ثم ولي في سنة أربع عشرة درس المالكية بالمدرسة البنجالية بمكة ، واستمر حتى صرف عن ذلك مع وظيفة القضاء في رابع عشري شوال سنة سبع عشرة بقريبه الشريف أبي حامد بن عبد الرحمن بن أبي الخير بن أبي عبد الله الفاسي ، ثم أعيد إلى ولاية القضاء قريبا في ثامن ذي القعدة من السنة ، ثم عزل في عاشر الحجة سنة تسع عشرة بإمام المالكية شهاب الدين أحمد بن علي النويري ، ولم يباشر النويري ذلك لأمر أوجب ذلك ، ثم أعيد في ربيع الآخر سنة عشرين ، ثم صرف في أواخر سنة ثمان وعشرين لما ذكر عنه من العمى ، وكان هو في الأصل أعشى ثم ضعف نظره جدا بالقاضي كمال الدين أبي البركات محمد بن محمد بن أحمد بن حسن بن الزين القسطلاني ، فقدم القاهرة في أوائل سنة تسع وعشرين فاستفتى فضلاء المالكية فأفتوه بما يقتضيه مذهبهم أن العمى لا يقدح إذا طرأ على القاضي المتأهل للقضاء ، ومنهم من أفتاه بأنه لا يضر تولية الأعمى ابتداء ، واستنابه القاضي شمس الدين البساطي فحكم بالمدرسة الصالحية بالقاهرة ، ثم أنهى أمره إلى السلطان ووصف بما يستحقه من الثناء عليه فأعيد إلى منصبه ، ثم توجه إلى مكة.
ثم سعى عليه فعزل مرة ثانية بابن الزين المذكور في أوائل سنة ثلاثين فأبى أن يسعى له محبوه في العود وليستمر معزولا إلى أن مات.
وكان إماما علامة فقيها مفننا حافظا للأسماء والكنى ، وله معرفة تامة بالشيوخ والبلدان واليد الطولى في الحديث والفقه والتاريخ. لطيف الذات ، حسن الأخلاق ، عارفا بالأمور الدينية والدنيوية ، له غور ودهاء وتجربة وحسن عشرة وحلاوة لسان ، ويجلب القلوب بحسن عبارته ولطيف إشارته.
وكانت وفاته في النصف الثاني من ليلة الأربعاء ثالث شوال سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة بمكة ، وصلي عليه بعد صلاة الصبح عند باب الكعبة ، ودفن بالمعلاة بقبر سيدي الشيخ علي بن أبي الكرم الشولي بوصية منه ، وكان الجمع في جنازته وافرا ، وكثر الأسف عليه ، ولم يخلف بالحجاز بعده مثله رحمهالله ورضي عنه.
Shafi 10