Duroos of Sheikh Abdullah Al-Jalali
دروس للشيخ عبد الله الجلالي
Nau'ikan
التوجه إلى الله وحده
صار المسلمون يستغيثون بالله، وهذه النقطة الحساسة هي التي يجب أن ننتبه لها اليوم؛ فليس الرسول ﷺ وحده هو الذي وقف يسأل الله ويتضرع بين يدي الله ويقول: (اللهم! إن تهلك هذه العصبة لا تُعبد في الأرض)، بل حتى المسلمون كانوا يستغيثون، وما استغاثوا بغير الله ﷿، ولا فكروا في أن يمدوا أيديهم إلى فارس أو إلى الروم؛ لأن الإسلام لا ينتصر إلا بنصر الله ﷿ وبجهود المسلمين الذين يسلطهم الله تعالى على الكافرين.
فالاستغاثة في مثل هذه الظروف الشديدة يجب أن تكون بالله ﷿، والله تعالى يملك قلوب العباد، وهو الذي يملك نواصيهم فكلها بيده، كما قال ﷿: ﴿وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [المنافقون:٧]، وقال: ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الفتح:٤]، سواء كان المستغيث من البشر أو من الملائكة؛ فالمكروب الذي وصل إلى ساعة الصفر وطوقه عدوه من كل جانب حينما يستغيث بالله ﷿، فإن الله تعالى قريب مجيب.
ولذلك لم يخيب الله ﷿ استغاثة هؤلاء القوم، إنما أسعفهم بملائكة، وأخبرهم أن هؤلاء الملائكة لا ينفعون ولا يضرون من دون الله.
وهؤلاء الملائكة نزلوا من السماء، وكانوا خمسة آلاف ملك مدججين بالأسلحة، وواحد منهم يستطيع أن يقلب الأرض كلها رأسًا على عقب بأمر الله ﷿، ومع ذلك لا يُعتمد عليهم، ولذلك سيأتينا من أين يأتي النصر، فليس من الملائكة، وإنما هو من عند الله ﷿.
فالله تعالى يقول للمسلمين هنا (إِذْ)، أي: اذكروا أيها المسلمون! ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ﴾ [الأنفال:٩]، أي: تطلبون الغوث من الله ﷿ وتقولون: يا رب! يا رب! يكررون هذه الدعوة، ويتهجدون في جنح الليل المظلم، ويتضرعون بين يدي الله ﷿، ويزيلون المنكرات حتى لا يبقى في الأرض منكر؛ لأن النصر لا ينزل مع وجود المنكرات في الأرض، لاسيما إذا كانت هناك منكرات كبيرة، ولاسيما إذا كان هناك دعاة للباطل والضلال قد رفعوا رءوسهم، ولاسيما إذا كانت هناك أماكن يحارب فيها الله ﷿، وينتشر فيها الربا، ويُؤذى فيها الدعاة إلى الله تعالى، ويُؤذى فيها أولياء الله؛ وهم الذين تعتبر أذيتهم حربًا لله، فالله تعالى يقول في الحديث القدسي: (من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب)، وهل يستطيع إنسان أن يحارب الله ويحارب الناس في آنٍ واحد؟! يستطيع، وإذا حارب الله وحارب الناس فسوف يسلط الله ﷿ عليه هؤلاء الناس؛ لأن نواصي المؤمنين والكافرين كلها بيد الله ﷿ وفي قبضته.
فهنا كانوا يستغيثون بالله، لأنه لا يغيث ولا يكشف الضر ولا يأتي بالخير ولا يزيل الكربة إلا الله ﷿، ﴿فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ [الأنفال:٩]، هذه الفاء يقول علماء اللغة: إنها للترتيب السريع؛ ولذلك إذا جاء الجواب بالفاء فهو سريع، وإذا جاء بـ (ثم) فهو بعيد.
إذًا: لماذا لا يجرب الناس الآن الاستغاثة بالله ﷿ وحده! فإن كل التجارب قد جربوها إلا العودة إلى الله ﷿ عودة صحيحة.
فلماذا لا تُعمل هذه التجربة ولو مرة واحدة في حياة الناس اليوم وفي عالمهم؟
1 / 26