Durra Gharra
الدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاة والأمراء
Mai Buga Littafi
مكتبة نزار مصطفى الباز
Inda aka buga
الرياض
Nau'ikan
Siyasa da Shari'a
وَالْمَقْصُود من هَذِه الْحِكَايَة: أَنه يَنْبَغِي للوزير أَن يكون مشفقا على أَحْوَال الْخلق كَمَا يكون مشفقا على حَال نَفسه.
وَحكى أَن أَصْحَاب الْوَظَائِف اجْتَمعُوا فِي مَوضِع وَاحِد فِي زمن هَارُون الرشيد ﵀، وَكَتَبُوا كتابا مضمونه: نَحن عباد الله، وبعضنا أَوْلَاد الأكابر، وبعضنا حفاظا، وبعضنا من آل الرَّسُول، وبعضنا من أهل الْعلم، وبعضنا من الْمَشَايِخ، وبعضنا فُقَرَاء، وبعضنا من الْمَسَاكِين، وَلكُل وَاحِد منا نصيب من بَيت المَال، وَأَنت كل يَوْم تَأْكُل وتشرب وتلبس مَا تشْتَهي، وَنحن مَا نجد الْخبز، إِن أَنْت تُعْطِي نصيبنا فبها، وَإِلَّا فنشكو من يدك إِلَى الله تَعَالَى، وندعو الله تَعَالَى ليَأْخُذ بَيت المَال من يدك، وَيُعْطِي الرجل الَّذِي لَا يقطع وظائفنا ونصيبنا ويشفق علينا.
فَلَمَّا علم هَارُون الرشيد مَضْمُون الْقِصَّة تغير لَونه وحزن وَذهب بَيته الْخَاصَّة ثمَّ سَأَلته زَوجته الْمُسَمَّاة زبيدة عَن حَاله فَقَالَت: مَا كَانَ بك الْيَوْم؟ فَأخْبر مَضْمُون الْكتاب فَقَالَت زبيدة: انْظُر وتفكر كَيفَ فعل قبلك الْخُلَفَاء المتقدمون والأمراء والأكابر الماضون الَّذين قضوا بِالْحَقِّ، وَبِه كَانُوا يعدلُونَ، فافعل أَنْت مثلهم، وَلَا شكّ أَن بَيت المَال لمصَالح الْمُسلمين، وَأَنت تتصرف من بَيت المَال أَكثر من نصيبك وحقك مِنْهُ، فَيَنْبَغِي لَك أَن تتصرف فِي بَيت مَال الْمُسلمين، كَمَا يتَصَرَّف الْمُسلمُونَ فِي مَالك، وَإِن كَانُوا يَتَضَرَّعُونَ أَن ينْزع الله تَعَالَى الْملك من يدك، وَيُعْطِيه فِي يَد غَيْرك، فَالْحق فِي أَيْديهم، فَإِن الله تَعَالَى يُجيب دَعْوَة الْمَظْلُوم.
فَلَمَّا نَامَا تِلْكَ اللَّيْلَة رأى هَارُون الرشيد وَزَوجته فِي الْمَنَام أَن الْقِيَامَة قد قَامَت، وَأَن جَمِيع الْمَخْلُوقَات حَضَرُوا فِي مَوضِع الْحساب، وَالنَّبِيّ -[ﷺ]- يشفع لأمته، فَلَمَّا قصد هَارُون وَزَوجته إِلَى حَضْرَة الله تَعَالَى لِلْحسابِ، فجَاء ملك، ومنعهم من الذّهاب إِلَى عِنْد النَّبِي ﵇، فَقَالَ هَارُون للْملك: لم تَمْنَعنَا من الذّهاب إِلَى حَضْرَة الله تَعَالَى؟ فَقَالَ الْملك: قَالَ لي النَّبِي ﵇:
1 / 226