ولما آنس في الوجوه استياء استدرك قائلا: ما يدوس عم إبراهيم اليوم، فإنما يدوس إدارة كاملة.
فقال أحمد بحدة: إلا من وراءه خزينة خاصة!
وارتاح الجميع إلى قوله تشفيا، غير أن المدير نقر على مكتبه بقلمه الباركر المهدى إليه في مناسبة سعيدة، داعيا الإدارة إلى ضبط النفس، وكان في الحقيقة يداري قلقه المتزايد. لكن الجندي تساءل رغم ذلك: ماذا يحدث للنقود في هذه الأحوال؟ - كحال السرقة؟
ولم يضحك أحد، فعاد الجندي يتساءل: في حال الحوادث؟ - قد تسرق في الزحمة، وقد يتحفظ عليها في قسم البوليس حتى تتضح الحقائق، ومت يا حمار!
لكن بدا أن مملكة الضحك قد جدبت تماما. بدت الوجوه كالحة، ومضى الوقت أثقل من المرض. وتساءل صوت: على وجه من أصبحنا اليوم؟! وذهب أحمد يبحث عن عم إبراهيم في المراقبة كلها، ثم عاد بوجه ناطق بخيبة مسعاه. وفكر المدير في المشكلة الغريبة التي لم تدر لأحد في بال. إنه يأبى أن يصدق. سيظهر الرجل المجنون فجأة عند الباب. ستنهال عليه الشتائم وسينتحل كافة الأعذار. وإلا فما العمل؟ لطفي وراءه زوجة غنية، وسمير وغد معروف، ولكن ثمة مساكين مثل أحمد قد يقضي عليهم الحادث! وعاد بياع السمن، وقبل أن يفتح فاه، صاح به المدير: انتظر، القيامة لم تقم، ونحن في إدارة حكومية، لا في سوق.
فتراجع الرجل مذهولا. وزار الإدارة موظفون من المراقبة يستطلعون الأحوال، وهم بعضهم بالمداعبة، ولكنهم وجدوا جوا مكفهرا، فتلاشت الدعابات في حلوقهم، وتجسد القلق وكف الجميع عن العمل. وتأوه أحمد قائلا: قلبي يحدثني بأن المسألة جد! ضعنا يا جماعة!
ثم هب واقفا وهو يقول: سأسأل عنه بواب الوزارة. واختفى مهرولا، ثم عاد وهو يصيح بصوت ثائر: البواب يؤكد أنه رآه يغادر الوزارة حوالي التاسعة صباحا!
ثم بصوت مختنق: أفظع من كارثة، لا يمكن أن يبيع حياته بمائة وخمسين جنيها أو مائتين، حادث؟! من يدري؟! هذا الشهر لن نعرف له نهاية يا رب السموات!
وشعر لطفي بأن بعض الأنظار تتجه نحوه من حين لحين، فقال منقبض القلب: إنها أفظع من كارثة، لعلكم تتساءلون ماذا يهمني أنا؟! والحق أن زوجتي الغنية لا تنفق مليما واحدا من مالها.
وانصبت عليه في السر عشرات اللعنات، ولم يعره أحد التفاتا. وتأوه أحمد قائلا: أتصدقون بالله؟ والله الذي لا إله إلاه إني من اليوم الثاني في الشهر أذهب وأجيء، وليس في جيبي مليم واحد، لا قهوة ولا شاي ولا سيجارة ولا استعمال لأي نوع من المواصلات، أولاد في الثانوي وأولاد في الجامعة، ودين كبير بسبب الأدوية، وماذا يمكن أن أفعل يا إله الكون؟!
Shafi da ba'a sani ba