِه» (^٢).
ومن هنا كان تَحَرِّي الحلال فيما يأكُلُه المُسلمُ أو يستعمِلُهُ واجبًا من الواجبات الدِّينيَّة التي أَكَّدَتْها نصوصُ الشريعةِ وشَدَّدت في شأنها.
ومع تقدُّم الزَّمان وتطوُّر الصناعات وتوسُّعها، وتعلُّق كثيرٍ من الناس بالمادِّيَّات، والبَحْثِ عن الرِّبْح السَّريع، أَضْحَت صِناعَةُ الحَلالِ وإنتاجِهِ تُشَكِّل هاجِسًا وَهَمًّا لدى كثيرٍ مِنَ المُسلمين؛ نظرًا لانتشارِ المُنْتَجاتِ الاستهلاكِيَّة التي لم يُرَاعَ فيها الضَّوابِطُ والمَعايِيرُ الشَّرْعِيَّة لإنتاج الحَلالِ، سواء كانت هذه المنتجاتُ غِذائيَّةً، أو دَوائِيَّةً، أو حتَّى مُسْتَحْضَراتِ التَّجْمِيل؛ فكان لا بُدَّ من الاهتمام بمسائل صِناعَةِ الحلالِ، وعَرْضِها على عُلَماءِ الشَّريعةِ؛ لدِراسَتِهَا، ومَعْرفَةِ مَدَى تَوافُقِها مع القَواعِدِ
_________
(^١) مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، عبد الحميد محمد بن باديس (ص ٣٥٥).
(^٢) الفتاوى الفقهية الكبرى، أحمد بن حجر الهيتمي (٣/ ٣٧٢).
1 / 12
والضَّوابِطِ التي قرَّرتها الشَّريعةُ الإسلاميَّة؛ فيحصُلُ بذلِكَ تَمْييزُ الطيِّبِ من الخَبيثِ، ومَعْرفَةُ الحَلالِ من المُحَرَّم.
وإيمانًا من إدارةِ الإفتاءِ بوزارةِ الأوقافِ والشُّؤونِ الإسلاميَّةِ بدولةِ الكُوَيتِ بِدَوْرِها المهمِّ في تَوْعيةِ المجتمعِ الإسلاميِّ، وتَبْصيرِهِ بشُؤونِ دِينِهِ، أَوْلَتْ موضوعَ صناعةِ الحَلالِ اهتمامًا كبيرًا، وبَذَلَتْ له ما تَيَسَّرَ من الوَسائِلَ، ومِنْ ذلك المبادرةُ إلى تَقَديمِ عَمَلٍ مَوْسوعِيٍّ يَجْمَعُ ما تيسَّرَ من فتاوى عُلماءِ المسلمين على مَرِّ العُصورِ، والفتاوى الصادِرَةِ عن دُورِ الإِفْتاءِ وهَيْئاته في العالم العربيِّ والإسلاميِّ، بالإضافة إلى قَراراتِ المَجامِع الفِقْهيَّة وتوصياتِها المُتعَلِّقَةِ بصِناعَةِ الحَلالِ وخِدْماتِهِ؛ فكانت هذه الموسوعَةُ المُبَارَكَةُ التي سَمَّيناها:
(موسوعة صناعة الحلال).
* أهميةُ المَوْسُوعَةِ وأَهْدَافُها:
١ - تمثِّل هذه الموسوعةُ إضافةً جديدةً للمكتبة الإسلاميَّة من حيث موضوعُها؛ حيث إنَّ جُهودَ العُلماءِ وطَلَبَة العِلْم والباحثين في إبراز موضوع صناعة الحلال لا زالت تقتصرُ على دراسةِ المُفْرَدات والجُزْئِيَّات في هذا الباب، ولم نقف خلال اطِّلاعنا على المكتبة الإسلاميَّة على موسوعةٍ علميَّة تتناول جوانب صناعة الحلال من وُجوهِها المتعدِّدة، ومجالاتِها المختلفة المتنوِّعة؛ فارتأينا أن يكون لنا السَّبْق في خدمة هذا الموضوع، ومحاولة جَمْع شتاتِ ما كُتِب فيه؛ ليكون مَرْجِعًا عِلْميًّا يستفيدُ منه طُلَّابُ العِلْم والباحثون في الجامعات ومَراكِز البَحْثِ العِلْمِيِّ.
٢ - تلبِّي هذه الموسوعةُ حاجةً مُلِحَّةً لدى جميع المسلمين اليوم فيما يتعلَّق بكثيرٍ من الأحكام الشرعيَّة المتعلِّقة بغِذائِهم ودَوائِهم ولِباسِهِم، وكثيرٍ من استعمالاتِهم،
1 / 13
لا سيَّما بعد دخول التكنولوجيا الحديثة إلى مجال صناعة الحلال، وإدخال الكثير من الموادِّ والمشتقَّات التي ترجع في أصلها إلى مُحرَّمات في الشريعة الإسلاميَّة.
٣ - تثيرُ موضوعاتُ هذه الموسوعة في النُّفوس مزيدًا من العناية بجانب الحِلِّ والحُرْمَة فيما يتعلَّق بالمطعوم والمشروب والملبوس، وغير ذلك، ممَّا يؤدِّي إلى نَشْر ثقافة الحلال وتَوَسُّعِها لدى عموم المسلمين، الأمر الذي تضطرُّ معه الشركاتُ المُنْتِجَةُ والدُّولُ المُصَدِّرَةُ إلى الالتزام بضوابط الشريعة في هذا المجال.
٤ - التَّنبيهُ ولَفْتُ النظر إلى كثير من الجوانب الغامِضَة وغير الواضِحَة لدى الكثير من المسلمين فيما يتعلَّق بصناعة الحلال، ومجالاته، وطُرُقِه، والأساليب المستخدَمَة فيه.
٥ - تَلْبِيةُ حاجة الأقليَّات المُسْلِمَة التي تعيش في المجتمعات غير الإسلاميَّة؛ حيث اشتملت الموسوعةُ على فتاوى كثيرةٍ ومتنوعةٍ تتعلَّق بواقعهم الذي يعيشونه، وتُجيبُ على الكثير من الإشكالات والاستفسارات التي تتعلَّق بشؤون طعامهم وشرابهم ولباسهم، ودوائهم، وغير ذلك.
٦ - إبرازُ دَوْر الشَّريعة الإسلاميَّة في الاهتمام بمطعوم الإنسان ومشروبه، من خلال القواعد والضوابط الشرعيَّة التي أرستها ونصَّت عليها.
٧ - تَجْليةُ الكثير من الإشكالات، والإجابة على العديد من الاستفسارات التي تَرِدُ على العاملين في حَقْل صناعة الحلال.
* منهجُ العَمَل في المَوْسوعَة:
سار العمل في هذه الموسوعة وفق المنهجية التالية:
1 / 14
١ - جَمْع الفتاوى الصادرة عن عُلماء المذاهب الأربعة منذ القرن الثاني الهجري، حسب ما وقع تحت أيدينا منها، وكذلك جَمْع ما صَدَر عن دور الإفتاء وهيئات الفتوى الرسميَّة في العالم العربيِّ والإسلاميِّ، بالإضافة إلى فتاوى العُلماء المُعتبَرين من المتقدِّمين والمتأخِّرين والمعاصرين، والقرارات والتوصيات الصادرة عن المجامع الفقهيَّة والمؤتمرات العلميَّة.
٢ - تَرْتيب الفتاوى في الباب الواحد وما يندرج تحته من تقسيمات ترتيبًا زمنيًّا، وذلك على النحو التالي:
أ - الفتاوى الصادرة عن دور الفتوى وهيئاتها؛ وذلك حسب تاريخ نشأتها، باستثناء الفتاوى الكويتية؛ فإنَّنا نُصَدِّر بها الموضوع إذا وجدت.
ب- الفتاوى الصادرة عن العلماء المتقدِّمين، ثمَّ المتأخِّرين، ثمَّ المعاصِرين، وذلك حسب تواريخ وفياتهم.
جـ- القراراتُ والتوصياتُ الصادرة عن المجامع الفقهيَّة، والمؤتمرات العلميَّة.
٣ - عَنْونةُ الفتاوى والقرارات والتوصيات بما يناسب موضوعها في الباب الذي أُدْرِجت فيه، إلَّا إذا تعدَّدت الفتاوى في الموضوع؛ فإنَّنا نُرَتِّبها متتاليةً حسب ترتيبها الزمنيِّ، مع تصديرها بعنوان واحدٍ قبل الفتوى الأُولَى.
٤ - تصديرُ نصِّ السؤال في الفتوى بعبارة (السؤال)، ونصِّ الجواب بعبارة (الجواب). أمَّا الفتاوى التي وَرَدَت في المصدر من غير سؤال؛ فنضع لها بين معقوفتين سؤالًا يناسب موضوعها. وأمَّا القراراتُ والتوصياتُ الصَّادرة عن المجامع الفقهيَّة والمؤتمرات؛ فإنَّنا نَذْكُرُها كما هي، من غير أن تُصدَّر بسؤال.
1 / 15
٥ - فَصْلُ الأسئلة المتعدِّدة في الفتوى الواحدة، بإدراج كُلِّ سؤالٍ مع إجابته مُستَقِلًّا عن الأصل، ووَضْعِها تحت ما يناسب موضوعها.
٦ - تَرْقيمُ جميع الفتاوى والقرارات والتوصيات برقم مُتَسَلْسِلٍ من بداية الموسوعة حتَّى نهايتها.
٧ - تمييزُ جميع الأسئلة باللَّون الأحمر، وجميع الأجوبة باللَّون الأسود.
٨ - توثيقُ الفتاوى والقرارات والتوصيات الواردة في الموسوعة بإحالتها إلى المصدر الذي أُخِذَت منه، مع ذِكْر رقم الفتوى، أو رقم الجزء والصفحة.
٩ - الاكتفاءُ بإحالةِ الفتاوى المنقولَة عن المواقع الرسميَّة للمفتين المعاصرين على شبكة الانترنت إلى الموقع الرسميِّ للمفتي نفسه.
١٠ - إحالةُ الفتاوى ذات الموضوع المشترك؛ وذلك بإثبات نصِّها في الباب الذي يُناسبها، والاقتصار على ذِكْر الإحالة إلى ذلك الموضع في الأبواب الأُخرى المرتبطة بها، وذلك بوضع عبارة: «انظر: فتوى رقم ()». فإن كانت الفتوى ذات الموضوع المشترك لها نظائر كثيرة في الباب الآخر، أو كانت الزيادة قليلة الفائدة، فإنَّنا نترك الإحالة إليها.
١١ - المحافظةُ على نصِّ الفتوى كما هو دون زيادة أو نقصان، إلَّا في الحالات التالية:
أ - وجودُ خطإٍ لغويٍّ، أو تصحيفٍ في كلمةٍ أو عبارةٍ لا يستقيم السِّياق بها؛ فإنَّنا نصوِّبُه بالرُّجوع إلى الطبعات المُحقَّقة، أو المخطوطات، أو أيَّة مصادر أُخرى نقلت الفتوى، ونُثْبِت الصواب بين معقوفتين [].
1 / 16
ب- إضافةُ كلمةٍ أو عبارةٍ لا يستقيمُ سياق الفتوى إلَّا بإضافتها، أو تستلزم معرفة نسبة القول إلى قائله؛ فإنَّنا نُثْبِتُها مع وَضْعِها بين معقوفتين [].
جـ- حذفُ أيِّ عبارةٍ وَرَدَت في نصِّ السؤال أو الجواب ممَّا لا يتعلَّق بصناعة الحلال -غالبًا-، وكذا ما كان استطرادًا لا يخدم موضوع الفتوى، ولا يُخِلُّ بسياقها، مع وَضْعِ ثلاثِ نقاطٍ (...) مكانه للدلالة على الحذف.
١٢ - كتابة الآيات القرآنيَّة برَسْم المصحف (العثماني)، مع وَضْعِها بين قوسين مزهَّرين ﴿﴾، وتوثيقها بذِكْر اسم السورة ورقم الآية.
١٣ - ضبط الأحاديث النبويَّة والآثار بالشَّكْل، مع وَضْعِها بين قوسين هِلَالِيَّين ()، وتمييزها بخط مغمَّق، من غير تخريج لها، اكتفاءً بما جاء في مقدِّمة الموسوعة تحت مبحث (الأحاديث الواردة في صناعة الحلال). أمَّا ما ورد مُخرَّجًا في نصِّ الفتوى، فهو منقول كما جاء من المصدر الذي أُخِذَت منه الفتوى.
١٤ - تَخْريجُ الأحاديثِ والآثارِ التي وَرَدَت في مقدِّمة الموسوعة تحت عنوان (الأحاديث والآثار الواردة في صناعة الحلال)، وذلك على النحو التالي:
أ - الاكتفاءُ بصحيحي البخاريِّ ومُسلِم، إذا كان الحديثُ أو الأثرُ فيهما أو في أحدهما.
ب- التخريجُ من مسند الإمام أحمد والسُّنن الأربعة، إذا لم يكن الحديثُ أو الأثرُ في الصحيحين أو في أحدهما.
جـ- التخريجُ من بقيَّة مصادر السُّنَّة النبويَّة إذا لم يكن الحديثُ أو الأثرُ في مسند الإمام أحمد أو السُّنن الأربعة.
1 / 17
١٥ - تمييزُ القواعِدِ والضَّوابِطِ الفقهيَّة والأُصوليَّة الواردة في الموسوعة بخطٍّ مُغَمَّق، مع وَضْعِها بين قوسين هِلاليَّين ().
١٦ - وَضْعُ أسماء المُصَنَّفات والكُتُب التي وَرَدَت في ثنايا الفتاوى بين قوسين هلاليَّين () بدون تغميق؛ تمييزًا لها.
١٧ - التعريفُ بما يحتاج إلى بيان وتوضيح من الألفاظ الغريبة التي وَرَدَت في الموسوعة.
١٨ - تَذْييلُ الموسوعةِ ببعض الفهارس العِلْميَّة، وهي:
أ - فهرسُ القواعِدِ والضَّوابِطِ الفقهيَّة والأُصوليَّة الواردة في الموسوعة.
ب - فهرسُ الألفاظ والمصطلحات المُعرَّفة في الموسوعة.
جـ- فهرسُ المصادر والمراجع.
د - فهرسُ عناوين الفتاوى الواردة في الموسوعة.
* خُطَّةُ العَمَل في المَوْسوعَة:
جَرَى تقسيمُ الموسوعة إلى مُقدِّمة عِلْمِيَّة، وأَحَدَ عَشَرَ بابًا مرتَّبةً ترتيبًا فقهيًّا:
* أمَّا المُقدِّمة؛ فاشتملت على ما يلي:
- أهميَّة هذه الموسوعة، ومنهج العمل فيها، وخطَّة العمل.
- عنايةُ الإسلامِ بالمَطْعوم والمَشْروب وضَوابِطُه.
- دورُ إدارة الإفتاءِ في صِناعَةِ الحلال.
- الآياتُ الواردةُ في صناعةِ الحلال.
1 / 18
- الأحاديثُ والآثارُ الواردةُ في صناعة الحلال.
- مصطلحاتٌ وألفاظٌ مُهمَّة في صناعة الحلال.
* أمَّا أبواب الموسوعة؛ فقد جاءت في أحد عشر بابًا، وذلك على النحو التالي:
- الباب الأول: الفتاوى في الأَطْعِمَة.
- الباب الثاني: الفتاوى في الأَشْرِبَة.
- الباب الثالث: الفتاوى في التَّذْكِيَة.
- الباب الرابع: الفتاوى في الآنِيَة.
- الباب الخامس: الفتاوى في الطَّهارة والنَّجاسة.
- الباب السادس: الفتاوى في المُخدِّرات والمُفتِّرات.
- الباب السابع: الفتاوى في الموادِّ المضافَة.
- الباب الثامن: الفتاوى في الطبِّ والتَّداوي.
- الباب التاسع: الفتاوى في مُستحضَرات التَّجميل.
- الباب العاشر: الفتاوى في اللِّباس والزِّينة.
- الباب الحادي عشر: فتاوى مُتفرِّقات.
وختامًا: نسأل الله العليَّ القدير أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يُثَقِّل به موازيننا، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، وأن يَغفِرَ لنا ما وقع فيه من الزَّلَل والخَطَأ، فما كان من صوابٍ فمِنَ الله وَحْدَه، وما كان غير ذلك فمِنْ أَنْفُسِنا ومن
1 / 19
الشَّيطان، والله ورسولُه منه بَريئان.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين
وصلَّى اللهُ على نبيِّنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين
1 / 20
تعريف صناعة الحلال
يُعدُّ مُصطَلَحُ (صناعة الحلال) من المُصطَلَحات الحديثة؛ ولذا لم نقف -بعد البَحْث والتَّقَصِّي- على تعريفٍ له فيما بين أيدينا من المصادر والمراجع. وقد اجتهدنا في وَضْع تعريفٍ مُناسِبٍ له وَفْقَ تَصَوُّر الموضوعات التي تَنْدَرِجُ تحت هذا المفهوم.
ولتعريف هذا المُصْطَلَح ينبغي أوَّلًا أن نُعرِّف بمُفْرَدَيْه (صناعة، وحلال) من حيث اللُّغةُ والاصطلاحُ، ثمَّ نعرِّفه كمُصْطَلَحٍ مُركَّبٍ منهما؛ وذلك على النحو التالي:
أوَّلًا: تعريف «صناعة الحلال» باعتبار مُفْرديْه:
أ- تعريف «الصِّناعة» لغةً واصطلاحًا:
الصِّناعة لغةً: مصدر صنَعَ؛ اسمٌ لِحِرْفة الصَّانع، وَعَمَلُهُ الصَّنْعَةُ، يُقَال: صَنَعَه يَصْنَعُه صُنْعًا، فَهُوَ مَصْنوعٌ وصُنْعٌ: عَمِلَه. ومنه قول الله تعالى: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٨٨] (^١).
وفي الاصْطِلاح: هي «كلُّ علمٍ مارَسَهُ الرُّجُلُ، سواء كان استدلاليًّا أو غيره، حتَّى صارَ كالحِرْفَة له» (^٢).
وقال التَّهانَوِيُّ: «هي العِلْمُ المُتعلِّق بكيفيَّة العَمَل، ويكون المقصودُ منه ذلك
_________
(^١) انظر: الصحاح تاج اللغة للجوهري (٣/ ١٢٤٥)، لسان العرب لان منظور (٨/ ٢٠٨)، القاموس المحيط للفيروزآبادي (٧٣٩) مادة: (صنع).
(^٢) الكليات للكفوي (ص ٥٤٤).
1 / 21
العَمَل، سواء حصل بمُزاوَلَةِ العَمَل؛ كالخِياطَةِ ونحوها، أو لا؛ كعِلْم الفِقْه، والمَنْطِق، والنَّحْو، والحِكْمَة العَمَليَّة، ونحوها ممَّا لا حاجة فيه إلى حصوله إلى مُزاوَلَة الأَعْمال» (^١).
ب- تعريف «الحلال» لغةً واصطلاحًا:
الحَلالُ في اللُّغَة: نَقِيضُ الْحَرَامِ، مِن حَلَّ الشَّيءَ يَحِلُّ حِلًّا فهو حَلالٌ؛ خلاف ما حَرُمَ. يُقَالُ: أَحْلَلت لَهُ الشَّيءَ، جَعَلْتُهُ لَهُ حَلالًا. واسْتَحَلَّ الشيءَ: عَدَّه حَلالًا (^٢).
وفي الاصْطِلَاح: هو ما لم يَدُلَّ دليلٌ على تحريمِه (^٣).
ثانيًا: تعريف «صناعة الحلال» باعتبار التركيب:
من خلال ما سبق نستطيع أنَّ نعرِّف مصطلح «صناعة الحلال» بأنَّه:
[مجموعةُ الأنشِطَةِ والإجراءاتِ التي تقوم بها عِدَّة جِهاتٍ لتقديم مُنْتَجاتٍ أو خِدْماتٍ، تتوافقُ مع مَعاييرِ وضَوابِطِ الشَّريعَةِ الإسْلامِيَّةِ].
فقولنا: (مجموعة الأنشطة): يُقصَدُ به تلك الأنشطة المتعلِّقة بوضع المواصفات والمقايسات، والمعايير، وما يتعلَّق بمراقبة خطوط الإنتاج والأداء، وفحص العَيِّنات والموادِّ المستخدمة في التَّصنيع، وإصدارا شهادات الاعتماد للمراكز والجهات المانحة لشهادات الحلال، وغير ذلك.
وقولنا: (عدَّة جهات): يُقصَدُ به الجهات المَعْنِيَّة بالقيام بتلك الأنشطة؛ كهيئات
_________
(^١) كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم (٢/ ١٠٩٧).
(^٢) انظر: لسان العرب (١١/ ١٦٧)، المصباح المنير للفيومي (١/ ١٤٧) مادة: (حلَّ).
(^٣) انظر: البحر المحيط للزركشي (١/ ١٢٨)، المنثور في القواعد للزركشي (٢/ ٧٠).
1 / 22
الأقْيِسَة والمواصفات، وهيئات الرَّقابة الشرعيَّة، وجهات اعتماد مراكز منح شهادات الحلال، والجهات المانحة لشهادات الحلال، وجهات الرَّقابة على التصنيع وخطوط الإنتاج، وغير ذلك.
وقولنا: (لتقديم منتجات أو خدمات): يُقصَدُ به كُلُّ ما يُنتَج ويُصَنَّع من غِذاءٍ، ودواءٍ، ولِباسٍ، وموادَّ تجميلٍ، وغيرها ممَّا هو داخلٌ في استعمالات المستهلك، وكذا كُلُّ ما يُقَدَّم له من خِدْماتٍ تتعلَّق بمجال السياحة، والفَنْدَقة، والتمويل المصرفيِّ، والاستثمار، وغير ذلك.
وقولنا: (تتوافق مع معايير وضوابط الشريعة الإسلامية) يُقصَدُ به: أن تَنْضَبِطَ تلك الأنشطة بالضَّوابِط التي جاءت بها الشَّريعة الإسلامية، وقرَّرتها قواعدها؛ فلا تشتمل على شيءٍ ممَّا يُخالِفُها.
1 / 23
عنايةُ الإسلامِ بالغِذاء والدَّواء
وضوابطها الشَّرعيَّة
إنَّ من محاسن الشريعة الإسلاميَّة التي تميَّزت بها أنَّها شريعةٌ عامَّةٌ جامعةٌ؛ تُعنَى ببيان وتوضيح ما تحتاج إليه النفس البشريَّة في سَيْرها إلى الله ﷿، بما يضمن لها طِيبَ دنياها، وسعادةَ أُخراها.
ومن الجوانب العظيمة التي أَوْلَتها الشريعةُ عنايتها، واهتمَّت بها اهتمامًا بالغًا، ما يتعلَّق بالحلال والحرام في مَطْعومِ الإنسان ومَشْروبِه، ولِباسِه وزِينَتِه، وتَطَبُّبِه وتَداويه؛ حيث حرصت غاية الحرص على كونه حلالًا طيِّبًا؛ من جهة أَصْلِه، ومن جهة كَسْبِه (^١).
ولقد حثَّت الشريعة على ذلك وأمرت به في نصوص كثيرة؛ وذلك على النحو التالي:
أوَّلًا: المَطْعومِ والمَشْروب:
لقد تضافرت النصوص الشرعيَّة التي تأمر المسلم وتحثُّه على تناول الطيِّب من المطعوم والمشروب، واجتناب الخبيث منه؛ ومن ذلك: قول الله ﷿: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة: ١٧٢]. وقوله جلَّ وعلا: ﴿يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: ٥١]. وقوله تقدَّست أسماؤه: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: ١٥٧].
_________
(^١) انظر: المسالك في شرح موطأ مالك للقاضي ابن العربي (٧/ ٣٧٣)، تفسير السعدي (ص ٨٠).
1 / 25