146

Hanyoyin Bayan Zamani

دروب ما بعد الحداثة

Nau'ikan

62

إن التناص هنا يتسع ليشمل كينونة النص ذاته، إنه ماهيته، إذا كان ثمة ما يمكن أن يطلق عليه ماهية في فكر بارت.

لم يكن هدف بارت إذا البحث عن بنية النص ولا عن معناه النهائي، أو المدلول الأخير (فهذا شأن القراءات التأويلية)، بل كان بحثه منصبا على محاولة اكتشاف تلك الحركة الدائبة التي تكون النص وتفتحه على تفاعل مستمر مع النصوص الأخرى ومع الأنساق الثقافية. وإحدى مهام الناقد اكتشاف هذه المسارات داخل العمل، وعليه أن يحذر في تلك العملية من الوقوع في فخ التحديد؛ أي محاولة اكتشاف المحددات الخارجية في التحليل النصي واختزاله في مسارات ينظر إليها بوصفها «محددات للهوية» كما هو الحال في المنهج التاريخي أو المناهج الاجتماعية والنفسانية التي تجعل من النص فضاء لاكتشاف حقيقة تتجاوزه أو حتى تتجلى فيه.

إن التحليل النصي يقدم المادة الخام للمناهج النقدية المختلفة. وبالتالي فعملية التحليل تنتج نصا جديدا، هو النص الواصف للنص موضوع التحليل، وهذا الأخير ما هو إلا نص تأليفي لنصوص أخرى هي بدورها تجميع لأخرى ... إلخ. إنها تلك الحركة الدائرية التي لا تنتهي، أو لكأنها التطبيق العملي لمفهوم العود الأبدي الذي أعاد نيتشه إحياءه في القرن التاسع عشر «فالمعنى يعود كاختلاف، كما يقول نيتشه، وليس كتطابق وهوية.»

63

والكتابة، بصفة عامة، عملية مقطعية تنبذ الاستمرار والتواصل، وتقضي على الزمان كتواصل، وتهاب الامتلاء والتحقق. كتابة تقحم الزمان داخل النص ذاته. لكنه ليس زمان الميتافيزيقا، ليس زمان الحاضر المتحرك، بل زمان العود الأبدي، إنها كتابة بدون ذات، لكنها كتابة غنية «بالصمت الذي يتخلل خطابها، والنقص الذي يعوز مفاهيمها، والبياض الذي يتسلل إلى سواد كتابتها الدقيقة.»

64

لكن كيف للناقد بعد ذلك أن يقدم نصا موازيا للنص موضوع القراءة؟ يرد بارت على هذا التساؤل قائلا: «إن تلك الذات التي تقترب من النص هي نفسها مشكلة سلفا من نصوص أخرى متعددة، وأنساق لا نهائية. والقراءة هنا ليست فعلا عرضيا على كتابة تمنحها كل امتيازات الإبداع والأولوية، بل هي في الأساس نص مواز لا يقل من حيث الدرجة عن النص المقروء.»

65

فعملية القراءة لا تهدف إلى مجرد تقديم تفسير للعمل أو بحث عن الآليات التي تعمل علاماته وفقا لها، بل تقديم نص مواز للنص المقروء يصبح بدوره هو نصا مقروءا. يتساءل بارت: «ألم يصادفكم قط، وأنتم تقرءون كتابا، أن توقفتم مرارا عن القراءة، ليس لأنكم لا تهتمون بما تقرءون، ولكن بسبب دفق الأفكار، وشدة الإثارة، وكثرة التداعيات؟ باختصار، ألم يصادف أن قرأتم وأنتم للرأس رافعون؟» ليرد: «إن هذه القراءة بالذات التي تتصف في وقت واحد بقلة الاحترام لأنها تقطع النص، وبالافتتان لأنها تعود إليه وتتغذى منه، هي التي أحاول أن أكتبها. ولكي أكتبها، ولكي تصبح قراءتي بدورها موضوعا لقراءة جديدة (مثل

Shafi da ba'a sani ba