307

Duroos by Sheikh Ibn Jibreen

دروس للشيخ ابن جبرين

Nau'ikan

إنشاء الشيخ لمعهد إمام الدعوة وتدريسه فيه
عندما أتيت إلى الرياض في سنة أربعٍ وسبعين، وذلك بعدما فتح المعهد العلمي، وانتظم فيه خلقٌ كثير، وبقي آخرون أغلبهم من المكفوفين لم يلتحقوا بالمعهد؛ وذلك لأن فيه علومًا لا تناسبهم وتصعب عليهم؛ لكونهم مكفوفي الأبصار، فعزم الشيخ ﵀ على أن يفتح معهدًا خاصًا، وسماه: معهد إمام الدعوة، ولما عزم على فتحه كان أول جلسة جلسها بعد الفجر، وذكر فيها فتحه لهذا المعهد، وأن سبب فتحه: أن هناك من لا يرغب في دراسة التقويم ولا الحساب ولا الجبر ولا الهندسة ونحوها من العلوم الجديدة، وإننا نريد أن يكون هذا المعهد معهدًا شرعيًا خاصًا، وذكر أنه يدرس فيه عشر موادٍ، وأخذ يعددها بأصابعه -ونحن ننظر- فقال: الفقه، وأصول الفقه، والحديث، ومصطلح الحديث، والتفسير، وأصول التفسير، والتوحيد، والعقيدة، والنحو، والفرائض، فهذه العشرة كلها دروس دينية، وهي التي قررها في ذلك المعهد عندما فتح في سنة أربعٍ وسبعين، ولما فتح للسنة الأولى كانت الدراسة في المسجد، فتولى تدريس حلقتين، حيث قسمهم إلى أربع سنوات، سنة رابعة: فيها المتقدمون الذين معهم تمكن، وسنة ثالثةٌ: دونهم في الرتبة، ولكن معهم سابق علم، وسنةٌ ثانية: دونهم كذلك، وسنة أولى: وهم الأكثرية، وهم المبتدئون، وإن كان فيهم أيضًا بعض التلاميذ المتفوقين.
التزم الشيخ بتدريس السنة الرابعة، وبتدريس السنة الأولى الذين هم الأكثرية، وكنت أنا في السنة الرابعة، واستمر يدرسنا لمدة ثمان سنوات، قرأنا عليه فتح المجيد بأكمله فيما يتعلق بالتوحيد، وقرأنا عليه الفتوى الحموية في العقيدة، وكذلك العقيدة الواسطية، وقرأنا عليه كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية، وقرأنا عليه شرح الطحاوية، وكان يشرحه شرحًا متوسطًا، وكان يعلق على الجملة أو على المقطع تعليقًا خفيفًا؛ وذلك لأنه يثق بأنه ظاهر، وأن هذا الكتاب إن شرحه شرحًا موسعًا فسيطول، وبالأخص كتاب الإيمان لسعته، وما أشبه ذلك.
وكان رحمه الله تعالى متوغلًا في علم التوحيد، وحضرنا له درسًا في السوق، كان إذا انتصف الضحى -أي: قبل الظهر بساعتين- جاء إلى السوق -الذي هو مجتمع الناس- وقرءوا عليه بابًا من أبواب كتاب التوحيد، ثم يشرحه شرحًا واسعًا، ويتوسع في ذلك الباب، وقد أعطي ذكاءً وفقهًا في هذا الكتاب، حتى إنه يستخرج منه فوائد عديدة زيادة على المسائل التي استنبطها منه المؤلف، ويشرح الجمل شرحًا بليغًا، ويطبقها على الواقع، وأتذكر أنه قُرئ عليه باب احترام أسماء الله تعالى، وتغيير الاسم لأجل ذلك، وفيه حديث أبي شريح؛ أنه كان يكنى أبا الحكم، فبعد ما شرح الباب قال: إن الناس يتساهلون في هذه الأسماء، فيسمون بما يقرب من أسماء الله تعالى، ثم قال: إن من الناس من يسمي عبد العزيز: عِزَيِّز، ويسمون عبد الرحمن: دِحَيِّمْ، وأخذ يمثل بمثل هذه الأسماء وهذا لا يجوز، فإن ذلك تغيير لأسماء الله، وأسماء الله يجب أن يكون لها مكانتها.
ولما تكلم على باب ما جاء في المصورين، كان التصوير قد ظهر في ذلك الوقت، فأخذ ينكر على الذين يتوسعون في التصوير، بأي نوعٍ من أنواع التصوير، ثم استطرد وذكر ما انتشر من الكتب المليئة بالصور، فذكر أنها كتب لا فائدة فيها، ولا أهمية لها، ومع ذلك يوجد في جوانبها كثير من الصور، وكذلك المجلات، وأخذ ينكرها، وقد استجاب لذلك كثير من الذين سمعوهُ، فرجعوا ومزقوا ما عندهم من الصور.
وبالنسبة إلى تدريسه للسنة الأولى، فقد درسهم الثلاثة الأصول، والأربعين النووية، ودرسهم في النحو: الآجرومية، وكنا نحضر له في درس ثلاثة الأصول، فكان يشرحه ويأتي بفوائد عجيبة يستنبطها من ذلك المتن، وهكذا أيضًا في شرحه للأربعين النووية.

12 / 7