Duroos by Sheikh Al-Uthaymeen
دروس للشيخ العثيمين
Nau'ikan
حكم من أراد أن يبر بوالديه بعد موتهما بحج أو يضحي عنهما
السؤال
فضيلة الشيخ! هل الأفضل لمن أراد أن يبر بوالديه بعد موتهما أن يحج عنهما بنفسه أو ماله أو أحد أبنائه أو يضحي عنهما؟ وكل ذلك تطوعًا وليس بوصية، أو يصرف ذلك في بناء المساجد والجهاد في سبيل الله؟
الجواب
أحسن ما يُبر به الوالدان ما أرشد إليه النبي ﷺ وهو الدعاء والاستغفار لهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا صلة لك فيها إلا بهما، هذه هي التي نص عليها الرسول ﷺ حين سأله السائل فقال: يا رسول الله! هل علي من بر أبوي شيء بعد موتهما؟ فأجابه بذلك، وأما الحج عنهما والأضحية عنهما والصدقة عنهما فهي جائزة لا شك، ولا نقول: إنها حرام، لكنها مفضولة؛ لأن الدعاء لهما أفضل من هذا، وهذه الأعمال التي تريد أن تجعلها لوالديك اجعلها لنفسك، حج أنت لنفسك، تصدق لنفسك، ضح لنفسك وأهلك ابذل في المساجد والجهاد في سبيل الله لنفسك؛ لأنك أنت سوف تكون محتاجًا إلى العمل الصالح كما احتاج إليه الوالدان، والوالدان قد أرشدك النبي ﷺ إلى ما هو أنفع وأفضل، هل تظنون أن الرسول ﵊ غاب عنه أن الأفضل أن تحج أو تتصدق؟ أبدًا.
لا نعتقد أن الرسول غاب عنه ذلك، بل نعلم أن الرسول اختار هذه الأشياء الأربعة: الدعاء، والاستغفار، وإكرام الصديق، وصلة الرحم لأنها هي البر الحقيقة، ولهذا صح عنه أنه قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) لم يقل: أو ولد صالح يتصدق عنه أو يضحي عنه، أو يحج عنه أو يصوم عنه مع أن الحديث عن الأعمال، فعدل النبي ﵊ عن جعل الأعمال للميت إلا الدعاء، ونحن نشهد الله ونعلم علم اليقين أن الرسول ﷺ لن يعدل إلى شيء مفضول ويدع الشيء الفاضل أبدًا؛ لأنه صلوات الله وسلامه عليه أعلم الخلق وأنصح الخلق، فلو كانت الصدقة أو الأضحية، أو الصلاة أو الحج أو الصيام مشروعة لأرشد إليها رسول الله ﷺ.
وأنا أقول: إنه ينبغي لطلبة العلم في مثل هذه الأمور التي يكون فيها العامة سائرين على الطريق المفضول أن يبين وأن يوضح وأن يقول هذه النصوص.
ائتوني بنص واحد يأمر النبي ﷺ أن يتطوع الإنسان لوالديه بصوم أو صدقة، أبدًا لا يوجد، لكن قال: (من مات وعليه صيام -عليه صيام! - صام عن وليه) فأمر النبي ﵊ أن نصوم الفرض عن الميت، لكن التطوع أبدًا وقلب في السنة كلها من أولها إلى آخرها، هل تجد أن الرسول ﵊ أمر أن يتصدق الإنسان عن والديه، أو أن يصوم تطوعًا عن والديه، أو يحج تطوعًا عن والديه، أو يبذل دراهم في المصالح العامة لوالديه؟ أبدًا.
لا يوجد، وغاية ما هنالك أن الرسول ﷺ أقر هذا الشيء، وإقرار الشيء لا يعني أنه مشروع، فقد أقر سعد بن عبادة حين استأذن منه أن يجعل مخرافه أي: بستانه الذي أوقفه صدقة لأمه، قال: نعم، وكذلك أقر النبي ﵊ الرجل الذي قال: إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها، قال: نعم، لكن أمر أمته أن يتطوعوا لله وأن يجعلوها للأموات هذا لا يوجد، ومن عثر على شيء من ذلك فليتحفنا به، إلا بشيء واجب فالواجب لا بد منه.
2 / 21