صاحب الديوان ينسب إلى "ودان" مدينة بإفريقية من ذوي الرئاسة والنفاسة. وله فضائل وأدب وشعر، منه قوله يصف ليلة:
من يشتري مني النهار بليلة ... لا فرق بين نجومها وصحابي
دارت على فلك السماء ونحن قد ... درنا على فلكٍ من الآداب
وأتى الصباح ... فلا أتى
وكأنه
شيبٌ أطل على سواد شباب
وكأنما شفق السماء خضابه ... يبدو كنعمان بأرض سراب
وله في الشيب:
وبرغمي لما أتاني مشيبي ... قلت: أهلا بذا الضحوك القطوب
ولعمري ما كنت ممن يحي ... يه ولكن تملق المغلوب
كان في عهد ابن رشيق وبينهما مكاتبات
٥٣- أبو الحسن علي بن بشري الكاتب
كان في النظم والنثر سابقًا لا يجارى، وفي اللغة والإعراب لا يبارى، وله في الشعر قوله:
وتعجبني الغصون إذا تثنت ... ولا سيما وفيهن الثمار
إذا ارتجت نهودٌ في قدودٍ ... فقل للحلم قد ذهب الوقار
وقوله أيضًا:
ملكتني المدامة الخندريس ... وغزالٌ يرنو وطرفٌ يميس
إنما يملك النفوس فتعصي ... ناصحيها ما تشتهيه النفوس
قد ألفت الصبا وإن لحظتني ... فيه من عاذلي لواحظ شوس
رب يومٍ لهوت فيه بأبكا ... رٍ حسان كأنهن شموس
حضرتنا السعود فيه وغابت ... عن ذرانا فلم تطرنا النحوس
للقماري به غناء وللرو ... ض ابتسامٌ وللغيوم عبوس
وقوله يصف البرق:
بدا البرق من نحو الحجاز مذكرًا ... بسلمى وسعدى والتذكر ينصب
يلوح على لون الدجى فكأنه ... سيوف على زرق الثياب تقلب
فلله برقٌ عذب القلب لمعه ... أكل محب بالبروق معذب؟
٥٤- أبو الحسن علي بن الحسن بن حبيب اللغوي
(أحد رجال اللغة المعدودين، والعلماء بها المبرزين)، وممن تناول المرمى البعيد بقريب فهمه، وأوضح المبهمات بنور علمه، (وكان مضطلعًا بنقد الشعر ومعانيه، ناهضًا بأعباء الغريب ومبانيه)، فمن شعره قوله:
أهاب الكأس أشربها وإني ... لأجر أمن أسامة في النزال
أراوغها مراوغة كأني ... ألاقي عند ذاك شبا العوالي
٥٥- أبو الحسن علي بن الحسن بن أبي سعيد القاضي سهل بن مهران
أحد المطيلين المحسنين والمداح المجيدين.
فمن شعره يمدح الأمير أبا القاسم علي بن الحسن الكلبي ملك صقلية ويعاتبه من قصيدة أولها:
مرادك من قرب الحبيب المباعد ... ضمان على طيف الخيال المعاود
ألم قبيل الصبح يجلبه الدجى ... على رقبةٍ خوف العيون الرواصد
فأطمع مشتاقًا وعلل مدنفًا ... عديم الأسى فيه قليل المساعد
وبات فما زالت ذراعي وسادةً ... تلي جيده المعطار دون الوسائد
٥٦- أبو الحسن علي بن الحسن ابن الطوبي
إمام البلغاء، وزمام الشعراء، مؤلف دفاتر، ومصنف جواهر، ومقلد دواوين، ومعتمد سلاطين، سافر إلى الشرق، وحل منه في الأفق، وكان في زمان المعز بن باديس عنفوانه، وله فيه قصيدة رصع بها ديوانه:
أجارتنا شدي حزيمك للتي ... هي الحزم أو لا تعذلي في ارتكابها
وكفي فإن العذل منك زيادة ... علي، كفى نفسي الحزينة ما بها
ومنها:
وإما المنى أو فالمنية إنها ... حياة لبيبٍ لم ينل من لبابها
وهل نعمة إلا ببؤس وإنما ... عذوبة دنيا المرء عند عذابها
سآوي إلى عز المعز لعله ... سيأوي لنفس حرة واكتئابها
إليك معز الدين وابن نصيره ... حملت عقود المدح بعد انتخابها
وأثواب حمد حكت أثواب وشيها ... على ثقةٍ مني بعظم ثوابها
وله من قصيدة:
أجارتنا إن الزمان لجائر ... وإن أذاه للكرام لظاهر
أجارتنا إن الحوادث جمة ... ومن ذا على ريب الحوادث صابر؟
ومنها:
أجيراننا إن الفؤاد لديكم ... لثاوٍ وإن الجسم عنكم لسائر
أأترك قلبي عندكم وهو حائر ... وآخذ طرفي منكم وهو ساهر
كذا يغلب الصبر الجميل كما أرى ... ويخسر في بيع الأحبة تاجر
وله:
أعددت للدهر إن أردت حوادثه ... عزما يحل عليه كل ما عقدا
وصارمًا تتخطى العين هزته ... كأنما ارتاع من حديه فارتعدا
1 / 12