بعدًا لذاك اليوم بعدًا إنه ... أجرى دموع العين بالهملان
من ساتر دمعًا بفضل ردائه ... أو ممسك قلبًا من الخفقان
وألفت فيك الحزن حتى إنني ... لأسر فيك بكثرة الأشجان
ومنها في المديح:
ملك إذا لاذ العفاة ببابه ... أخذوا من الأيام عقد أمان
يعطي الجزيل ولا يمن كأنما ... فرض عليه نوافل الإحسان
وله من قصيدة:
أراها للرحيل مثورات ... جمالا بالجمال محملات
تتيه على الركائب في سراها ... بأقمار عليها طالعات
ولو نظرت لمن تسري إليه ... لصدت عن وجوه الغانيات
وجازت والفلاة لها ركابٌ ... كما كانت ركابًا للفلاة
ولم تعلق بشيء غير شعر ... منابته بأفواه الرواة
تمر على المياه ولم تردها ... كأن الري في زجر الحداة
أقول لها وقد علقت ذميلا ... بأجفان لزجري سامعات
سأنزل عنك في مرعى خصيب ... وماء بارد عذب فرات
بأرض "مدافع" مأوى الأماني ... وقتال السنين المجديات
فيحمل عنك همي فوق طرف ... سبوق من خيول سابقات
أغر تخاله ريحًا أعيرت ... قوائم باللجين محجلات
كساه الليل أثوابًا ولكن ... تراها بالصباح مرقعات
وحسبك ما يفرق من نوال ... بأيد للمكارم جامعات
فقد أطمعت في جدواك حتى ... سباع الطير من بعض العفاة
وله من أخرى:
ضحوك مرةً جهدًا وباكٍ ... وشاكر حاله حينًا وشاك
ومغتبط بعيشٍ غير باق ... يروم سلامةً تحت الهلاك
ألا يا حار قد حارت عقول ... وغلت بالغليل عن الجراك
وقد نصبت لك الدنيا شباكا ... فإياك الدنو من الشباك
وإن شيدت لي يا حار بيتا ... فحاول أن يكون على السماك
وأبعد إن قدرت على مكان ... فإني والحوادث في عراك
وله في الغزل:
لقد بليت بشيءٍ لست أعرفه ... مولى يجور على ضعفي وأنصفه
ما زال يطعمني لفظ له خنث ... يمن بالوعد سرًا ثم يخلفه
يا رب زدني غراما في محبته ... ودع فؤادي بالأشواق يتلفه
وله:
فارقتكم لا عن قلى وتركتكم ... رغمًا على حكم الزمان الجائر
وفقدتكم من ناظري فوجدتكم ... لما أردت لقاءكم في خاطري
وله في ذم الاجتداء من البخلاء:
وحقك لو نلت النوال معجلا ... لغير سؤال كان غير جميل
فكيف وما في الأرض وجه مؤمل ... ولا يرتجى للجود غير بخيل
وله:
ألا سكن إذا ما ضقت يوما ... سكنت إليه في شكوى همومي
أوسع صدره وأحل منه ... محل الجود من قلب الكريم
وله:
لو تشتفي بالدمع مقلة عاشق ... لشفت فؤادي هذه العبرات
لكن دمعي كلما أجريته ... وقدت به بين الحشا الزفرات
وله:
وليلٍ أتى في جحفل من ظلامه ... فقدت له من أسرة اللهو جحفلا
وسل علينا مُنصلًا من بروقه ... فسلت له كفي من الراح منصلا
وركبت في خطية الشمع لهذمًا ... طعنت به في نحره فتجندلا
وله:
هيفاء يكفينا المدام غناؤها ... وجمالها التفاح والريحانا
١٥- أبو محمد جعفر بن علي بن محمد السعدي المعروف بابن القطاع
أحد العلماء باللغة المبرز فيها، المتصرف في علم العربية، القادر عليها. وله في الترسل طبع نبيل، وفي المعاني ونقد الشعر حظ جزيل، فمن شعره قوله من قصيدة يتغزل فيها، أولها:
بثينة قد زادت بي الحال ... وأرقني شوق إليك وبلبال
أكابد هذا الليل أرعى نجومه ... تسامرني فيه هموم وأوجال
فقد صار قلبي للصبابة موطنًا ... معاهدها فيه غدو وآصال
فو الله لا أشكوك ما هبت الصبا ... ولو كثرت في الأحاديث والقال
لعل يد الدهر البخيل تضمنا ... فللدهر فيئات تكر وإقبال
ومنه:
لما استقلوا للرحيل ضحًا ... وتضاعف الزفرات والكرب
أخفيت شخصي عن وداعكم ... حذر الرقيب فودع القلب
١٦- القاضي أبو الفضل الحسن بن إبراهيم بن الشامي الكناني
وله من قصيدة مرثية:
فلا البؤس مدفوع بما أنت جازع ... ولا الخير مجلوب بعلم ولا فهم
1 / 3