مقدمة
حق على من حاول علما أن يتصوره بحده أو رسمه، ويعرف موضوعه وغايته واستمداده.
فالفقه لغة: العلم بالشيء، ثم خص بعلم الشريعة، وفقِه بالكسر فقها: علم، وفقُه بالضم فقاهة: صار فقيها. واصلاحا عند الأصوليين: العلم بالأحكام الشرعية الفرعية [المكتسب] من أدلتها التفصيلية، وعند الفقهاء: حفظ الفروع وأقله ثلاث مسائل، وعند أهل الحقيقة: الجمع بين العلم والعمل لقول الحسن البصري: إنما الفقيه، المعرض عن الدنيا الزاهد في الاخرة، البصير بعيوب نفسه، وموضوعه: فعل المكلف ثبوتا أو سلبا، واستمداده من الكتاب والسنة والاجماع والقياس وغايته الفوز بسعادة الدارين.
وأما فضله فكثير شهير، ومنه ما في الخلاصة وغيرها: النظر في كتب أصحابنا من غير سماع أفضل من قيام الليل، وتعلم الفقه أفضل من تعلم باقي [ما في] القرآن، وجمع [وجميع] الفقه لا بد منه.
وفي الملتقط وغيره عن محمد: لا ينبغي للرجل أن يعرف بالشعر والنحو، لان آخر أمره الى المسألة وتعليم الصبيان، ولا بالحساب، لان آخر أمره الى مساحة الارضين، ولا بالتفسير، لان آخر أمره إلى التذكير والقصص، بل يكون علمه في الحلال والحرام وما لا بد منه من الاحكام، كما قيل:
إذا ما اعتز ذو علم بعلم ... فعلم الفقه أولى باعتزاز
فكم طيب يفوح ولا كمسك ... وكم طير يطير ولا كبازي
وقد مدحه الله تعالى بتسميته خيرا بقوله تعالى: ﴿ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا﴾ [البقرة: ٢٦٩] وقد فسر الحكمة زمرة أرباب التفسير بعلم الفروع الذي هو علم الفقه، ومن هنا قيل:
وخير علومٍ علمُ فقه لانه ... يكون إلى كل العلوم توسلا
فإن فقيها واحدا متورعا ... على ألف ذي زهد تفضل واعتلى
وهما مأخوذان مما قيل للامام محمد الفقيه:
تفقه فإن الفقه أفضل قائد ... إلى البر والتقوى وأعدل قاصد
وكن مستفيدا كل يوم زيادة ... من الفقه واسبح في بحور الفوائد
فإن فقيها واحدا متورعا ... أشد على الشيطان من ألف عابد
1 / 11