إن نسبة النص إلى مؤلفه، بحسب بارت، معناه إيقاف النص وحصره وإعطاؤه مدلولا نهائيا، إنه إغلاق للكتابة، يقول: «عندما يأبى الفن النظر إلى العمل الفني كما لو كان ينطوي على سر؛ أي على معنى نهائي، فإن ذلك يولد فعالية يمكن أن نصفها بأنها ضد اللاهوت، وأنها ثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة، وذلك أن الامتناع عن حصر المعنى وإيقافه معناه في النهاية رفض الإله ودعائم وجوده.»
9
إن هذا الرفض لمركزية الإله لا ينبغي التعامل معه على المستوى اللفظي؛ فهو في الأصل تعبير مجازي عن رفض فكرة المركز الذي يدور المعنى حوله؛ تحرير للنص من أي هيمنة فرضت عليه تسعى لاختزاله في اتجاه ذي بعد واحد.
أما فيما يتعلق بمسألة السلطة وكيف تمارس تأثيرها عبر اللغة، فقد ذهب بارت إلى أن مفهوم السلطة لا يمكن اختزاله في المعنى السياسي له؛ لأن السلطة حاضرة في كل شيء داخل المجتمع وهي تمارس تأثيرها بصورة خفية مخادعة. إنها توجد في الدولة، وعند الطبقات والجماعات، وفي أشكال الموضة، والآراء الشائعة، والمهرجانات، والألعاب، والمحافل الرياضية، والأخبار والعلاقات الأسرية، وحتى داخل حركات المعارضة والتحرر الوطني. ودور المثقف هنا، بحسب بارت، ليس العمل المباشر ضد السلطة بالمعنى السياسي لها «فمعركتنا تدور خارج هذا الميدان، إنها تقوم ضد السلطة في أشكالها المتعددة. وليست هذه بالمعركة اليسيرة؛ ذلك أنه إن كانت السلطة متعددة في الفضاء الاجتماعي، فهي بالمقابل ممتدة في الزمان التاريخي. وعندما نتصدى لها وندفعها هنا سرعان ما تظهر هناك؛ وهي لا تزول البتة. قم ضدها بثورة بغية القضاء عليها، وسرعان ما تنبعث وتنبت في حالة جديدة. ومرد ذلك هو أن السلطة جرثومة عالقة بجهاز يخترق المجتمع ويرتبط بتاريخ البشرية في مجموعه، وليس بالتاريخ السياسي وحده. هذا الشيء الذي ترتسم فيه السلطة، منذ الأزل، هو اللغة.»
10
والواقع أن هذا الفهم البارتي لمفهوم السلطة يجعله عصيا على التحديد أو التعريف؛ إذ لا ينبغي وفقا لهذا الفهم البحث عن السلطة عند نقطة مركزية تكون هي الأصل، عند بؤرة وحيدة للسيادة تكون مصدر إشعاع لباقي الأشكال الثانوية التي تتولد عنها، وإنما ينبغي رصدها عند القاعدة المتحركة لعلائق القوى التي تولد أشكالا للسلطة، لكنها حالات غير مستقرة ذات مستويات متعددة وأشكال خفية كامنة خلف كل خطاب من الخطابات التي تحيط بنا. والنتيجة أن العالم سلطة، والخطاب سلطة، والحقيقة سلطة، والتاريخ سلطة، والفيلسوف هو أيضا سلطة، بل إن السلطة تمتد لتشمل اللغة التي يتم التعبير بها، فعملية التعبير ذاتها تكون أسيرة للحروف والألفاظ والمعاني المتداولة.
ينحو إذا بارت منحى فلاسفة ما بعد الحداثة في نقدهم لمفهوم السلطة. وهو يتفق مع نيتشه في أن اللغة هي بيت السلطة، وقد ذهب إلى القول بأن «نيتشه قد حاول خلخلة ذلك الاستعباد الذي تمارسه السلطة.»
11
وعلى المفكر إذا أراد مقاربة السلطة ومقاومتها بغية الكشف عن مظاهر تموضعها أن يبدأ باللغة.
هذا النقد البارتي لمفهوم السلطة يضمر نقدا داخليا لعملية التلقي الجمالي التي تختزل العمل الفني في معنى واحد؛ فهذا ضرب من ضروب السلطة التي يمارسها المتلقي على العمل الفني. لهذا السبب يرفض بارت عملية تقييم العمل الفني، ويرى أنها لا تدخل في صميم عمله، فمهمته الكشف عن مستويات مختلفة للقراءة، أما عملية التقييم فهي نوع من ممارسة السلطة «إنني لا أستطيع أن أسمح لنفسي بالقول إن هذا لجيد، وإن هذا لرديء؛ إذ ليس ثمة قائمة للجوائز، كما أنه ليس ثمة نقد. فالنقد يتطلب دائما هدفا تكتيكيا، واستخداما اجتماعيا، كما يتطلب دائما نمطا خياليا، وأنا ليس في مقدوري توقع أو تصور النص كاملا، حتى يتسنى له الدخول في لعبة الإسناد المعياري.»
Shafi da ba'a sani ba