Dutsen Da Aka Tsara
الدر المنظوم الحاوي لأنواع العلوم
Nau'ikan
ولا شك أن الأئمة المتأخرين عليهم سلام رب العالمين، وإن كانت سيرتهم حميدة، وآراؤهم رشيدة، وطرائقهم سديدة، نصبوا أنفسهم لصلاح العباد، ومنابذة ذوي الزيغ والعناد، في أزمنة قد فسدت عوالمها، وعفت فيها الشريعة وعطلت معالمها، وكثر فيهم اللدد(1) والأود(2)، وانتشرت فيهم البدع، وماتت بينهم السنة، وغلب عليهم ولاة الجور، فهم بسننهم يقتدون، وعلى سننهم يقتفون، وسبل الحق بينهم طامسة، والسيرة النبوية منكرة، والإمام الداعي في هذه الأزمنة إنما جمهور أنصاره الفسقة المؤلفون، ولا يجد من المؤمنين في أكثر أوقاته إلا ضعيفا لا يغني عنه شيئا، بل يكون كلا عليه، فكان قيامهم -والحال هذه- اجتهادا منهم، مخالفا لاجتهاد من سلف من سلفهم، وكان معظم سيرهم مبنيا على المصالح المرسلة، والاجتهاد الذي لا أصل له معين، على حسب مقتضى زمانهم، وطرائق أهل أوانهم، ولهذا شيدوا المعاقل، وعمروا القصور وزخرفوها، وبنوا البناءات المؤنقة، ولبسوا نفائس الملابس، واتخذوا الفرش الوثيرة، وجلل بعضهم الصافنات الجياد، ووسعوا على عبيدهم وخولهم، وأخذوا من أموال الرعايا أمورا زائدة على الواجبات الشرعية، حتى قال الإمام المنصور بالله عليه السلام : لا فرق بين ما نأخذه ويأخذه الظلمة من غير الواجبات الشرعية إلا بالنية، فإنا نأخذه بنية الدفع، وهم يأخذونه بنية الضر لا النفع، ولا شك أن هذه السير وإن كان لها وجوه شرعية، فليست عين السيرة النبوية، كما لا يعزب ذلك عمن له أدنى معرفة ومطالعة، ومن أنكر ذلك فهو معاند أو جاهل، وتفسيق من خالف هؤلاء قياسا على من خالف أولئك مزلة قدم، نسأل الله أن يثبت أقدامنا على منهاج الحق المبين، ويعيد علينا من بركاتهم أجمعين.
Shafi 358